السبت، 26 سبتمبر 2009

الحرية أو الطوفان



كتب نورة آل سعد

عبّر الاستاذ محمد فهد القحطاني في مقالات ثلاثة نشرت في «العرب» القطرية في الشهر الماضي، عن تشوّف الجماعات الاسلامية بصورة صريحة وواضحة للعمل السياسي. لقد دافع القحطاني عن مشروعية التحزب السياسي للاسلاميين وتظلم باسم الجماعات الاسلامية، لانها رغم التضحيات «لم ترض عنها القيادات السياسية العربية الرسمية، ولم تشركها في الأمر، أو على أقل القليل السماح لها بالوجود الرسمي الشرعي على الساحة السياسية العربية». وتابع قائلا ان «دعوى عدم مشروعية قيام الأحزاب على أساس ديني تعتبر احتكار الحقيقة واعتماد رأي سياسي على حساب آراء أخرى متعددة في الموضوع، وفي الحقيقة هو قطع للطريق على أجدر الأحزاب بالحياة في الوطن العربي».
نكاد نسمع من خلف تلك المقالات اصواتا بعيدة الغور أطلقها تيار الاصلاح في العالم الاسلامي منذ حركة الافغاني، مرورا بكوكبة من الاصلاحيين وصولا الى حسن البنا، الذي اسس جماعة حزبية، فضلا عن دعوة محمد بن عبدالوهاب، وهي بلا شك محط تقدير وتثمين عاليين عند اسلاميي المنطقة، لانها على وجه الخصوص دعوة ذات اهداف سياسية أثمرت دولة ذات حدود.
ان همّ الاصلاحيين الاسلاميين اليوم -كما اوضحه الدكتور حاكم المطيري في كتابه الممتع «الحرية او الطوفان»- يتركز على الاحالة الى الخطاب السياسي المؤول الذي أنتجته عهود التراخي والتضييع في العصرين الاموي والعباسي وما تلاهما، وليس الخطاب المنزل الاصيل الذي تأسس في مرحلة النبوة والخلافة الراشدة.
ان هم الاصلاحيين الاسلاميين هو التنادي بان مهمة الاصلاح موكلة الى السلطة وحدها دون سواها، مهما كانت عاجزة او فاسدة! ولذلك يقوم الاسلاميون -تبعا لذلك الخطاب- بالتحالف مع تلك الانظمة، لانهم يظنون انه لا مجال للتوجيه والتأثير الا من خلالها وتحت مظلتها، ولذلك ينظّرون الآن لشرعنة قيامهم بذلك الدور الاصلاحي بالقوة (قوة السلطان بالذات) سواء بالتحالف مع تلك الانظمة او بالاستيلاء على السلطة منها، ومن ثم الاستحواذ عليها دون سواهم من التيارات والاحزاب «الكفرية»!
ولا يشغل الاسلاميون انفسهم -كما هو واضح- بالكيفية التي ستمكنهم من المزاحمة او الاستيلاء على السلطة! ربما لانهم يعتمدون على معجزة او حدث استثنائي خارق!تكشف مقالات القحطاني عن خطاب حدي ونزعة اقصائية في
المعالجة المغلفة بالنفعية الجلية، اذ ان دفاعه عن شرعية الوجود الحزبي للاسلاميين مقرون بتوجس لازب للديموقراطية ذاتها! وباقصائية تامة لكل الخصوم الايديولوجيين، باعتبار ان الاسلاميين -وحدهم دون تعيينهم- هم الممثل الشرعي الأوحد المقبول لدى الجماهير، ولكن لمَ يتعين اذا على الاسلاميين الاحتكام الى صناديق الاقتراع ما داموا الأجدر والأحق! وهل الاسلاميون مسمى يضم كتلة واحدة ام جماعات متنازعة ومتخاصمة؟!
ألا يدرك الاسلاميون ان المواسم الانتخابية دوارة وان عواملها متغيرة؟! فاذا كان القحطاني يجزم بانهم الفائزون بالاغلبية الساحقة اليوم «عن نبوءة او كهانة او استشهاد بانتخابات ماضية»، فأنى له الجزم بالموقف الانتخابي للاسلاميين بعد عقد من السنين؟ واذا خسر الاسلاميون، فماذا سيكون موقفهم من آليات الاقتراع ومبادئ التحزب وقضية التعددية، وكل تلك المسائل والمبادئ التي لا يبدو انهم واعون ومستوعبون لمرعياتها واستحقاقاتها المرحلية؟!.. وللحديث بقية.