السبت، 13 يناير 2024

الثلاثاء، 2 فبراير 2021

دور النشر القطرية

نورة ال سعد

منذ سنوات أربع ، هي في الواقع سنوات الحصار وأتبعتها الكورونا ، نبتت دور نشر قطرية ، دفعة واحدة وضخت مئات الإصدارات ! وذلك في مرحلة صعبة ركعت فيها دور نشر عربية عريقة تكافح من أجل البقاء والاستمرار !

وفي يناير من السنة الماضية ، شهدت الدورة 30 لمعرض الدوحة الدولي للكتاب مشاركة لافتة  لتلك الدور الخاصة  ، حيث نزلت بمئات العناوين ! وقد كان لدار روزا للنشر، نصيب الأسد فقد دخلت بـ 110 عناوين، وصرحت عائشة الكواري الرئيس التنفيذي للدار ، بان  90 % منها لكتاب قطريين وان عدد المؤلفين القطريين الذين ينتمون للدار 64 مؤلفاً ومؤلفة قطرية !! وكأنما ولد كل أولئك المؤلفين غير المعروفين بغتة بمجرد ظهور الدار! ولعل دار نشر بنغوين راندوم هاوس ذاتها لن تدعي ان لديها ذلك العدد من المؤلفين !

 أما بالنسبة لدار زكريت للنشر والتوزيع ، فلها 45 إصدارا وشاركت دار لوسيل بحوالي 126 عنواناً، و كانت دار الوتد في بداية طريق النشر، ومع ذلك قدمت 35 إصدارا لعام 2019 إلى جانب إصدارات سابقة .  

وبالرغم من انها دور نشر خاصة ويفترض بانها متنافسة وانتقائية وتتزاحم في سوق صغيرة لكي تحقق لنفسها هامشا ربحيا ، وبالرغم من ان المرء يتوقع أن تحرص- في قائمة أولوياتها -على اختيار الأكثر نجاحا وشهرة وتسعى الى التوسع في التوزيع وتجعل أسعار مطبوعاتها معقولة ..  الا انها - يا للعجب - لا تنتهج أسلوب الحرص والتدرج ولا تتبع سياسة النشر بذهنية تجارية صرف ولا يتصرف أصحابها  بعقلية اصحاب البزنسس الذين يخشون الخسارة بل ان هذه الدور لا تتوانى عن تخصيص نسبة مفتوحة من اصداراتها سنويا لكتب متبناة منها ما يخص اسماء قطرية ( شابة ومبتدئة ومقتحمة للمجال ) ومنها ما هو لأشخاص غير معروفين من بلاد عربية .

وقد حصلت دور النشر القطرية منذ انشائها ، على تسهيلات واحتضان حار وما فتئت الدور تتلقى الدعم بكل صوره ! وقد وقع الملتقى القطري للمؤلفين مع دور النشر القطرية (دار روزا، ودار لوسيل، ودار الوتد، ودار زكريت) مذكرة تفاهم لإنشاء عدد من البرامج والمبادرات المشتركة.

ويتحدث أصحاب دور النشر الخاصة بأريحية عن ( رسالة ثقافية ) وعن ( رغبة في اثراء المكتبة العربية ) وتنفق دورهم بسخاء ولا تلقي بالا للجانب الربحي .

ولا تخطىء العين ، ملاحظة نهج دار روزا  ، على وجه الخصوص ، الدار التي لا تتورع عن تبني عشرات النصوص الهابطة سنويا لاشخاص لا ينتمون للكتابة ولو لطخوا اثوابهم بالمداد ، اشخاص تسميهم الدار مؤلفين و كتابا الا انهم من وجهة نظري متطفلون ! اكثرهم شباب أقحموا اقحاما وبتشجيع واغراء من الدار ذاتها ! و ليس لديهم لا موهبة ولا هم ثقافي ولا ما يحزنون . ليس ملوما من يرى الفرصة سانحة والدعوة مفتوحة ومجانية فيقتنصها انما كل اللوم على من يخلق تلك الظاهرة ويغذيها ويستدعيها في مجتمع يتم تجريف وتجفيف منابعه من كل حياة ثقافية وادبية وفنية  .

 من غير المقبول تقديم تلك الإصدارات التي تقول للعالم ان هذه ( الغثاثة ) هي الكتابة الادبية في قطر !! وأقول لكم ان زمنا قادما سيكشف الستر ويحاسب من شارك وساهم وسكت عن هذه المهزلة في تزييف ومسخ الحياة الثقافية لان سنن التطور انتقائية والبقاء للأنفع .

 أربع دور نشر خاصة في محيط صغير ومناخ غير ثقافي ومنطقة عربية تلهث وراء لقمة العيش الحاف ومع ذلك قد تلتحق دار سمرقند للتوزيع بالركب أيضا وتغدو دار نشر أيضا ! فهل سندخل مرحلة تالية من تصعيد الطباعة والنشر والانتشار ؟

واذا ذكرت الإصدارات في قطر ذكرنا اصدارات دار كتارا للنشر، ودار جامعة حمد، واصدارات المركز العربي الوفيرة ، منذ سنوات ، وهنا يمثل سؤال مهم  : هل يطبق المركز العربي أو كتارا أو دار جامعة حمد نفس معايير إجازة الكتب ، التي تطبقها رقابة وزارة الثقافة على النصوص والمؤلفات المحلية ؟

جدير بالذكر انه ليس لدور النشر القطرية مطابع ولا تخطط لانشاء مطابع ولا تطبع غالبا في الداخل اذ ان تكلفة طبع كتاب في الخارج يكلف فقط ربع التكلفة داخليا كما جاء في تصريح للأستاذ راضي الهاجري صاحب دار زكريت ، للشرق في 2019  وتلك إشكالية كبيرة تؤخر الإصدارات المتلاحقة . تطبع إصدارات الدور غالبا في بيروت وفي الكويت وبعد رفع الحصار قد تجري الطباعة في مصر باقل تكلفة وفي السعودية لانها أقرب كذلك .

 وقد اشار الاستاذ راضي الهاجري في نفس الحديث منذ عامين تقريبا ، الى اهمية قطاع الطباعة وصناعة الطباعة والنشر وحاجة السوق الى توطين صناعة ونشر الكتب محليا واقترح إنشاء شراكات بين دور النشر الخاصة التي لا تملك مطابعها الخاصة وبين المطابع الحكومية وشبه الحكومية .

ولقد استفسرت عن مسالة التوزيع في تلك الدور فكانت الإجابة هي : معارض الكتب (عندما تكون متاحة ) ومتاجر الكتب محليا ( معدودة على أصابع اليد الواحدة ) والاهتمام بالتوصيل الالكتروني وكأنه امر يكتشف حديثا ! وهو على كل حال يلقى رواجا منذ عقد من السنين في البلدان كبيرة المساحة حيث تمثل المسافة تحديا للباحثين والقراء النهمين .

ويظهر لي شخصيا ان دور النشر القطرية الناشئة ،  تركز حاليا على تبني كتاب عرب من المغرب العربي وتتوجه كذلك الى المعارض في تونس والجزائر والمغرب تحديدا فضلا عن مسقط والكويت وقد صرحت عائشة الكواري بأن هناك 49 إصدارا جديدا ، بمشاركة  كتاب من دول عربية  كالجزائر والأردن فهل نتوقع استقطابا واحتضانا لكتاب ومؤلفين من مصر والسعودية بعد رفع الحصار ؟

نأمل في كل الاحوال ان يكونوا من ذوي التوجهات الإنسانية وليست المؤدلجة الضيقة ، لكيلا تتضرر سمعة قطر مستقبلا ولكيلا تغرق المنطقة المنكوبة أكثر في مستنقعات الاحتراب الداخلي والطائفية والدوغمائية .

 

 ما هو واضح وجلي ان اصدارات (شخبط شخابيط ) ليست بزنسسا ناجحا وليست مشروعا فعليا ولا تستحق الالتفات اليها ولن تؤتي اكلها ايا كان الدعم وأيا كانت الغايات.

وما هو بديهي انه لا قيمة للكتابة في هذه المنطقة العربية حيث المجتمعات الغيبية التي تعتقد بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة والاجوبة الجاهزة واليقينيات الا انها لا تمتلك الأمل بالغد ولا رغيف الخبز على المائدة لذلك فان وعيها على حافة الانفجار أو الانهيار  .

 

لقد ذقنا في المنطقة العربية ما يكفي من ويلات وعواقب المساعي الحثيثة ،  لتوجيه الوعي الجماهيري وتجييشه وسوقه تارة ، بعصا القنوات الفضائية وبرامجها الحوارية التدليسية ، وتارة بالدولار النفطي الذي مول ولم يزل يمول ، موجات من (الصحوة)  والفكر التكفيري والتجهيلي عن طريق طبع ونشر ما يدعى بالكتب (التأصيلية ) واحياء التراث الفقهي الجامد وبيع الأوهام والحلول المنقوصة .

ان حراك التأليف البحثي والابداعي وطباعة كتب التغيير يتطلب بالضرورة مناخا معقولا من الحريات والحيز العام المفتوح للتعددية ويتطلب ضمانات وأمانا فكيف تقام سوق للفكر والكتابة وتقذف المطابع بالاصدارات ، بنشاط محموم ، بينما يلهث البشر وراء تأمين الخبز والدواء والدفء.. وتخشى المجتمعات على أمنها واستقرارها ؟

الثلاثاء، 19 يناير 2021

أزمة الفنان أم المجتمع

نورة ال سعد

            يصادف المرء دائمًا فنانين يتألمون وينصب جل اهتمامهم وحديثهم عن إعادة المسرح إلى دورة الحياة وإلى ضرورة تصدره المشهد الثقافي والفني، وهم جميعًا مرتبطون بزمن نشوء المسرح وقيام الفرق المسرحية وعنفوان نشاط المواسم المسرحية، وقد خرجوا جميعًا من معطف المسرح، مخرجين وكتابًا للدراما وممثلين ومنتجين وفناني سينوغرافيا وبضع ممثلات معدودات وكاتبة امرأة هي وداد الكواري. لقد كان المسرح دومًا معطى حاضرًا ولطالما تم اللجوء إليه لتوظيفه كمنبر مباشر مهيأ للبروباغندا والرد غير المباشر وحتى التقليل من شأن أنظمة مثيلة، لها نفس المكوّنات القومية والدينية والثقافية، وأقرب مثال كانت اللوحات التي قدمها غانم السليطي أثناء الحصار الجائر واستقطبت حضورًا كبيرًا.

كيفما جاء السؤال في المشهد الثقافي في قطر فسوف يكون الجواب هو المسرح، ولذلك عندما سألت الفنان علي ميرزا محمود منذ أسبوع، عن الدراما التلفزيونية حدثني عن المسرح، وشدد على أهمية إعادة اليوم العالمي للمسرح قائلًا: (هذه الاحتفالية تخصنا نحن المسرحيين.. ونحن أسسناها منذ عام 1981 وقطر كانت من أوائل الدول العربية التي تحتفل باليوم العالمي للمسرح) وأكد على أن المسرح فرّخ مجموعة كبيرة من الكتّاب الشباب والمُخرجين والفنانين.

 

أما الفنان جبر الفياض فقد قاده حدسه التلقائي إلى أن يعزو غيابه باعتباره ممثلًا إلى ما سماه (ليلة الإعدام بحق الحركة الفنية في قطر، ليلة القرار الذي صدر بدمج الفرق المسرحية) جاء كلامه ذاك ضمن مقالة (أين ذهب هذا الممثل ؟) بقلم أمينة عبدالله نشرتها الشرق في عام 2012، والفياض مثل جميع الفنانين عضو سابق في فرقة مسرحية، وقد كانت هناك أربع فرق مسرحية جرى إدماجها في فرقتين ومضى أكثر من عقد من السنين ثم أعيدت أربع فرق ثم أدمجت مرة أخرى في ثلاث معطلة ومغيبة ! وصرّح الفياض للزميلة أمينة (وكنا نذهب إلى المسرح ولكن فقدت الرغبة والعشق له بسبب مسؤولين كانوا متواجدين في ذلك الوقت بنوا وأسسوا الحركة المسرحية وفي لحظة من اللحظات تنكروا للمسرح وأحبوا الكراسي)، وأضاف (يُعطى الفنان القطري 5% مما يقدم لمن يُجلب من الخارج)، بقي أن نوضح أن وزارة الثقافة والرياضة قد ألغت مهرجان اليوم العالمي للمسرح ومهرجان الدوحة المسرحي ومهرجان المسرح الشبابي.

 

يشعر الفنانون بأن تلفزيون قطر ليس لديه أدنى توجّه لإنتاج الدراما التلفزيونية لدرجة أنه أصدر – في أحد الأوقات – تعميمًا داخليًا بعدم إجازة أي نص ! ولدرجة أنه لا توجد حاليًا إلا شركة إنتاج فني واحدة بينما هناك تراخيص عدة لشركات لا تعمل ولن تعمل لأنها تحتاج إلى مموّل، والغريب أن تلفزيون قطر لا يشتري معلبًا ولا ينتج محليًا وإنما يجترّ – في الغالب – قديمه ! وقد أجيزت بالفعل نصوص كثيرة جدًا، نصوص محلية وأخرى لكتّاب عرب ولكنها لم تقدم أبدًا للإنتاج ! والطامة الكبرى أن قسم النصوص ومراقبة التمثيليات قد ألغي في كل من الإذاعة والتلفزيون، فلم يعد هناك حتى مسلسلات محلية وتاريخيّة بالإذاعة. ولا يتعلق الأمر قطعًا بنقص التمويل فضلًا عن أن الإنتاج الجيد سوف يأتي بإيرادات مالية جيدة لا سيما أن الإنتاج الدرامي له جمهوره في رمضان وبعده، وهناك قنوات مخصصة للدراما إلا أن المؤسسة القطرية للإعلام لم تعقد عزمًا على إنشاء قناة خاصة بالدراما !!

كتب الزميل جاسم إبراهيم فخرو في الوطن في فبراير 2019 بعنوان (الدراما القطرية بين الإهمال والنسيان!) أنه صادف ممثلًا قطريًا فسأله أين الدراما فرد (هم لا يريدون دراما بل درامات (أي براميل)! )

من جهة أخرى وعد وزير الثقافة والرياضة الفنانين (بالرغم أن الدراما التلفزيونية ليست من اختصاص وزارته) بأن الوزارة سوف تنتج دراما تلفزيونية وتنظم الوزارة بالفعل – منذ ثلاث سنوات – جائزة الدوحة للدراما المسرحية والتلفزيونية والسينمائية (!!) ومحصلتها هي جملة من اجتماعات ووعود وكلام بلا طائل، أما النصوص الدرامية الفائزة بالجوائز (وليس من بينها كاتب محلي) فقد أغلق عليها التلفزيون أدراجه إلى أجل غير معلوم !

عندما يقال الدراما القطرية يقفز إلى ذهني فورًا (فايز التوش) الذي بدأ إنتاجه منذ 1984 وطرح في مواسم مختلفة ومتفاوتة المستوى، وفي سياق كوميدي ساخر أسئلة صعبة وجريئة أحيانًا، وتصدى لقضايا يعاني منها المواطن مهيض الجناح وهمومه المعيشية والشخصية وكان تجسيدًا للفن الهادف.

لقد دارت عجلة الدراما القطرية ما بين 2008 و2011، حيث تم تقديم أعمال عرضت على الكثير من الفضائيات معظمها في الواقع ميلودراما مليئة بالزعيق والمتناقضات الفاقعة ثم جاءت السنوات العجاف للدراما القطرية فكان موسم 2012 فارغًا واستمر الحال في عام 2013 باستثناء نجوم معدودين وجدوا فرصًا متفاوتة في أعمال درامية خليجية فقد انضم جاسم الأنصاري مثلًا مع توقف الإنتاج القطري إلى المسلسل الكويتي (خادمة القوم) لمؤلفته القطرية وداد الكواري. وتألق نجوم قطريون خارج سماء الدراما المحلية منهم عبدالعزيز جاسم رحمه الله وغازي حسين وصلاح الملا الذي شارك في الكويت في مسلسل (البيت بيت أبونا) من تأليف الكاتبة القطرية وداد الكواري أيضًا.

استمر غياب الدراما القطرية برغم تصريحات متكررة من مسؤولي الإنتاج بتلفزيون قطر بأن موسم 2013 سيكون مختلفًا وغزيرًا، وفي عام 2014 صرح عبدالرحمن السليطي مدير عام شركة «تارا» للإنتاج أنه تقدم بأعمال للتلفزيون وتمت إجازتها ولكنه لا يعرف سبب عدم إنتاجها! وتعطلت الدراما القطرية كذلك في رمضان 2017 وعادت في رمضان 2019 وهذه السنة أعلن عن مسلسل واحد هو (العمر مرة) سيعرض في رمضان 2021.

جدير بالذكر أن التلفزيون القطري أنتج مسلسل أحمد بن حنبل بدون ممثل قطري واحد ! ولم يعرف مسلسل الفاروق عمر إلا ممثلًا واحدًا هو غازي حسين.

لا يتعلق الأمر بمزاجية مسؤولين وقرارات متخبطة، وليس نقصًا في التمويل الحكومي، فموازنات ضخمة تصرف بسخاء حين يتعلق الأمر بأعمال تستهدف الخارج لنيل جوائز أو سمعة طيبة لقطر ولن يجدي نفعًا إنتاج مسلسل مرة في السنة ! وأي دراما تقدم أساسًا ؟ وفي أي مناخ ؟ مناخ مجتمعي منكمش ومحتقن لا يقدر الدراما والفن ولا يتلقى تأثيرهما، وليس من جهة توظفهما ضمن سياسة عامة لتحديث المجتمع وتنويره وترقيته !

 

أما العقود الثلاثة الماضية، فتلك مرحلة خلت، تميزت بمظلة محكمة من الإنفاق والتنظيم والرعاية والوصاية الكاملة وتأسيس وحدات إدارية لها مشاريع وخطة سنوية بهدف احتكار توجيه التغير الاجتماعي وتحييد المتغيرات والمؤثرات وفلترتها وهو ليس عهدًا ذهبيًا للثقافة والفن ! لقد حدثني أحد الإخوة أنه كان حاضرًا في مسرحية في منتصف السبعينيات تقريبًا وقفز مسؤول الرقابة وقد نفرت أوردة أوداجه صارخًا أوقفوا العرض فورًا ! فقد كان جالسًا بين الجمهور وممسكًا فيما يبدو بالنص بين يديه، فلما رأى خروجًا عن النص ممثلًا في أن المخرج ارتأى أن يجعل ممثلًا يحمل الآخر على ظهره توجس ريبة وشرًا لأنه رجح أن يكون وراء ذلك ترميز سالب !

 

من الجلي أن ثمة مرحلة جديدة قد دشنت وأن التوجه العام لهذه المرحلة هو تفكيك الوحدات القديمة سواء بإلغائها أو دمجها أو استبدالها بأخرى ليست في مستواها وكذلك تنازع الاختصاصات وبروز مؤسسات أكثر نشاطًا وحراكًا وتختص بفعاليات تقدم بشكل عولمي وتستهدف صورة قطر في الخارج، وهذا يعني فيما يعنيه رفع المظلة الرعائية وتخلي وزارة الثقافة عن التخطيط والتوجيه الفعليين للمشهد الثقافي وبالطبع تبقى مظلة الرقابة والوصاية مفعلة وقوية إلا أن عدم اضطلاع الجهة الرسمية بمهامها التقليدية سينتج في المحصلة النهائية تراجعات وأيضًا سوف تخسر الهيمنة الكاملة لأن عزوف الجهات عن تمويل مشروعات حقيقية تستوعب وتشغل كافة المواهب والطاقات الدرامية والموسيقية والفنية سوف يجعل المستجدات العشوائية تؤثر كديناميات فاعلة تتحكم في متغيرات الساحة وسياقاتها.

قد يعد ذلك فرصة ذهبية للانفصال بعيدًا وتدريجيًا عن (الحكومي والمحلي) ويفتح آفاقًا للفنان القطري للانطلاق خليجيًا حيثما وجدت هوليوود الخليج وهي حاليًا بالكويت. إن المتغيرات الضاغطة تستحث الفنان للالتحاق بقطار الإنتاج المشترك والشركات الخاصة والعواصم النشطة والمدن الإعلامية، ومن يدري ربما منصات رقمية مثل نتفلكس وغيرها من خلال أعمال خليجية مشتركة.

في ورقته (الدراما التلفزيونية في ظل التحديات المعاصرة) نبّه جاسم الأنصاري إلى أن طموح الفنان وتعطش الجمهور وجدا في البث الرقمي المساحة المناسبة (بعيدًا عن قيود الرقابة ومزاجية المسؤول المؤتمر بتنفيذ سياسة المؤسسة التي يخدم توجهاتها.. حتى على المستوى المادي لم يعد الفنان بحاجة إلى حفنة الدراهم التي تُرمى له لتتحكم في وعيه وتقيد فمه ولسانه).

سيولد الفنانون في كل مرحلة من رحم ظروفهم وشروطهم التي يعيشونها في كل زمن، والفن الحقيقي دائمًا ينبثق بين الثغرات وحيثما تتوافر الشروط وبالكيفية التي تُلبّي حاجات وأشواق كل عصر وأهله.

الثلاثاء، 12 يناير 2021

الذاكرة .. مكان

 

نورة ال سعد

        يذكر الفنان فرج دهام في ورقة عنوانها ( الهدم والبناء في مدينة الدوحة) نشرت في موقع د علي بن خليفة الكواري ، بأن هناك حالة معمارية جديدة قد طرأت  تمحو الاولى فيما يدعى ( التدمير الخلاق ) وان الهدم أصبح الحركة الاكثر حضورا وبروزا ووضوحا وسرعة في السنوات الأخيرة  وكأنه اندفاع محموم و حثيث لإزالة القديم من الطريق. وتناول دهام في ورقته مسألة تحول المكان الى وظيفة ، وهي احتواء الفئات المستهدفة من المقيمين والوافدين والسياح وارتباط ذلك بمفاهيم تحديث التقاليد وتحديث المجتمع وأشار الى المفارقة في ( مقاربة معمارية في سوق واقف من حيث الشكل بتوليف تخيلي، ليس له حضور سابق يمكن الرجوع اليه  )

ولعله يشير هنا الى طبيعة عملية الصيانة وما رافقها من تغيير واضافة  تفصيلات واستخدام مواد غيرت واجهة المباني ولونها والاحساس بها وفبركت واجهة من الشبابيك والسلالم الاكسسوارية التي ألحقت بسوق واقف ولم تكن موجودة أصلا وليس لها أي وظيفة حقيقة وهي كذلك بلا قيمة عاطفية ! مجرد واجهة وشكل  سياحي ليس الا .

 

من المؤسف أن ينطوي التعاطي عموما مع المباني التاريخية على عبث في المكان وتغييره وينصب الاهتمام على تعتيق المكان بما يسبغ عليه ايحاء التقادم وتجري اعادة تصميم المكان بحسب مقتضيات الترويج لخدمات الفندقة والمطاعم وإيجاد واجهات الفرجة السياحية وتوظيف الصورة النمطية للتراث لتسويق الاحتفالات والفعاليات الموسمية .

 لقد شهدنا إزالة الاحياء القديمة بالكامل في وسط المدينة القديمة ؛ في البدع والمرقاب والرفاع والجسرة ومشيرب وأم غويلينة والسلطة وغيرها ! تعرضت جميعا لاجتثاث كامل !!

لا أعلم أي تخطيط أو عشوائية ، ترتيب أو ارتباك تتبعها انشعابات المدينة التي لم تزل ( ورشة كبرى ) تتعرض للاقحامات والمشاريع وبناء جسور وأنفاق ومحطات ميترو الخ ولم تزل المناطق والاحياء والفرجان تضيق وتشيخ وتموت بسرعة خلال عقدين أو ثلاثة وينتقل الناس منها ويغيرون منازلهم في كل مرة ويبدؤون من جديد!

ولطالما كان التنقل سمة حياة اهل قطر ، وقد تنقلنا خلال سنوات طفولتي اكثر من عشرين مرة ننتقل من المكان ونعود اليه في محيط المرقاب وام غويلينة والرفاع والسلطة الا ان ان المكان غدا لاحقا مؤقتا وهامشيا وخاليا من أهله فعلى سبيل المثال ثمة مناطق جرى فيها بناء أول مساكن شعبية مثل المنصورة ونجمة  في مطلع السبعينيات ، وبنيت مدينة خليفة في مطلع الثمانينيات بشماليها وجنوبيها حتى تمددت الى غزة وابتلعتها ( وغزة اسم حي بين الغرافة والريان ) بينما خرجت أغلب العائلات القطرية من الريان القديم في منتصف السبعينيات وجرى توزيع أراضي لكل عائلة أو فخيذة كل على حدة ، على تخوم الريان أو ابعد منها كما خرج أهل المرقاب بعد القص والتثمينات . ومعظم تلك المناطق الجديدة التي انتقل اليها القطريون سرعان ما ضاقت بأهلها وتحولت بعد عقدين تقريبا الى عشوائيات مزدحمة ومبان آيلة للسقوط  وارتحل عنها الكثير من قاطنيها من القطريين الذين سكنوها في اول عهدها  ( مثل مدينة خليفة الشمالية وابن عمران والهتمي وغيرها  ) .

أتوقع أن يستمر ديدن التنقل والارتحال بوتائر متفاوتة ، فأكثر المناطق مهما كانت جديدة ومرموقة تشيخ بسرعة وتتعرض مبانيها لضغوط انشائية كاضافة طابق وبناء ملاحق  ويطبق عليها الزحام وتعلق في مشروعات (اشغال ) ويغادرها القطريون عاجلا أو آجلا.  وعلى الاغلب سوف تتمدد خارطة سكنى نسبة كبيرة من القطريين ، شمالا او جنوبا بحسب تخطيط الأراضي الحكومية. 

نشرت دوحة نيوز في عام 2014  تقريرا عن اعمال حفر وتنقيب  قرب أسواق الدوحة ، جنوبي مركز فنار الثقافي الإسلامي حيث وجدت حوائط وأساسات ومواد وأدوات منزلية يعود تاريخها إلى منتصف القرن 19 وقد منح فريق التنقيب شهرا ونصف لاكمال عملهم قبل تسليم الموقع لتنفيذ محطة مترو سوق واقف الا ان النجاح في العمل دفعهم إلى طلب تمديد لشهر اخر وأكد ساكال رئيس الفريق بأنهم يحاولون معرفة المزيد عن الحياة اليومية لسكان المدينة الأوائل بدءاً من : متى تأسست الدوحة ؟ وكيف عاش أولئك الناس ؟ وقال :"نحن لا نحفر عن أشياء نحن نحفر لإنقاذ أدلة التاريخ نريد أن نستخرج قطع اللغز" لانها على حد تعبيره " بمجرد ان تضيع ، فسوف تضيع الى الابد " .

لقد كنا قرى على الساحل ، مجتمعات شفوية بسيطة ، تجمعات صغيرة شبه مغلقة تمارس ذاكرتها الحية وتعيشها يوميا وتزاول حياتها وتورثها للخلف ولا تعاني أي تأزم او خوف او عجز. ثم انتهت مرجعية الحياة التقليدية وحضورها المادي وكل متعلقاتها واساليبها ووظائفها وطرق البشر الذين اقاموا فيها .. ولم يعودوا كذلك  .

انعدم تراكم التجارب الحياتية بسبب الطفرة التي سببها استخراج النفط وهو حدث طارئ وآت من الخارج ، قلب نمط الاقتصاد شبه الاقطاعي ، الى ريعي استهلاكي وأنشأ علاقات اجتماعية وادوارا غيرت وجه المجتمع بصورة دراماتيكية وزئبقية .

لقد كان اكتشاف النفط واستخراجه حدثا دراميا انعكست آثاره وانداحت في المنطقة وما حولها بسبب طفرات الثروة الطارئة الا أن وجود النفط ليس امرا مستمرا فمن المرجح  انهيار اسعاره بعد عقدين او ثلاثة ، والاستغناء عنه باعتباره طاقة ملوثة ومكلفة وثمة بدائل تفضلها فاذا اختفت عائدات النفط .. هل سنختفي كذلك ؟ من نحن اجتماعيا و ثقافيا ؟ لسنا سوى تشكلات زمن النفط وفقاعاته وانماطه واشباحه

ان موروثنا وفولكورنا كله من أوله لآخره ، منفصل عنا ، تم تجاوزه ، تم دحره ونسيانه كل موروثنا كالحرف والفنون والعمارة والازياء وحتى تهويدة الأطفال والحزاوي والألعاب والاغاني الشعبية وكل شيء تقريبا لم يعد ممارسا ولا قابلا للممارسة ولا حاضرا ولا يمكن استدعاؤه ولم يعد عمليا وزالت وظائفه واندثرت أدواته في مجتمعات ما بعد النفط.

لقد ضاعت مقتنيات ومواد ارشيفية أو دمرت وأودى الهدم بما كان وأتى البناء بما ليس له أصل ولا ارتباط  أو منفعة منظورة  وهكذا وجدنا أنفسنا وكأننا قد ولدنا توا وكأننا نشرع في بناء ذاكرة من الصفر ! والحاصل ان هذا النمط من المجتمعات ، يغدو مطواعا و قابلا للتحكم فيه ويصبح من السهل توجيهه والتلاعب في وعيه ، وعيه الذي يواجه تهديدا مباشرا بمحو الذاكرة وتحولها الى نصوع هش يقبل أي شيء يلصق ويلحق به فمن المعروف بأن المجتمعات التي تفقد الذاكرة تميل الى خلق ذاكرة بديلة أو تنزع الى التحصن بذاكرة جمعية ماضوية جاهزة  ولاننا لم نستطع أن ننخرط طوعيا وبثقة في ثقافة عصرية مدنية ولم نتبن التحولات ونستوعبها ونتفاعل معها ولم نبن منظومة أهلية تخصنا وتعنينا فقد انزلقنا لقمة سائغة في أحشاء غول (الصحوة )، الصحوة التي كانت في الحقيقة سكتة دماغية ابتلعتنا وغيبتنا في بحور الظلام.

لا جرم ان يخشى الناس الذين ازيلت منازلهم ومعالمهم ان يتعرضوا للازالة أيضا

أما مواليد الالفية الأخيرة ، فقد خرجوا وكأنهم نبتوا من العدم وكأن لم يكن ثمة شيء قبلهم ! أجيال تحمل حنينا مبالغا فيه للامس القريب لان زواله السريع المفاجىء أشعرهم - كما يشعرنا - بالخوف وباننا غرباء في المكان أو كأن المكان هو الذي يفقد ذاكرته ويلفظنا كالنواة .

 

الاثنين، 4 يناير 2021

دار الكتب القطرية

نورة ال سعد

 

            في حوالي عام 2002  برزت رغبة في انشاء مكتبة وطنية حديثة والانتقال من المبنى القديم في دار الكتب القطرية وكان هناك بالفعل مشروع قائم لانشاء مكتبة وطنية قد يذكره بعضكم فقد وضع تصميم هندسي رفع على موقع الكتروني وكان الموقع المختار على الارض بجوار موقع البريد العام وقد وضعت الاساسات للمبنى وكان الشكل الهندسي مثيرا للاعجاب ثم ألغي المشروع في حوالي 2008 .

 عندما تأسست المدينة التعليمية فيما بعد،  ظهرت الحاجة الملحة الى انشاء مكتبة مركزية  تتوسط الجامعات الست في المدينة ، لكي يتم توحيد موازنات المكتبات في موازنة واحدة لمكتبة رئيسية تخدم كل طلاب الجامعات وأقيم مبنى المكتبة المركزية على مساحة شاسعة وفقا لاحدث معطيات التكنولوجيا الا انها لم تزود بمواقف فقد كانت تستهدف طلاب الجامعات المحيطة بها كالسوار والذين يتنقلون على اقدامهم .  

ثم أعلن عن خطط المكتبة الوطنية الجديدة في 19 نوفمبر 2012 خلال حفل أقيم بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لمكتبة دار الكتب القطرية ومنذئذ بدأ السعي الى تحويل مكتبة المدينة التعليمية الى المكتبة الوطنية في البلاد . وفي سعيها الى ضم الانتاج الوطني وكل ذخائر دار الكتب القطرية ومقتنياتها، لكي تغدو بديلا عنها جرت محاولات مستمرة من ( المكتبة الوطنية) لسحب قانون الايداع اليها الا ان الاشكالية المعيقة تجسدت بطبيعة الحال في تبعية ( المكتبة الوطنية) الى مؤسسة قطر للتربية والعلوم و تنمية المجتمع  وقد احتجت قطر فونديشن بانها وان كانت جهة خاصة الا انها ذات نفع عام كما ان موازنتها تأتي من الدولة الا الأمور لم تستقم ودفعت -في نهاية المطاف- باتجاه صدور قرار سمو الأمير رقم (11) لسنة 2018 بانشاء مكتبة قطر الوطنية ونشر القرار في الجريدة الرسمية في الرابع من ديسمبر 2018 وذكرت المادة (2) انه تنشأ هيئة عامة تسمى (مكتبة قطر الوطنية ) ويكون لها شخصية معنوية وموازنة تلحق بالموازنة العامة للدولة وتنص المادة (5) على ان يتولى إدارة المكتبة مجلس أمناء يشكل من رئيس ونائبه وعدد من الأعضاء وقد عين د حمد بن عبدالعزيز الكواري رئيسا  وبحسب علمي فان مكتب مدير المكتبة لم يزل شاغرا بينما تتولى السيدة مشاعل النعيمي الإدارة العامة . لقد ذكر في الصحف المحلية بأن المكتبة الوطنية افتتحت رسميا في منتصف  ابريل 2018 وفي خبر آخر انها دشنت رسميا في 8 ديسمبر 2018 بتوقيع شهادة الافتتاح الرسمي للمكتبة وفي خبر ثالث (أعلنت مكتبة قطر الوطنية افتتاحها امام الجمهور في التاسع من نوفمبر 2017 وذلك بعد مرور خمس سنوات على تدشينها حيث اصبح بإمكان كل افراد المجتمع زيارة المبنى الجديد). وقد بدأت المكتبة ذاتها العمل باعتبارها المكتبة المركزية للمدينة التعليمية منذ عام 2011 .

عندما أعلن عن خطط المكتبة الوطنية الجديدة ، كان ثمة مشروع لإزالة مبنى دار الكتب القطرية  الا ان توصية من مؤسسة قطر فونديشن أوقفت ذلك الامر المريع وجاءت موافقة من المكتب الهندسي الخاص بانقاذ المبنى التاريخي وترميمه وإعادة افتتاحه باعتباره مكتبة عامة  كما بلغني على ذمة مصدر من وزارة الثقافة أكد بان المبنى سيكون مكانا لعرض المخطوطات بعد إعادة افتتاحه .

ونما الى علمي كذلك بانه لم تزل هناك مداولات و مشاورات حول مشروع رقمنة الموجودات الثمينة من مخطوطات ووثائق كانت مذخورة في مخازن دار الكتب  وقد تعرض بعضها للتلف . ويبدو أنه بدواعي  تقليص الموازنة خلال السنة الماضية تم الاستغناء عن حوالي نصف الموظفين في قسم الرقمنة لذلك فانه من المرجح ان يتأخر المشروع برمته وقد ينجز- في احسن الأحوال- بعد ست سنوات  !!

تعد دار الكتب القطرية من أقدم المكتبات الوطنية الخليجية والعربية، وقد تأسس المبنى بدور واحد في 1962 واضيف الدور الثاني في مطلع الثمانينيات ويضم مقتنيات نادرة من مخطوطات وخرائط  قدرت باكثر من 1200 مخطوط في الفلك والحساب والطب والكيمياء مكتوبة بالعربية والفارسية والتركية .

وليست المكتبات العامة في البلاد بأحسن حالا من دار الكتب القطرية،  وهذه المكتبات هي : مكتبة الخور ومكتبة الشمال ومكتبة الخنساء ومكتبة الريان (مغلقة بحسب علمي ) ومكتبة الوكرة ومكتبة الشيخ علي بن عبدالله الوقفية (وهي تابعة لوزارة الأوقاف وتعاني الإهمال وقلة الموظفين وضآلة المخصصات )

لم تتحول المكتبات العامة الى نظام المكتبات الرقمية ، ولم توضع خطط لتطويرها وتنمية مقتنياتها وتلبية احتياجات المستفيدين منها ولا الارتقاء بمستوى خدماتها ولم يتسن لها مواكبة متطلبات العصر بإطلاقها لأنشطة وفعاليات ثقافية منتظمة وجاذبة وموجهة لمختلف الفئات تشمل الحوار و المعارض والندوات والمحاضرات والبرامج التعليمية والتثقيفية والورش التفاعلية ! كلا لم يحدث شيء من ذلك !

 وفوق ذلك كله .. ماذا لو كانت هناك نية مبيتة وعزم حثيث على دمج المكتبات العامة بالمراكز الشبابية ؟ ألن يكون لذلك نتائج كارثية على كلا المراكز والمكتبات معا ؟ ألن يعني ذلك دقا للمسمار الأخير في نعش المكتبات العامة ؟

وما معنى ذلك أصلا ؟ كيف يتشارك مركز شبابي ومكتبة في المقر ذاته مناصفة ؟؟ وماذا سيصبح ؟ كوكتيلا ! وهل يعد ذلك من باب تقليص الموازنة أم ترشيدها ؟

تلك المكتبات التي لم تزل بيوتا وفللا مستأجرة بعضها قديم ومتهالك وليست أبنية مصممة ولا مملوكة للدولة ! تلك المكتبات التي لم تزل مجرد ارفف ونظام اعارة قديم وزيارات مدرسية تقليدية ولم يفسح لها المجال قط ان تضع برامج وتقيم أنشطة وجسورا بينها وبين محيطها ! هل يعقل ان ثمة  هدرا ماليا على المكتبات وهي بلا أنشطة تذكر ولا انفاق ؟

تذكروا بأن الصروح  الضخمة ووسائل التكنولوجيا ، لا تخلقان المؤسسات الفاعلة ! وأن (المكتبة الوطنية) في كل مجتمع ليست مخزنا للكتب ولكنها مخزون الفكر وهي ليست مكانا للجمع والواجهات بل لتشكيل هوية وصياغة مشاريع وهي لا تحوي خرائط ومخطوطات مرقمنة بل تحفز الإرث الوطني والإنساني وهي ليست معرضا لتوريد الكتب وتنفيع دور النشر المحظوظة بل لتلبية الحاجات الثقافية والبحثية لأهل البلد وتوفير المنشورات التي تتماشى مع التقدم والعقلانية والانفتاح في حيز عام يتمتع بالحد المعقول من الحريات العامة المكفولة  .

الاثنين، 28 ديسمبر 2020

جمعية الكتاب و الادباء القطريين


نورة ال سعد

 

        وافق مجلس الوزراء الموقر مبدئيا على مشروع قرار وزير شؤون الخدمة المدنية والإسكان لتسجيل واشهار الجمعية القطرية للكتاب والادباء في 6 نوفمبر 2006  ثم .. ثم لم يحدث شيء !

بعدها بحوالي العامين نشر في الشرق بقلم صالح غريب بتاريخ 29 أغسطس 2008 تحت عنوان اشهار جمعية الكتاب والادباء القطريين ( اشادة الدكتور أحمد عبدالملك رئيس الاجتماع التأسيسي للجمعية القطرية للأدباء والكتاب بصدور قرار اشهار الجمعية من الجهات المختصة ) !! كما شكر د عبدالملك سمو الشيخ جاسم بن حمد على دعمه الجمعية قبل إشهارها وذلك بتخصيص مقر للجمعية في الحي الثقافي .

بعد شهر ونصف وفي يوم 13 أكتوبر 2008 أرسلت السيدة ظبية النصر مديرة إدارة الجمعيات والمؤسسات الخاصة بالوكالة بوزارة الشؤون الاجتماعية ، الى السادة طالبي تأسيس الجمعية القطرية للأدباء والكتاب ،  كتابا رسميا ، جاء فيه ان وزارة الشؤون الاجتماعية ( لاحظت قيام مؤسسي الجمعية ( تحت التأسيس النهائي ) بممارسة نشاطها قبل انتهاء إجراءات التسجيل الكامل حيث عقد اجتماع في 6 أكتوبر 2008 تمت تغطيته في الصحافة المحلية)  ووجهت النصر اخطارا للجمعية  يحظر عليها( القيام باي نشاط اعلامي او مهني اخر قبل الحصول على الاشهار الرسمي للجمعية  ).

بعد حوالي السنة نشر صالح غريب في الشرق في 23 سبتمبر 2009 تقريرا بعنوان: ( اشهارها قريب .. جمعية الادباء والكتاب تنتظر تفعيل دورها من قبل أعضائها ) يذكر فيه ان جمعية الكتاب والادباء( تحت التأسيس ) قد طالبت الاعضاء في الاجتماع الأول ( بضرورة تقديم المقترحات للكيفية التي سوف تساهم فيها الجمعية لاحتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية ) ويستغرب السيد غريب بأنه ( حتى الان لم يتقدم أي شخص باي اقتراح او تصور مكتوب ، والمبنى لم يقم أي شخص بزيارته ... معللين بأن الجمعية غير رسمية حتى الان ) ! ويوحي العنوان وفحوى التقرير بان الأعضاء هم  السبب وراء (عدم تفعيل دورها ) !

من نافل القول بان توقيت ذلك التقرير الصحفي كان قبيل التحضيرات لاحتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010  وان تسليم المقر للجنة التأسيسية وحضهم على الحضور والمساهمة باقتراحاتهم كان يعد بلا شك وسيلة ضرورية لإنجاح تلك الاحتفالية. كنت من بين من حضر اجتماعا صغيرا في المقر رقم ( B22)  في كتارا  في سبتمبر 2009 واستلمت ومجموعة من الزملاء والزميلات بطاقات عضوية للجمعية (التي لم تشهر في حينها ولا بعد ذلك) .

وفي 30 يناير 2010  انطلقت احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة بكل فعالياتها وبهرجتها ، في عاصمة ليس بها جمعية للكتاب والمثقفين ! ولم يشفع للجمعية ان وزير الثقافة آنذاك د حمد الكواري كان أحد الموقعين على طلب التأسيس ( وان كان اسمه في ذيل القائمة وليس على رأسها ) وبعدها في منتصف تلك السنة التي لم تدفع بأي تحفيز للثقافة والمثقفين في الدوحة ، جاء يوم  27 يونيه 2010  ، اليوم الذي تم فيه توجيه كتاب الى (الجمعية القطرية للأدباء والكتاب ) وجاء فيه  ( نظرا لان الإجراءات الخاصة بتسجيل واشهار جمعيتكم الموقرة لم تتم حتى تاريخه .. الامر الذي يتعارض مع تخصيص المبنى المذكور لكم دون مزاولة النشاط ... لذلك يرجى تسليم مفاتيح المقر ). ما سبب تسليم المقر لجمعية لم تشهر رسميا ؟ و لمَ لمْ يتم اشهارها منذ عام 2006 ؟ و كيف لها ان تزاول نشاطا وقد حظرت (من ممارسة أي نشاط  اعلامي او مهني) من قبل الوزارة المعنية ؟

 بعد مرور ست سنوات عجاف رفع كتاب بتاريخ 20 ديسمبر 2016 الى وزير الثقافة والرياضة صلاح العلي من مقدمه د احمد عبد الملك مكلفا من اللجنة التأسيسية للجمعية وعرض على الوزير المعضلة المزمنة مرفقا محاضر الاجتماعات ، والمراسلات الرسمية ، وموضحا بانه قد مضى اكثر من عشر سنوات على موافقة مجلس الوزراء الموقر المبدئية على التسجيل والاشهار.

بعدها ، تمخضت جهود وزارة الثقافة ، فولدت كيانا هزيلا منضويا تحت جناحها الكسير ، يدعى الملتقى القطري للمؤلفين ! فهل يمكن الاستعاضة عن جمعية تضم أصحاب مهنة واحدة منظمة بقانون ، ومضاهاتها بما يدعى ملتقى ، يعرف نفسه بانه (هيئة ثقافية تتبع لوزارة الثقافة وتهتم بالمؤلفين ) وهذه الهيئة بالمناسبة  تحتل حاليا غرفة في مبنى الوزارة تحت رعاية موظفة علما بأنه على رأس قائمة الموقعين على طلب اشهار الجمعية : مبارك بن سيف ال ثاني ود حجر احمد حجر ومحمد بن خليفة العطية  ود مرزوق بشير وموسى زينل وخليفة الحسيني وغانم السليطي ومن السيدات نذكر سعاد الكواري وبشرى ناصر ود كلثم جبر ود موزة المالكي وحصة العوضي وزكية مال الله وفاطمة الكواري .

كان يطلق على كتارا بين عامي 2008 / 2009 مسمى الحي الثقافي وكان معظمها مباني خالية ولم يك ثمة بعد المطاعم والفنادق وكل تلك التحولات وكانت احتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010 تطرق على الابواب وفي ذلك الحين وزعت مبان في الحي الثقافي باعتبارها مقارا على عدة جهات فكانت من نصيب جمعيات مثل  التصوير الضوئي والفنون التشكيلية ( وقد ألحقت كلتاهما فيما بعد بوزارة الثقافة ) و البريد و جمعية المهندسين فضلا عن جمعية الادباء وكلها لم تعد موجودة الان في كتارا ( هناك ما يدعى بالمركز الشبابي للهوايات ويضم هوايات التصوير الضوئي وجمع الطوابع والعملات والحمام الزاجل وغيرها ) وقد استرجع مقر جمعية المهندسين كذلك لانها ( لم تزاول نشاطها ) لاحظوا بأنني لم أشر الى قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة لانه حكاية تحتاج أن تفرد في مقالة . ختاما وبالنظر الى ما تواجهه جمعية المهندسين وجمعية المحامين في الوقت الحالي من عقبات اشبه بدهاليز المتاهة ، لست أدري هل كان ما تم أشهاره أوفر حظا مما لم يزل مغفلا ومعلقا مثل جمعية الصحفيين القطريين و جمعية الكتاب والادباء القطريين أم أن كل الجمعيات المهنية في قطر.. في الهم شرق  !

 

الاثنين، 21 ديسمبر 2020

القطرية في مجلس الشورى


نورة ال سعد

 

        لا يوجد تجمع بشري لا يتشوف الى ممارسة حقوقه السياسية ومن اهمها تكوين الجمعيات والحق في التجمع  وحق تقديم العرائض وحق التصويت وهناك طريقان ، تسلك المجتمعات احدهما لتلبية تعطشها ؛ اما السعي في سبيل ممارسة حقوقها واما اللواذ والاحتماء بدرع قبلي او طائفي او دوغمائي يمنحها تعويضا وشعورا بالتفوق والتمايز والاستحقاق الاعلى .

يزعم باطلا بان المرأة القطرية لم تطالب ولم تسع لنيل حقوقها السياسية  وواقع الامر ان المرأة في مجتمعنا لم تمتلك قط منبرا ولا منصة للتعبير والاعلان ولم تستطع تحرير طاقاتها الحبيسة حتى انها تحايلت لكي تعبر عن نفسها من خلال أنشطة اجتماعية تطوعية – ولفترة وجيزة - من خلال ما سمي بالفرع النسائي لجمعية الهلال الأحمر القطري . ظهر الفرع في عام 1982 بوصفه رغبة مجتمعية وبجهود نخبة من السيدات وكان عملا تطوعيا وأهليا خالصا وكان بحق أول تنظيم نسوي بمجلس إدارة ترأسته السيدة مريم جاسم الدرويش وشاركت عضوات منه في محافل نسائية خليجية بصفة غير رسمية وبادرن الى حضور اجتماعات تنسيق العمل النسائي في الخليج على نفقتهن الخاصة وسرعان ما أوقف العمل الاهلي وتم حل مجلس الإدارة وتولى الهلال الأحمر الاشراف على مقر الفرع وتم تعيين مديرة تتبع المدير التنفيذي  منتدبة من جهة عملها منذ عام 1983 وتعاقبت المديرات المنتدبات حتى تم الاستغناء نهائيا عن الفرع في عام 2000 .

كان الفرع في عامه الاول علامة بارزة للعمل الأهلي النسوي الذي اجهض باكرا  ولو أتيح له الاستمرار أهليا ، لكان لدينا اليوم في قطر جمعية نسائية مستقلة لها فروع وصفوف من القيادات النسوية والاسهامات البارزة.

 وهذا يقودنا الى اختلال السيرورة التراكمية التي تدأب المجتمعات على استمرارها جيلا بعد جيلا والا اصبحنا مجتمعات تخرج من الصحراء صفر اليدين وكأنه لا نفط مر من هنا ولا تنمية ولا بشر يسعون في الأرض.

تذكر الكاتبة الصحفية  مريم ال سعد في مقال نشر في الراية في عام 2010  بان ثمة جمعية نسائية تنتظر الموافقة على اشهارها ولكنها قيد البحث والدراسة في وزارة الشؤون الاجتماعية (آنذاك ) وانها قد دعيت للانضمام الى تلك الجمعية وحضرت اجتماعات توالت خلال شهور مع من وصفتهن الكاتبة بانهن ( عقول مبدعة من مجموعة سيدات يمثلن الأستاذة الجامعية والمختصة العلمية والمديرة التنفيذية وسيدة الاعمال والتربوية الخ ) وعكفت المؤسسات- بمعاونة قانونيين -على صياغة النظام الأساسي للجمعية  وتقول الكاتبة ( واكتشفنا في سعينا .. بان هناك عطشا لوجودها من المرأة القطرية فقد توالت الاتصالات والرغبات بالانضمام الى (تلك ) الجمعية ) التي لم تر النور قط .

وقد اخبرتني مؤخرا صديقة عن نخبة لاحقة من السيدات سعت بدورها الى تقديم طلب اشهار جمعية نسائية ! من يدري كم مرة تحركت النخب القطرية النسائية ودفعت باتجاه ايجاد جمعية نسائية انطلاقا من رغبة المجتمع وحاجته الى التعبير والتجمع والتنسيق وأداء الأدوار .

لئن كان  الدستور الدائم قد جاء على شكل منحة من خلال لجنة اعداد الدستور المعينة -وليست المنتخبة - فان سعيا  حثيثا سبق ذلك بعقود وتجسد في عرائض شعبية ونخبوية ظهرت في لحظات تاريخية وطالبت بالتمثيل وبالمشاركة في القرار السياسي  وباءت بالفشل  ثم يأتي بعد ذلك من يردد في تحليلات سقيمة متملقة بان تأخر الإصلاح السياسي سببه عدم وجود مطالبات شعبية !

ليس شيئا أفدح ظلما من ان يقال بان المرأة القطرية أو ان المجتمع القطري لم يطالب بحقوقه ولكنه قدر المجتمعات الصغيرة ، انها كيانات قابلة للاحتواء ومن السهل توجهيها والتحكم فيها .

تقف القطرية اليوم بين تجربتين قريبتين منها : تجربة المرأة الكويتية في مجلس الامة المنتخب من جهة وتجربة المرأة السعودية في مجلس الشورى المعين من جهة أخرى  أما الكويتية فقد اكتسبت حقوقها بعد نضال ومطالبات وخاضت الانتخابات بدون كوتا وكان اهم نجاح لها عام 2009 حيث حصدت اربع مقاعد وان لم تحصل في الانتخابات الأخيرة على أي مقعد بالرغم من كثافة المشاركة النسائية حيث شكلت النساء ما نسبته نحو 52% من إجمالي عدد الناخبين .

بينما خاضت المرأة السعودية معاركها بشرف وصلابة وقاومت تيارات محافظة ومتشددة حتى استجابت السلطات التي لم تعد تستطيع مقاومة العصر ومتغيراته وجرى تعديل نظام مجلس الشورى في 2013 وحصلت السعودية بالتعيين على ما نسبته 20 بالمئة من المقاعد وقد أتمت السعودية عامها الثامن في المجلس و تقلدت امرأة مؤخرا لأول مرة منصب مساعد رئيس مجلس الشورى. وبغض النظر عن ان اغلب توصيات العضوات في المجلس قد قوبل بالتعطيل والرفض الا ان العضوات اشتغلن خلال السنوات الماضية بفتح  ملفات مهمة مثل تمكين السعودية في الحياة العامة وفي سوق العمل وملف الولاية واشتراطاتها وقضايا المعنفات وقد نفذت قرارات من خارج المجلس فصدرت اوامر ملكية بقيادة المرأة للسيارة وتم تعيينها في مناصب قيادية فما يعطله المجلس تنفذ الحكومة منه ما تراه مناسبا وكأن المغزى من انشاء مجالس الشورى- في نهاية المطاف – هو تهيئة المجتمع او تحميته او قياسه او الهائه او امتصاص غضبه او توجيه استيائه الى مقدمي المقترحات والتوصيات  !

يتعين علينا- نحن القطريات - الاستنئناس بالتجربتين حيث تصارع كل من الكويتية والسعودية اعاصير المجتمع المتزمت من جهة وأساليب ومنهجية عمل المجالس التي يهيمن عليها مناخ الإعاقة والتسويف والابطاء من جهة أخرى .

ان المرأة رقم صعب في الانتخابات ولسوف ترتفع أعداد الناخبات في قطر و تفوق نسبة الناخبين اذ ان افواجا من الذكور تنضم سنويا الى الكليات العسكرية واكاديمية الشرطة وكلها غير مسموح لمنتسبيها بالتصويت  .

 حري بالمرأة -اذا - أن تنتفع بحصة وافرة من التعيين لتحقيق تمثيل المرأة مادام المجتمع يعلن بانها نصفه ، وان أمامها لتحديات جمة فعسى ان تجتاز المرأة -بصمودها ودهائها - المحاذير القاهرة .

وليست المرأة الوزيرة في الحكومة مثل المرأة العضو في مجلس الشورى حتى لو كانت في الحالتين معينة وليست منتخبة ! ولست أتعامى عن انضمام اربع نساء بالتعيين منذ عام2017 الى مجلس الشورى بنظامه الحالي وقد عجز (غوغل )ان يظهر لي في البحث اي نتائج تتعلق بنشاطهن !!  بيد أنني موقنة بان المجلس المنتخب يتيح مساحة تختلف قليلا عن الحالي (وان لم ترق الى وظائف البرلمان)  وأدرك كذلك بأن لدى الناخبين والناخبات اليوم أدوات تعبير ورقابة تتزايد فعاليتها من خلال السوشل ميديا .