الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

الرواية في قطر


الرواية في قطر

نورة آل سعد

تعد رواية (العبور الى الحقيقة ) لــ شعاع خليفة ، أول رواية قطرية ، فقد ذكرت الكاتبة في خاتمة الطبعة الاولى( والوحيدة من روايتها ) بأنها كُتبت في عام 1987. طبعت تلك الرواية في مؤسسة دار العلوم في الدوحة في عام 1993 و ليس هناك نسخ متوفرة حاليا من تلك الرواية للاسف بسبب ضياعها ! وقد اخبرتني صاحبتها شعاع خليفة بأنها لا تمتلك نسخة واحدة من الرواية ! لكنني أفترض بأن هناك نسختين مودعتان بدار الكتب القطرية  .
 

تلك رواية طبعت لمرة فقط وضاعت نسخها بسبب الاهمال والاغفال ، في مجتمع لا يكترث البتة بمسألة الثقافة او يوليها أي اعتبار أو قيمة  !!

وتلك اذاً رواية قطرية أخرى .. لن تتمكن من الحصول على نسخة منها ( بالرغم من ريادتها في الجنس الروائي في قطر )



أتبعت شعاع خليفة روايتها ( العبور الى الحقيقة)  برواية( في انتظار الصافرة) وقد أنهتها عام 1993 كما ذكرت في خاتمة تلك الرواية ، طُبعت في عام 1994 وهناك رواية ثالثة للكاتبة شعاع خليفة بعنوان( احلام البحر القديمة) كُتبت في 1990 كما ذكرت الكاتبة ، و طبعت في مؤسسة دار العلوم نفسها في عام 1993 . ( إن كنت مدفوعا بالفضول أو الاهتمام لقراءة احدى تلك الروايات الثلاث او جميعها، فلن تجد للاسف نسخة متوفرة من الروايات الثلاث  ! )

( العبور الى الحقيقة) رواية متماسكة فنيا عبرت عن ملامح رئيسية في الشخصية القطرية باعتبارها نموذجا سوسيولوجيا.

بطبيعة الحال لو تساءلنا اليوم ما الكتابة الجديدة ؟ ومن يمثلها في قطر ؟

فقد لا نجد بادىء ذي بدء من يطرح ذلك السؤال أصلا وبطبيعة الحال فليس هناك  من يحفل بالاجابة عنه !

ما الكتابة الجديدة ؟

 وهل ثمة دواعٍ أو بواعث لظهور أي ( كتابة جديدة ) ؟

هل ثمة متغيرات قادرة على خلق علاقات جديدة وتحولات وقوى محركة ومحققة لتوتر ايجابي تؤدي في مجملها وفي نتائجها الى ظهور كتابة جديدة ؟

يجدر بي لفت انتباهكم الى أهمية ظهور الجنس الروائي مبدئيا ومغزى ذلك ؛ اذ انه مرتبط بتحقق شروط اجتماعية معينة وظهور طبقة وسطى وفكرة أفرادها وتصورهم عن أنفسهم ورغباتهم  .

 

عندما شرعت في اعداد مقالات حول القصة والرواية القطرية  ونشرتها في عام 2005 لم أكن مدفوعة فحسب برغبة قوية في لفت النظر الى ذلك النثر المنسي للكتاب القطريين بل كنت معنية – على وجه الخصوص - بالاشارة الى تلك الحياة التافهة المنسية المُزدراة .. والتي نعيشها جميعا

تزامن مع ظهور روايات شعاع خليفة الثلاث ، ظهور ثلاث روايات أخرى لشقيقتها الكاتبة دلال خليفة وهي كالتالي : اسطورة الانسان والبحيرة طبعت 1993 ثم اشجار البراري البعيدة طبعت 1994  ثم من البحار القديم اليك طبعت 1995

ثم اضيفت الرواية الرابعة لدلال في عام 2000 بعنوان (دنيانا مهرجان الايام والليالي)

جدير بالذكر أنه بصدور( أحضان المنافي) للدكتور أحمد عبد الملك عن دار بلال في بيروت في طبعتها الأولى عام 2005 ظهرت أول سيرة أدبية ذاتية لكاتب قطري.

و قدم د. أحمد عبد الملك بدوره أربعة أعمال أدبية : رواية( أحضان المنافي) عام 2005  - رواية (القنبلة) عام 2006 – رواية (فازع شهيد الإصلاح في الخليج) 2009  رواية (الاقنعة) 2011.

 وأصدر عبد العزيز آل محمود رواية (القرصان) عام  2011 عن دار بلومزبري- قطر التي أصدرت حتى الان طبعة ثالثة من رواية ال محمود وترجمت روايته الى الانجليزية .

 هناك مشهد قصصي بدأ ، منذ السبعينيات، في قطر، بالقصة القصيرة، أطل برأسه من خلال الصحافة المحلية ، وهو مشهد عريض بقطع النظر عن التقييم الفني ونقص القراءة النقدية ( وان كان قد تصدى لذلك المشهد القصي أشخاص معدودون تناولوه بمقاربات متشابهة)   .

رواية ( العبور الى الحقيقة ).. أول رواية قطرية

يبحث (سيف) الشخصية الرئيسية في الرواية، عن الحقيقة ؛ عن المطلق والثوابت التي تربطه بجماعته وأطرها التقليدية ! وينشد الحب باعتباره خلاصا تارة ومهربا تارة أخرى من معاناته وتأرجحه بلا خيار ولا قرار ! لذلك سعى سيف الى الحب بتخبط واضطراب واضحين، وكأنما يريد تجنب مواجهة نفسه وأسئلتها : من يكون وماذا يريد وما حدود حريته وما قدرته على اللحاق بالسعادة وتحققها في حياته  . يسعى سيف في الرواية الى الفرار من ذاته ومن مواجهة شكوكه ؛ شكوكه بايمانه وقدراته ومحيطه .. وبالحب والمستقبل والعالم من حوله ، يهرب بإلقاء نفسه القاءً اعتباطيا في بحر متلاطم من العواطف المتضاربة . يترك نفسه يقع في حب أول فتاة يصادفها وتوجه اليه اهتماما ثم يهجرها بلامبالاة الى اخرى وجدها في طريقه.. ثم يعود الى الاولى مترددا بلا قناعة مرة اخرى !  

يتسق طرح الكاتبة شعاع خليفة- اجمالا - مع ذلك العالم المحافظ المنغلق الذي تشربت موروثه وراحت تعبّر عنه بتذبذب شخصيتها الرئيسية وتأرجحها ! نرى في البداية ميلا الى تململ وتمرد محدود ومؤقت ؛ ثمة تمرد فاشل يعقبه ندم ، فتوبة، فعودة الى حظيرة الرشد والامتثال

من نافل القول ان معظم الشخصيات في نهاية الروايات التقليدية تعود الى جادة الرشد الاجتماعي وتتصالح مع التناقضات ذاتها التي بدا لاول وهلة انها تتصارع معها وهذا ما جرى في روايات شعاع خليفة ( وكذلك في سائر الرواية القطرية بتفاوت وفي عدة تمظهرات )
 

هناك سمة رومانسية تصطبغ بها روايتا شعاع (العبور الى الحقيقة ) و (في انتظار الصافرة ) وهي الحنين الى الماضي فكل الشخصيات تبحث عن القبول والاندماج

في كلتا الروايتين يعد التمرد والسؤال والشكك اثما حراقا ، حتى لو اقتصر الامر على التململ وفورات الغضب المحدودة او سوء التصرف فحسب. وعندما يخطىء كل من سيف وجفال فانهما يواجهان ما يشبه العقاب الالهي فيفقد سيف بصره لانه فقد البوصلة ويفقد جفال أهله ويصبح كطيوره الجارحة التي يربيها ؛ أسيرا  ومنعزلا ويعاني الوحدة التامة ويتجمد الزمن برغم مضي عمره فهو بانتظار انطلاق صافرة ما ، من مكان ما ، لا لكي ينطلق قدما الى الامام ، ولا لكي يستأنف حياته المتوقفة بل لكي يعود .. الى ماضيه وأهله ويطلب الصفح لانه تمرد وهرب منهم !!


في روايتي (العبور الى الحقيقة) و( في انتظار الصافرة ) يُحكم النسق الخناق على الشخصيات ويدمر سعادتها تماما ويجردها من الاختيار ويحرمها من التحقق بيد ان الكاتبة تعالج المسألة باعتبارها حلقة مغلقة من الاثم والتكفير عن الذنب بتغليف ديني

في(العبور الى الحقيقة ) يعاني بطل الرواية سيف من " العجز والخوف واليأس " فهو تائه يرى  " الحياة عبء لا قدرة على احتماله " وتصفه الكاتبة بأنه " مسيّر"  تلجم العادات والتقاليد عواطفه وآماله وتطلعاته.. وأسئلته .  

نجد في تلك الرواية أن الفردانية الغضة الهشة الوليدة توا ، تواجه اشكالية التكيّف الاجتماعي مع جملة من المستجدات في المرحلة الجديدة بيد انها فردانية كامنة وضامرة لذلك سرعان ما تتقهقر وتذوي قبل اكتمالها.

لقد أضاءت الروايتان ملامح في الشخصية القطرية : تديّن تلقائي ؛ مُتشرّب من بيئة صغيرة ومغلقة على ذاتها ومغلّفة بالبساطة والتشابه ، واحتكام الى السائد ، ونزوع الى الامتثالية ، وتأزم الفرد نظرا لمحدودية خياراته وصعوبة استقلاله عن جسد الجماعة ( أو الجهاز الحكومي الذي اصبح كل شخص تابعا له وملحقا به ، لا يعرف نفسه الا من خلاله ويرتبط كلية بما يغذيه به من خدمات واكراميات )


نجد (شريفة) في رواية( في انتظار الصافرة) يخيم على تدينها الفطري سحائب التفكير السحري المغيّب في الشعوذة والانفصال وهي عالقة في دائرة الاثم والذنب


ونجد كلا من (سيف) و(جفال) في الروايتين يبحثان بتخبط عن الحب /القبول ، عن الحب / التكيف وكأنما يريد كل منهما تجنب مواجهة ذاته التي يجهلها ويكرهها في الوقت نفسه، فكلاهما يقع فورا فيما يتوهمه حبا عند لقاء اول امرأة تمحضه عطفا او تمنحه اهتماما .

و(في العبور الى الحقيقة ) يواجه( براين) الامريكي سيف بحقيقته (انت غير صادق مع نفسك وهذا ما يسبب لك الحيرة ) و تصف الكاتبة ( سيفاً) بأنه ( ما يزال يقع بسهولة تحت تأثيرات الاخرين.)

تظهر الشخصية الرئيسية في روايتي شعاع خليفة في غاية الهشاشة والتقلب والعجز؛ انها هوائية ومهزوزة وذرائعية حتى في تدينها بينما يظهر الغربيون على عكس ذلك مستقلين واثقين عمليين ومنسجمين مع أنفسهم كيفما اتفق ان يكونوا عليه .

تعجز الشخصيات القطرية عن التأقلم مع واقعها  المقيد المتناقض المهتز والذي تعيش على هامشه وهي ليست بانتظار صافرة  خارجة عن ارادتها فحسب بل هي عالقة في الوسط كتكفير عن ذنوب واخطاء ليست واضحة !


في رواية( في انتظار الصافرة) تنتظر كل الشخصيات انطلاق الصافرة  : فرانك وزوجته يريدان المضي بحياتهما قدما ، بينما يريد جفال ويوسف وشريفة استئناف حياة انقطعت في زمن ماضٍ ؛ يريدون العودة الى حياتهم.

هناك مقابلة غير مباشرة في الروايتين بين الشخصيات الغربية من جهة والشخصيات القطرية من جهة اخرى ، ذلك التقابل ، يكشف بوضوح رجحان كفة على اخرى و يزيد من وطأة الانكفاء والانطواء للشخصيات القطرية ازاء نظراء من ثقافة منفتحة ومغايرة .

 

 

ليست هناك تعليقات: