السبت، 31 أكتوبر 2009

الرواية في مكان آخر


31/10/2009
نورة آل سعد

ثمة عدد محدود من الاصدارات التي سجلت حضورا لافتا في قطر خلال العقود الماضية، وقد طبعت على نفقة اصحابها ولم تحظ بتوزيع يذكر في الداخل. وكانت هناك حركة طباعة نشطة إلى حد ما في الفترة ما بين عامي 2000 و2005، وبعدها هدأت الامور وتباطأت حتى كادت تتوقف اليوم! لقد قامت ادارة الثقافة (بعيد انشاء ما كان يسمى المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث) بمهمة اعادة الطباعة لاعمال عديدة للكتاب القطريين، كالاعمال الشعرية الكاملة لبعض الشعراء وكذلك المسرحيات، بالاضافة إلى مطبوعات متشابهة حول القصة القصيرة والشعر الشعبي، فضلا عن بعض الاصدارات الجديدة. اريد ان اقول ان معظم الانتاج المطبوع ينتسب زمنيا إلى الماضي (العقد السبعيني واوائل الثمانينات) ومن اللافت للنظر ان تلك المرحلة المنقضية ذاتها لم تلعب دورا فاعلا! ولا يعدو استحضارها اليوم -من خلال تلك الاصدارات- كونه عملا رمزيا لتكريم انطلاقة أو تحديد تاريخها في «حركة» ثقافية لم تدشن بعد ووئدت في مهدها.
لا توجد -في اعتقادي- حركة ثقافية ولا ادبية في قطر، وربما لم توجد قط، فقد سحقت بوادرها منذ الستينات. يعزو د. محمد عبدالرحيم كافود اسباب تخلف الحركة الثقافية والادبية في قطر في كتابه «الادب القطري الحديث» إلى ثلاثة امور تشابكت، هي: تأخر ظهور الصحافة حتى السبعينات تبعا لتأخر ظهور التعليم النظامي وغياب النوادي والجمعيات (او بالاحرى منعها واغلاقها)، وتأخر التحديث الاداري.
يهبط اليوم مؤشر الانتاج الادبي والفني في شبه انهيار دراماتيكي، بينما قد يفترض المرء حدوث العكس، فقد يتوهم البعض امكان تبلور حركة ثقافية تواكب تلك الشعارات والمهرجانات والمعروض الباهت الصاخب! ولكن لا احد مستعدا بعد للقيام برصد تلك «الحركة» المصطنعة والانشطة الاستعراضية من خلال تحقيق صحفي أو جهد بحثي اكاديمي. لقد تفاءل البعض خيرا بالخطوات التي بدأت منذ عام 1995 وحداهم الامل إلى اعتبارها علامات مبشرة قد تنبئ عن رؤية وقد تكشف عن وعي بشروط التحديث الضرورية، وربما تطلعوا إلى اطلاق مشروع لاقامة دولة قانون ذات نظام مدني مؤسساتي، وتوقعوا نقلة نوعية حقيقية من نسق إلى آخر! وربما كانوا -على الأغلب- مدفوعين بآمال في تحقق الحد الادنى من التغيير! على الأقل بسبب ضغوط العولمة واستحقاقات الانفتاح.
انني أتساءل اليوم: ترى هل يكمن وراء تلك الخطوات والاجراءات المتعثرة استشعار أو استجابة مدروسة (او حتى عفوية) لمتطلبات التغيير وضرورته؟ وهل تجري الامور بدافع التحفيز ام التصدي للمخاض القادم وتكييفه وتوجيهه وتقليم أظافره؟لقد قدر على المجتمع القطري ان يعيش دائما داخل العجز الذاتي عن الحراك الداخلي الطبيعي التراكمي في ظل خوف مستمر متوارث من أي مشاغبة، لكيلا يقع افراده تحت طائلة الشبهات. وفي مجتمع صغير كالمجتمع القطري لا يمكن التقليل من شأن الريادة الفردية، وبالرغم منذلك فان افرادا قلائل معدودين استطاعوا ان يسجلوا حضورا مميزا في سجل التاريخ القطري الحديث. لقد أولع الكتاب لا سيما الشباب في الخليج، بالجنس الروائي كوسيلة للتعبير الادبي عن اشواقهم واحباطاتهم. وجاء انتاج الرواية في السعودية مثلا، كثيفا وتجريبيا وصادما ولافتا للنظر ايضا، فما الذي يبطئ عجلة الانتاج الادبي في قطر، ولماذا يضمر نمو الرواية وقد ولدت ناضجة -إلى حد كبير- على يد الاختين دلال وشعاع خليفة منذ عام 1993؟ دعونا نسلط ضوءا على مسألة الرواية في قطر، لانني أتوقع ان تكون الرواية بديلا عمليا وآمنا عن تدوين التاريخ وكتابة المذكرات! وللحديث بقية..

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

اخبارية قطر


24/10/2009


كتب نورة آل سعد :

على الرغم من اجتماع يتيم لبعض الاعضاء في اللجنة التأسيسية لجمعية الكتاب والأدباء القطرية عقد منذ شهور في مقرها بالحي الثقافي، فان الجمعية لم تزل معلقة بلا اشهار رسمي. وقد تم ذلك الاجتماع بايعاز وتشجيع من مسؤول رفيع نظرا لقرب استضافة قطر لحدث ثقافي يدعى «الدوحة عاصمة الثقافة لعام 2010»، غير ان الاجتماع كان في نهاية المطاف خطوة بلا معنى ولا جدوى. يقال ان ثمة قانونا يعكف على اعداده يخص تنظيم قيام الجمعيات المهنية والثقافية، الا ان حدث الدوحة الثقافي سوف يسبقه غالبا!
لقد تردد ان الحي الثقافي سينفصل عن وزارة الثقافة ليكون هيئة مستقلة، ولكن وزير الثقافة لم يقطع بإجابة في الامر، قائلا: «ليس هذا هو المهم، ولكن المهم ان هذا الحي وجد ليخدم الحياة الثقافية في قطر»! متناسيا انه قد اعلن في برنامج تلفزيوني منذ شهور ان وزارته ستشرف على الحي الثقافي!
اما المشرف على اعمال الادارات والجمعيات في الحي الثقافي وهو السيد خالد العبيدان فيؤكد من جانبه «دعم» الجهات العليا بالدولة، مصرحا بان ادارة الحي لا تتدخل في شؤون الجمعيات بل انها تعمل باستقلالية تامة!
لا اعلم ما الجمعيات التي يقصدها اذ لم يشهر منها الكثير! ولكني اعلم انه لا شيء يستند في قيامه إلى الدعم المباشر قادر على ان يكون مستقلا! كما انه لا يمكننا اعتبار الحي الثقافي مستقلا لمجرد انه لا يتبع جهة ما رسميا..بعد!!
لا استطيع ان اتبين حقيقة امور كثيرة شديدة الضبابية والاضطراب ولم يبت فيها بشكل واضح حتى اليوم. خذوا مثلا التأكيد على رفع الرقابة والغاء وزارة الاعلام منذ عام 1996 على الرغم من ان ادارات الاعلام ذاتها لم تلغ في حينه بل وزعت وانضوت تحت جناح وزارة قائمة وهيئة ومجلس مستحدثين، بل لقد عادت وزارة الاعلام في انصع صورة تحت معطف وزارة الثقافة التي استحدثت منذ عامين (لكي تنهض باعباء الاعداد لملف الدوحة عاصمة الثقافة)، فضلا عن تحويل الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون إلى ما سمي بـ«المؤسسة الاعلامية»، ولاحظوا ان الهيكل التنظيمي لوزارة الثقافة يضم ادارتين هما: إدارة المطبوعات والنشر وإدارة الاتصالات، وتختص الاولى بإصدار طلبات التراخيص اللازمة للمطبوعات والمطابع ودور النشر الخ، وكذلك بالرقابة على المطبوعات المحلية وكل المصنفات الفنية، بينما تنظر الادارة الاخرى في طلبات الترخيص بإنشاء وتملك محطات البث الإذاعي المسموع والمرئي وإصدارها، فضلا عن الرقابة عليها.
وقد احتجزت ادارة المطبوعات منذ شهرين مائة نسخة من رواية جديدة للاديب د. احمد عبدالملك بعنوان «فازع» كانت قد شحنت اليه من دار النشر ببيروت ولم يفرج عنها بعد! ترى كم أصدرت ادارة الثقافة في الفترة الاخيرة من مطبوعات للقطريين أو سواهم؟ لعل الاجابة تكون مخجلة مقارنة بالتمويل المالي الذي يوجه للمهمات والاسابيع الخارجية (وقوامها صحون الهريس ونقوش الحناء وزفة المعيريس)،
لقد استغربت تعاقد هيئة متاحف قطر مع مهرجان ترايبيكا السينمائي للعام الثاني، اذ ان «المتاحف» ليست اولى من وزارة الثقافة في التعاون في هذا الشأن، كما ان تلك الهيئة قد استثنيت من تطبيق قانون الموارد البشرية ولم تضم إلى وزارة الثقافة خلافا لما تردد في حينه! تقوم هيئة المتاحف برعاية فعالية سينمائية تجارية في منشئها غير انها غير مجزية في نسختها في قطر، ونظرا للحضور القطري الشكلي في ادارة المهرجان والمشاركة فيه فانه يعد استنزافا محضا بتكلفته الباهظة! قد فشل تسويق المهرجان محليا ولا ادري هل سيستثمر خارجيا بشكل مرض؟!
لقد عاود موقع اخبارية قطر الظهور بعد احتجاب دام اكثر من شهر، وكان الموقع قد أغلق مودعا بكلمة عنوانها «لماذا نحن محبطون؟» تعود الصحيفة الالكترونية الاولى والوحيدة في قطر مما يعد بارقة أمل في سماء ملبدة بغيوم سوداء ولكن دونما مطر!

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

حرث البحر


17/10/2009


كتب نورة آل سعد :

لقد صودر حق المجتمعات في المشاركة في الرأي والشورى (صنع القرار) واستلبت حقوقها (في المواطنة والرقابة والمحاسبة) وتم تهميش دور الشعوب حتى اصبح المسلم في أمس الحاجة الى علاجه من القابلية للاستعباد لغير الله!
من تخدم الجماعات الاسلامية؟ وكيف ستتحول الى احزاب سياسية؟ وهل القضية المطروحة هي انتزاع سند مشروعية فكرية او قانونية وإسباغه على هياكل غير تنظيمية وغير سياسية اصلا؟ ينبغي الكشف عن مدى خطورة الازمة الداخلية لفكر الجماعات الاسلامية ونظرتها الى الحياة السياسية وممارساتها والاعتراف بانه ليس هناك اشد شراسة على الدين من اصحاب المعاول الدينية انفسهم، اولئك الذين ينعزلون باطراد عن واقع الناس ومعاناتهم وقضاياهم.
ان اكثر الجماعات الاسلامية في الخليج تغض الطرف عن ممارسات الانظمة، ولا تبدي اهتماما يذكر بالحقوق والحريات العامة، بل تسعى عمليا الى خنقها بمنظورها التقليدي المتحجر! يُستفز الاسلاميون بيسر للاحتجاج على حفل لنانسي عجرم ولا يهتزون ضد انتهاكات عظيمة بحق هدر المال العام وغياب استراتيجيات الأمن القومي والصناعي والتعليم وقضايا العدالة الاجتماعية، وكأن تلك الامور لا تدخل في صلب الشريعة ولبها!
لقد حُرم -بناء على التأويل- الخروج على تلك الانظمة المستبدة وسميت احيانا حكومات اسلامية، برغم اقصائها للشريعة تطبيقا وعدلا وتحويلها علماء الدين الى سدنة في مؤسساتها الرسمية. أمست تلك الجماعات الاسلامية في اكثرها تتعايش مع استبداد تلك الانظمة وتخدمها وتسهم في شرعنة ممارساتها بأسانيد مؤولة من دون ان تكون لتلك الجماعات أهداف أبعد وأكثر استراتيجية من مرحلة التهادن والتصالح الآنية! لست ادري أي احزاب سياسية تنوي تلك الجماعات اقامتها وأي اجندة اصلاحية ستفضي اليها بذلك الخطاب السياسي الانتهازي المتناقض؟
لطالما كان السبيل الى تحقيق المشروع الاصلاحي، السبيل الدستوري السلمي باقامة احزاب سياسية وفكرية تبلغ البرلمان عن طريق الانتخاب الحر المباشر، فيقوم الحزب المنتخب بانشاء حكومته -كما ينبغي ان تقضي بذلك الدساتير الشرعية التي يتوافق عليها الشعب ويقرها- وتتحول حينئذ بقية الاحزاب الى معارضة تتعهد الحزب المتقلد للحكومة بالتصحيح والمراقبة وتتعاون معه وفق التحالفات والصفقات السياسية المسموح بها في الحياة الديموقراطية، ووفق موازين القوى والتكتلات في كل بلد، في ظل ضمانات محصنة وليست مكبلة للحريات العامة.
ليس كل ما سبق الا سجالا نظريا لقضايا حيوية، غير انها تعد -في مجملها- بناء فوقيا في مجتمع لا يمكن استيلاد آلياته ومؤسساته المدنية المستقلة فعليا، دونما وجود حقيقي للبناء الانتاجي التحتي الاساسي.

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

اسلاميون في قطر


09/10/2009


كتب نورة آل سعد :

أميل الى الاعتقاد بأنه لا توجد في قطر تجمعات أو تكتلات واضحة المعالم، وحتى لو كانت هناك تجمعات من أي نوع فهي غير ممكّنة من أي منابر او قنوات لايصال وجهات نظرها حول ما يدور حولها. هل يعد الاسلاميون اذاً- بوصفهم افرادا- خطرا ماثلا في الافق في حال اقامة مجلس شورى منتخب في قطر؟ لا شك أن تصريحا نشر منذ مدة للشيخ خالد بن جبر آل ثاني نائب رئيس اللجنة الدائمة للانتخابات، قد عكس ظلالا من الشك والتخوف ممن يتوقع منهم «تخريب» ما تبنيه الحكومة منذ سنوات، وان لم يعينهم خالد بن جبر او يسمهم.
قد يكون أي مرشح بصبغة اسلامية قمينا بالفوز في الانتخابات المرتقبة، ولكنه لن يدخلها حتما الا بصفته القبلية لانه غير محسوب على اي جماعة اسلامية قائمة. جدير بالذكر ان القبلية تتضافر بقوة مع العامل الديني وتلتحف بالتاريخ الوطني للقبائل القطرية.
لقد استضافت قناة الحوار منذ فترة قطبين اسلاميين في قطر، هما الباحث د جاسم سلطان والناشط د. عبدالرحمن عمير، وتستوعب المساحة المرنة بين كل من د. سلطان الباحث المستنير ود. ابن عمير الناشط المحافظ، طيفا واسعا في المجتمع القطري، لكنني لا استطيع ان أحدد الاتجاهات وحجمها من دون وسائل للاستطلاع، لا سيما في ظل غياب قنوات منتظمة وعلنية للتعبير! لا يسعني الا اللجوء الى بعض المقالات والمنتديات، ففيها بعض النشاط المحدود الذي قد يستقطب اهتمام الدوائر البحثية، وكذلك الامنية لمراقبته عن كثب.
يتفق الاثنان سلطان وابن عمير، على توصيف ما يدعى بالحركات الاسلامية في المنطقة بانها لا تعدو كونها مجموعات سقفها تربوي وبرنامجها ثقافي ويقوم اساسا على منظومة شعائرية وتعبدية، بحيث لم ير الاثنان انها تشكل بناء هيكليا تنظيميا او فكريا، وتشككا- والحال تلك- ان تعد تلك الجماعات قوى سياسية فاعلة أو مؤثرة في اي حراك فعلي حتى لو خاضت معمعة الانتخابات!
بطبيعة الحال، فانه ليس هناك اي تيار او جماعة من دون مطالب سياسية ضمنية (دافعية او غائية) فحتى المطالب التربوية في البرامج الثقافية مؤطرة بغايات واهداف سياسية. ويخلص الاثنان د. سلطان ود. ابن عمير الى نتيجة بالغة الاهمية، وهي أولوية التركيز على تأسيس ركيزة المجتمع المدني.
وقد أشار بن عمير الى دور القبائل القطرية في السابق، حيث كانت تحل محل المجتمع المدني في التمثيل والتساند والمحاماة عن الحقوق، بينما علل د. سلطان حل التنظيم القطري الذي كان يتبع «الاخوان المسلمين» بقوله «ان النظر الى التنظيمات يجب ان يكون باعتبار جدواها، ففي بيئات معينة يكون التقدير العام ان هذا المجتمع عنده مؤسسات علنية بديلة تدعمها الدولة، وتقوم باللازم، فاذا كان سقفك تربويا فلماذا تلجأ الى ممارسة باشكال لها حمولات معينة؟»، يرى د. سلطان انه بعد مرحلة الاستقلال للدول العربية جاءت القطيعة بين الانظمة وبين الاسلام المكون الاساسي لثقافة الشعوب، ويقول «لو ان الانظمة العربية تبنت الاجندة الاسلامية لما كانت هناك حاجة للجماعات الاسلامية»، لا شك في ان المجتمعات الخليجية كلها بحاجة ماسة الى المزيد من الحريات في خياراتها من خلال ارادة التشريع.
وانني لأتفق مع باحثين قطريين اكدوا ان ما وقع في الخليج لم يكن قط تحديثا ولا علمنة للمجتمع، ولا فرزا ثقافيا وانتقاديا للأوعية التقليدية، بل كان بالاحرى عملا اعتباطيا انتقائيا بامتياز لم يستدع الماضي اصلا، بل قام بتدمير المكتسبات الشعبية والنخبوية بشكل كاف لارباك الحاضر وشل حركته. وليس اللجوء اليوم مجددا الى التحديث الفوقي والسطحي للمجتمعات من خلال الانفتاح العشوائي ذي السمت التجاري وفرض تشريعات صورية مفرغة او معطلة، الا انزلاقا اشد اضرارا واكثر مجانية وتشويها للهوية الاسلامية ذاتها بدفعها اكثر نحو هاوية الاحادية والانغلاق والتزمت.

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

نهاية التاريخ


03/10/2009

كتب نورة آل سعد :
عوتبت من قبل الأستاذ محمد القحطاني، لأني لم أتحلَّ بالأمانة الكافية لإيراد «حججه»، ومن ثم تفنيدها. وبرغم ضيق المساحة وخشيتي ان أتهم لاحقاً بالاجتزاء أو إيراد منزوع من سياقه فسأنزل عند رغبته.
يقول القحطاني في مقاله «الدين الخاتم» ان «من يصبو إلى إقامة عمل سياسي أو اقتصادي أو قانوني أو حتى ثقافي من غير أن يستند إلى تعاليم الإسلام، فإنما هو يسعى إلى مناطحة الإله»، ويتابع «لذلك فإن كل النظريات والتشريعات والتحالفات، ناهيك عن الأحزاب والجماعات التي لا تخضع بالقول ولا تقر أن للإسلام وحده السيادة والقول الخاتم في كل ما تدعو اليه وتتبناه، فإنما هي تعلن بلسان الحال قيام المواجهة والمحاربة مع هذا الدين وجنوده المؤمنين»
لعل تحديد مسألة الخضوع بالقول وتوصيفها يتطلب وجود القيّم على المجتمع! وربما على الدين أيضاً! وعنده موازين المعايرة المقننة والمتفق عليها سياسياً واجتماعياً، لكي يتمكن من إطلاق أحكام الاجازة أو المنع على خصومه! تُرى من القيّم العدل؟ وعلام يحتج -دستورياً- للقيام بذلك الدور؟ ومن سيراقبه؟ وهل ستجتاز ذلك الاختبار المبهم الجماعة الإسلامية نفسها بأفكارها وطروحاتها قبل أن تخضع له التيارات الموصوفة بغير الإسلامية سلفاً؟
يتفوق القحطاني على فوكوياما في تحديد نهاية التاريخ، إذ يؤكد أنه قد صدع بها منذ 1400 سنة مضت لأن «نهاية التاريخ عندنا ونهاية الايديولوجيات والعقائد قد حدثت في حجة الوداع يوم عرفة يوم الجمعة»، ربما خانه التعبير فلم تكن تلك نهاية التاريخ بل مفتتحها النوراني، ولم نتسلم مفاتيح الإغلاق بل حمّلنا أمانة الشهادة ووراثة الحضارات الأخرى بما يتعين علينا استنباطه من أدوات التمييز بين طيبها وخبيثها.
ترى ماذا يظن القحطاني في ما أنتجته الحضارة الإسلامية نفسها بعد نهاية التاريخ في تلك الجمعة؟ هل سيعيد مصادرة الكتب ومحاكمة الفلاسفة المسلمين وحرق كتبهم؟ ماذا عن إنتاج المسلمين الفكري والثقافي في عصور إسلامية لم تخل من حركات سياسية وفرق فكرية وحراك اجتماعي لا نكاد نعرفه اليوم؟
يقينا ان الإسلام هو الدين الخاتم ولا يمتنع مع ذلك استمرار الحياة الذي يشهد تراكماً في المعارف في حقول النظريات والتفسيرات والفتوح العلمية والاجتماعية ولا يمكننا الحسم ببطلانها، لأنه لا يمكننا الجزم بمناهضتها للإسلام أو حتى للدين لا سيما في ظل غياب ذلك القيّم العدل!
يؤكد القحطاني في مقاله «الوسيلة والغاية» قبوله الديموقراطية كخيار إجرائي، لأن الشعوب المسلمة «اختارت الديموقراطية وسيلة، والإسلام غاية»، ويأتي ذلك القبول مباشرة بعد رفضه آنفاً للعلوم والنظريات والتحالفات والأحزاب وكل ما هو معاد للإسلام!! سنفترض أن الديموقراطية أصبحت مأمونة اليوم -وان كانت بالأمس القريب من الموبقات- باعتبارها وسيلة لتحقيق مآرب سياسية لفكر إسلامي بعينه، فأي فكر هو ذاك؟ يقول القحطاني «لقد سلمنا رقابنا وزمام أمرنا من قبل لمدة تقرب من ثمانين سنة للأحزاب والجماعات والقيادات السياسية التي ترفع شعار الكفر هو الحل»،
تُرى هل عشنا كل تلك العقود تحت ظل أحزاب وقيادات سياسية فعلاً؟ وهل عرفنا الحياة السياسية؟ وماذا قدمت الجماعات التي رفعت شعار «الحل هو الإسلام»؟
ألا يدرك القحطاني كم يتناقض مع قبوله توا بالديموقراطية؟
ان القحطاني قانوني وناشط حقوقي مشترك في دورات منتظمة في ما يسمى اللجنة الدائمة للانتخابات -برغم عدم تحديد موعدها في قطر- لذلك، فإن المرء يتوقع أن يكون طرحه قانونياً أو على الأقل منحازاً إلى الحقوق السياسية لجميع المواطنين على اختلاف مشاربهم، وأولها الحق في تكوين الأحزاب.
بينما سعى إسلاميون كثر إلى تأصيل تلك المبادئ والتصورات والقواعد التي تضيء في كنوز الحضارة العالمية، وكشفوا عن أسبقية الإسلام إليها، يختار القحطاني أن يقودنا خلال غابة من الاكلشيهات التي تحجب الرؤية عما وراءها من معضلات فعلية تكتنف الواقع وترزأ بها الجماعات الإسلامية.