الجمعة، 19 نوفمبر 2010

الشعر الحديث في قطر

نورة ال سعد
الشعر الحديث في قطر شعر ناشئ لم يلق عناية في رصده وجمعه ودراسته وبحثه سوى في السنوات القلائل الماضية تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث . ولم تتوفر على رصد الإنتاج الأدبي وتحليله سوى أدوات بحثية أكاديمية في محاولات معدودة ترصدتها( تاريخيا) وعملت على اجتزاء الشكل عن المضمون وتحليله باستخدام مقاييس تقليدية تتفصى الاتجاهات الفنية وترصد الاغراض الشعرية وقل ان توفرت لناقد رؤية منهجية يتقصى بها ملامح الانتاج الشعري وقل أن توفر إنتاج شعري إبداعي متفرد في تجربته.
لقد نهضت في قطر بعض المقدمات النقدية الضرورية في صورتها الاكاديمية العامة من خلال إصدارات معدودة على رأسها إصدارات د. محمد عبد الرحيم كافود ومن أهمها كتاب(الأدب القطري الحديث) بالإضافة الى إسهامات الناقد د حسن رشيد في مجالي الدراما والقصة القصيرة . وسوف نعرض لاحقا لكتاب الدكتور عبد الله فرج المرزوقي ( الشعر الحديث في قطر تطوره واتجاهاته الفنية ) لاهتمامه برصد الحركة الشعرية  وان كان قد صدر في كتابه عن منهج بحثي يعتني بالتقسيم والتفريع وتناول  الجزئيات. وقد نشرت مقالات كثيرة شبه نقدية في الصحف و المجلات الثقافية ولكن قد تغلب عليها – للأسف - دوافع المجاملة واعتبارات المحاباة على قواعد التحليل الادبي ومنهجية البحث وأدواته النقدية . يجب أن نعترف بان الوفرة الانتاجية المتمثلة في الإصدارات الأدبية المتعاقبة لبعض الكتاب من ( شعرية وقصية ) لا تصلح في أكثرها أن تكون أساسا موضوعيا لدراسات شاملة .ونحن نأمل في ظهور إنتاج أدبي وفني أكثر نضجا واكتمالا حتى يتسنى للجهود النقدية أن تعالجه بالتشريح والتفكيك والدرس.

 قسّم الدكتور محمد عبد الرحيم كافود في كتابه الادب القطري الحديث الحياة الادبية في قطر الى مرحلتين :
تبدا الأولى من أوائل القرن التاسع عشر وتنتهي بنهاية النصف الاول من القرن الحالي أي ( 1800 – 1950 )
والمرحلة الاخرى (الثانية ) تبدأ باكتشاف النفط في عام 1950 نظرا لما ترتب على ذلك من تغيرات شملت آثارها كل مناحي الحياة ووسائلها . وهكذا فإن د .كافود جعلها مرحلة ممتدة حتى وقت طباعة كتابه في طبعته  الاولى في أواخر السبعينيات.
رأى الدكتور كافود ان أحد الشعراء يعد من المخضرمين ولذلك جعله منتميا الى المرحلتين معا برغم اتساعهما الزمني الكبير !!فقد عدّ كافود الشاعر القطري أحمد بن يوسف الجابر ممن عاصر المرحلتين بإنتاجه (وان كان أكثر إنتاجا في المرحلة الثانية ) (2)
وكان من أبرز شخصيات المرحلة الأولى الشاعر عبد الجليل الطباطبائي وهو عراقي المولد ولكنه أقام في مدينة الزبارة القطرية فترة طويلة حتى عام 1810 (3)
وذكر كافود الشاعر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني حاكم البلاد انذاك في نهاية القرن التاسع عشر وظهر كذلك الشاعر ماجد بن صالح الخليفي (1873 – 1907)وكان انتاجه محدودا ربما لانه لم يعمر طويلا وذكر كافود الشاعر النجدي محمد بن عيثيمين لانه( لازم حكامها فترة طويلة وسخر شعره لمدحهم كما انه خاض بعض المعارك مع القطريين ضد اعدائهم وصور ذلك في بعض شعره )(4)
وكذلك الشاعر محمد بن حسن المرزوقي وقد عاش في النصف الاول من القرن العشرين بيد انه لا يعرف الكثير عنه ولا عن اشعاره الا انه كان حاد المزاج واشتهر بمهاجاته لكثير من شعراء عصره من امثال النبهاني وغيره (5)
ويذكر علي عبد الله الفياض بدوره من شعراء قطر في كتابه وميض البرق   قطري بن الفجاءة في العصر الأموي الإسلامي ويقول ( لا نجد – بعد البحث الطويل شاعرا سواه نسب الى قطر ) (6) غير أن الأستاذ حمد الجاسر يخالفه في إثبات ذلك اذ لا سند تاريخيا يدل عليه(7)
ويضيف علي الفياض الى الطباطبائي من شعراء الزبارة أيضا الشاعر الشيخ احمد بن علي بن مشرف التميمي وهو عالم محدث ولد بالزبارة وانتقل الى الإحساء وأقام بها (8)
ويذكر الفياض إضافة الى ابن عثيمين عالم وشاعر آخر جاء الى قطر من ساحل فارس في عهد الشيخ جاسم بن محمد وهو الشيخ إبراهيم بن عبد الله الأنصاري ( والد فضيلة الشيخ عبدالله الأنصاري ) رحمهما الله  ولا ينسى عبد الرحمن المعاودة وقد طبع له ديوانان هما القطريات ودوحة البلابل وقد كان المعاودة منقطعا لمدح الشيخ علي بن عبد الله أمير قطر آنذاك(9)
غير ان الفياض يقول ( وأول شاعر قطري نظم الشعر الفصيح في العصر الحديث هو الشاعر المعروف ماجد بن صالح الخليفي ( 1873- 1907) ..وشعره النبطي أقوى من الفصيح.. وطبع ديوانه عدة مرات، الأولى سنة 1963 ) (10)
وبالنسبة لما يدعوه كافود بالنثر الفني(!!) فيعدد منها في تلك الفترة ( بعض الرسائل الاخوانية او المراسلات السياسية بين حكام قطر والمقيم البريطاني )(11)
أما التأليف(!!) فكان مقتصرا على أديبين اثنين اتضح انهما لم يؤلفا شيئا ! يقول د .كافود ( وكل ما نجده من ثمار تلك الفترة كتابين لأديبين قطريين هما عبارة عن مختارات شعرية ونثرية من التراث العربي )(12)
وأولهما : كتاب " بستان الاكياس والافراد من الناس " للشاعر عبد الرحمن بن صالح الخليفي قام بجمعه وانتقائه وقد درس الخليفي علوم الدين والعربية على يد الشيخ يعقوب بن يوسف وله ديوان شعر احرقه في حياته وتوفي في عام 1943 !! ويظهر ان الكتاب قد نشر في عام 1938
على يد ابن الشاعر الذي الحق بالكتاب في خاتمته قصائد لابيه الخليفي ويظن كافود بان النشر كان اصلا من عمل ابن الشاعر وهو يوسف بن عبد الرحمن حيث ان المقدمات التي وضعت كلها على لسان الناشر(13)
أما الكتاب الآخر فقد ظهر في الفترة نفسها وهو كتاب " نزهة الابصار بطرائف الاخبار والاشعار " لصاحبه الشاعر عبد الرحمن بن عبد الله بن درهم وهو كذلك مختارات منتقاة من التراث العربي وقد بعثه الشيخ جاسم بن محمد بابتعاث ابن درهم لدراسة العلم الشرعي على يد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف ال الشيخ في عام 1313 هجرية وقد توفي عام 1943 ويذكر د كافود بان ( الكتاب كما يتضح من مقدمة المؤلف انه الفه عام1359هجرية - 1940 الا اننا نرى ان المولف في نهاية الكتاب يذكر تأريخا مغايرا .. حيث يذكر انه انتهى من تاليفه للكتاب عام1355هجرية- 1936 ) (14)
  ويذكر كافود ان بداية المرحلة الثانية (الخمسينيات )كانت تلك الفترة فترة ركود وجمود في الناحية الفكرية والادبية الا انه قد ظهر نشاط شعري ملحوظ  في عهد الشيخ علي بن عبد الله حاكم قطر (حكم في الفترة من 1949-1960) الذي كان تواقا للمدح والثناء ! ولعل مبعث ذلك رغبة الحاكم آنذاك في تلميع صورته على اثر بعض القلاقل الداخلية نظرا لتنامي الشعور الوطني المناهض للانجليز وتفاقم الأحوال الاقتصادية والإدارية سوءا في وقت تدفقت فيه إيرادات النفط الى يد الحاكم  فتوافد الى الدوحة المداحون والمتكسبون بالشعر وكان الحاكم يغدق عليهم كما كانت تطبع دواوينهم على نفقة الدولة وساهم في إنعاش تلك (الحركة) الشعرية !! آنذاك عبد الرحمن المعاودة والشاعر احمد بن يوسف الجابر (15)
وقد تناول المعاودة القضية الفلسطينية في شعره في قطر في أكثر من مناسبة ولكنها ليست كقصيدة حماسية دعا فيها الشباب العربي الى الثورة والى حمل السلاح مثل قصيدة ( يا لثارات قومنا ) ألقاها في البحرين أمام تظاهرة شعبية بعيد إعلان هيئة الأمم قرار التقسيم  . (16)


وفي المرحلة الثانية كان هناك نصيب وافر للتقليديين وحظ قليل لجيل الشباب وقد بين  د. كافود بانه من الصعب اصدار احكام على انتاج في حال النمو ولا يمكن تصنيفه الى مدارس واتجاهات الا انه لاحظ بانه انتاج يغلب عليه التوجه الرومانسي في تمثلاته وملامحه السطحية.
(17)
ولم يذكر د كافود من التجديديين (في تلك الفترة التي ظهر فيها كتابه في أواخر السبعينيات )سوى شخصين فقط هما مبارك بن سيف وعبد الرحمن المناعي وكلاهما نوّع في شعره بين الشكلين العامودي والشعر المرسل.  أما مبارك بن سيف فقد نشر قصيدة  من الشعر الحر بعنوان (سفن الغوص البائسة) في مجلة الدوحة عام 1976 وهو وقت متاخر جدا من المرحلة الثانية التي تبدا بحسب كافود في عام 1950 . بيد أن علي الفياض يذكر في مقدمة كتابه( وميض البرق ) أن مبارك بن سيف (أول من نظم قصائده بالشكل الحديث أو ما يسمى الشعر الحر وذلك بقصيدته " ذكريات في ليلة شتوية " التي كتبها في لندن عام 1966 ) (18)
   
ويعلق عليها الدكتور كافود بموضوعية فيقول عن مبارك بن سيف ( والشاعر .. يصب لنا هذه المعاني بتعبيرات مباشرة بعيدة عن اللغة الايحائية التي تعوض عن الصور الفنية وترتفع عن لغة النثر .. ومن هنا كانت معالجة الشاعر لقضية الغوص ومعاناة الانسان منها معالجة فاترة بعيدة عن التاثير )(19)
ثم يأتي د .كافود على ذكر المناعي في قصيدة على الشكل العمودي نشرها الاخير في مجلة العروبة عام 1972
(20)
فقال عنها ( وهذه القصيدة مع بساطتها وقرب معانيها الا ان عمق التجربة وصدق المعاناة والموسيقى الحزينة المتمشية مع تجربة الشاعر ومعاناته ثم حسن الصياغة فيها قد ابعدها عن الابتذال ورفعها الى مرتبة الشعر المؤثر )(21)
وينشر عبد الرحمن المناعي بعدئذ شعرا مرسلا في مجلة العهد في عام 1976 قصيدة (الليل فارس أبيض) ويعقب د كافود عليها بانها تتسم بطابع رمزي وفيها نزعة رومانسية.(22)
ويقول علي الفياض عن عبد الرحمن المناعي ( أما أكثر الشعراء الشباب جراءة واندفاعا وجنوحا الى التجريب في الشكل الحديث فهو الشاعر عبد الرحمن المناعي .. ونلحظ عليه الإغراب والغموض وكثرة الصور والعبارات الرمزية الضبابية وذلك راجع إلى تأثره بقراءته الكثيرة لدواوين الشعراء المحدثين والمجددين في بلدان العروبة )(23)
ويذكر الفياض أن الكاتبة حصة العوضي أول شاعرة قطرية نشرت قصائدها في الصحف وكانت توقع باسم مستعار هو بنت الخليج وقد وأورد د. كافود قصيدة لها في كتابه الأدب القطري الحديث دون ان يعرّفها باسمها الصريح وقد أعادت نشر أشعارها في ديوانها الأول ( كلمات اللحن الأول ) وذلك في عام 1988 (24)
 إلا أن الشاعرة زكية مال الله قد سبقتها في إصدار أول دواوينها وهو ( في معبد الأشواق ) صدرت طبعته الأولى في عام 1985 (25)
ويذكر الفياض في كتابه من الشعراء الشباب محمد بن خليفة العطية وعلي ميرزا محمود ومحمد احمد المطوع . 
واعتقد أن د. كافود عمد الى تخصيص الفصل الثالث للشعر النبطي بسبب قلة المحصول الادبي امامه وهو يقول ( قد يكون هذا الفصل دخيلا على بحثنا الا انه نظرا لكثرة هذا الشعر النبطي وانتشاره في قطر وخاصة في المرحلة الاولى رايت ان اخصص له هذا الفصل )(26)

يلفت د. كافود انتباهنا إلى أن الشعر النبطي امتاز عن الشعر الفصيح بتمثيل البيئة القطرية ومعايشة احداثها بل والتفاعل مع الحياة المعيشية للناس. (27)
لقد تناول الدكتور عبد الله فرج المرزوقي الشعر في قطر في كتابه ( الشعر الحديث في قطر تطوره واتجاهاته الفنية ) بوصفه منقسما الى مرحلتين تاريخيتين  المرحلة التقليدية لتاريخ الشعر الفصيح في قطر تمتد من ( 1868- 1950 ) ثم وضع الشعر في مرحلته المعاصرة في الفترة من ( 1950 الى 2002 وكلتاهما فترة طويلة جدا وتضمان عدة مراحل من التغيرات في الملامح الشخصية والتحولات الاجتماعية ويبدو ان المرزوقي اضطر الى ضم المرحلتين ( مرحلة المحاكاة والتقليد ومرحلة الاحياء والبعث تحت معطف الاتجاه المحافظ (لانهما تتفقان في التوجه الاسلوبي ) والفرق بينهما ان طور المحاكاة يتبع زمن ما قبل ظهور النفط اما طور الاحياء فيطلق على زمن ما بعد ظهور النفط حتى السبعينيات وان لم يختلف الطوران فعليا !! بل تم تقسيمهما زمنيا الا ان المرزوقي يلحظ بان هناك ( مساحة من التطور الفني) بينهما (28)
 لا نستطيع أن نلقي باللائمة على الباحثين د. كافود ود. المرزوقي بسبب ذلك التمطيط الزمني للمراحل وذلك بسبب قلة المحصول الأدبي في المرحلة الأولى وتدني مستواه الفني في المرحلة اللاحقة مما يحصر الامر في مرحلتين طويلتين وهزيلتين  .
ينبغي ان نستذكر دائما بان الشعر الشعبي كان صاحب القدح المعلى في تاريخ الادب القطري الحديث وهو شعر فصيح بجذوره اللغوية وان كان لهجويا .
وقد كان من ابرز شعراء قطر المعروفين بحسب ترتيب كتاب  بدائع الشعر الشعبي القطري (29) :
* جاسم بن محمد ال ثاني (مؤسس دولة قطر وحاكمها الاسبق ولد 1821- 1913 )
مرت بي العيرات عدٍ ومنزل                ورسم لنا ما غيّرته الهبايب
ديار لنا نعتادها كل موسم                  مرباعنا لي زخرفتها العشايب

* وسعود بن عبد الرحمن ال ثاني (ت 1973)
حدتني الضيقة لبدع المثايل          والا فلا شوق ولاني بطربان
راح الطرب مع كاسبين النفايل يوم المراجل كل يوم لها اعلان

ومحمد بن جاسم بن محمد بن عبد الوهاب الفيحاني نسب الى جده عبد الوهاب الذي كان( قائمقام) عند الدولة العثمانية في دارين ولد 1325 ه وتوفي شابا 1353ه

ويقول
شبعنا من عناهم وارتوينا                         وعند ارسوم منزلهم بكينا
وعقب افراقهم شنّا وحنّا                   وحنّينا وثم انا عوينا
وسايمنا وساقمنا وحنّت                   لنا حتى المنازل والعِنينا
وقال
ماجور يا قلب عن الوصل بقيود             ناحيك عن لاما الحبايب بلايا
ما لاح نجمك مرة بس بسعود               دوبه على عكس الهوى بالهوايا
ما جتني الدنيا على حسن مقصود           مسكين انا ما نلت فيها هوايا
عيا العوج ما يعتدل يابس العود         مكر النوى متناهي في عنايا
يخطي الخطا غيري وانا فيه مقيود    وش زلتي يا وقت شنهو خطايا
لحول يا قلب على الشين محدود         منصوب نيشان لضرب الرمايا

وماجد بن صالح الخليفي ( ولد 1290 ه وتوفي غريقا في رحلة غوص وهو بعد شاب  1323 ه)
قال
ونيت من هجركم ونة غريق هوى    في غبة لا يرى بر ولا اخشابه
والا صويب طرح في ملتقى الغارة   يوم اظلم الليل جاه الضبع واذيابه
لولا الهوى ما سهر جفني والا اذرفت    

                              عيني ولا كنت اسري الليل واشقى به

 وسعد بن علي المسند المهندي ( ولد حوالي  1282 ه – 1895 م وتوفي 1943)
وعبد الله بن سعد المسند المهندي الملقب بالشاعر(1910-1976)

 وكذلك راشد بن عفيشة الهاجري، وعمير بن راشد العفيشة الهاجري( ولد 1904 – 1981)،  ولحدان بن صباح الكبيسي( ولد 1889 وتوفي 1975 )  وعبد الله بن غانم البودهيم المالكي ( ولد 1806 وتوفي 1916)  وعلي بن ارحمه البودهيم ( 1861 – 1951) وصالح بن سلطان الكواري ( 1910 – 1980) وحسن فرحان النعيمي ( 1924 – 1970)  وعبد الله بن صالح الخليفي( 1305 ه – 1385 ه )  وسعيد بن سالم البديد ( 1914- 2000) وسبيت بن شرود السليطي ( 1882- 1957)  وابراهيم بن محمد الخليفي ( 1337 ه- 1409 ه الموافق 1989 ) وامان بن سعيد ال حسين ( 1922 -  وعبد المحسن بن فطيس المري ( 1915- 1991) وغيرهم



لم يستطع د المرزوقي في كتابه  -بحكم الكياسة - أن يقدم تحليلا ذا صبغة صارمة لقصائد معاصريه من الشعراء مكافئا لصرامته المنهجية التي اخضع لها شعراء قطر الذين سبقوا وغيبهم الموت وقد اوضح د عبدالله فرج موقفه من قصيدة النثر فقال دون ان يذكر اسماء بعينها ( يعبرون عن مشاعرهم تجاه من يحبون في خواطر ..يكتبون عليها ديوان شعر )( 30)
الأمر الذي برر عدم تناوله لعدد من الاسماء والدواوين في كتابه - تحليلا وتفنيدا- فهو لا يعدها شعرا . لقد كان المرزوقي ليّن العريكة في تناوله  للشعراء القطريين المعاصرين سواء أكان شعرا عموديا ام تفعيلة أما شعراء الثلث الاخير من القرن التاسع عشر ومن اهمهم ( ماجد بن صالح الخليفي (1873 – 1907) والشاعر محمد بن حسن المرزوقي (1889-1959) والشاعر عبد الرحمن بن درهم ( 1870- 1942) وعبد الرحمن بن صالح الخليفي ( 1881- 1943) فلم يجد  حرجا كيرا في توصيف اولئك الراحلين بانهم مقلدون فانتقد لغتهم ومعانيهم وصورهم واغراضهم التقليدية المكرورة (31)
وقد أطلق المرزوقي على شعر تلك المرحلة حكما صائبا بالمحاكاة الضعيفة والتقليد المبتذل فقد ترسمت قصيدة الفصحى خطى التقليد الكامل للقصيدة العمودية وحوت فوق ذلك من العيوب اللغوية والاسلوبية والايقاعية ما لم يخف . وكانت القصائد في معناها ضحلة وفي مبناها ضعيفة وفي اغراضها مكرورة. ونحن نقدر بان المرزوقي تنكب (الشعبي النبطي) الحضري منه
 والبدوي لانه كان معتنيا في دراسته بالشعر الفصيح وحده في حين ان اولئك الشعراء كانوا ابناء بيئة صحراوية يعيشون في وسط جمهور يتلقى القصيدة النبطية شفاهيا وجماعيا في المجالس والاسواق ويتناقلها متى اعجبته وتاثر بها ويهملها ويسقطها من حسابه اذا لم تعجبه.  وقد ابدع بعض اولئك الشعرء الشعبيين وكتبوا اجمل قصائدهم بالعامية وعالجوا في اشعارهم  قضايا اجتماعية وتاريخية وتناولوا احداثا  حيوية وتضمنت بعض تلك القصائد التماعات ذكية وطرافة مواقف وصدقا فنيا وعاشت تلك القصائد  في صدور اهل البلاد اكثر مما سوف تعيشه قصائد غيرهم من معاصرينا الذين يحفظون انتاجهم بين طيات الكتب في بطون المكتبات المهجورة .
يقول د. المرزوقي عن أبيات غزلية للشاعر ماجد بن صالح الخليفي
بانها صدى لغزليات عمر بن ابي ربيعة او امرىء القيس متابعا للدكتور كافود (وشتان ما بين عصري كل من عمر وامرئ القيس اسلوبا ومنزعا ومناخا عاما !!) هذي هي أبيات الخليفي:
وجه المليحة ذاك ام بدر السما      وذوائب ام تلك ليل اظلما
ام ذاك برق قد انار الافق من       لألأئه ام ثغرها متبسما
حتى الغزالة اشرقت من نورها     والبدر ضاء بنورها والانجما
لو انها بصقت على في اخرس      اضحى فصيحا ناطقا متكلما

صدق الباحث فيما ذهب اليه من أن الأبيات بها أخطاء نحوية وعيوب في القافية ومعان مستهلكة ( يركبها بسطاء الناس )(32)
وليس ذلك إلا لتكلف الشاعر (الخليفي) ما ليس يحسن صنعته من فصيح العبارة وعلوم النحو والعروض والأوزان. لقد كان جيل الإحيائيين مستعبدا للموروث يسير على نهجه وأغراضه مقتبسا جزالته وفخامته وأوزانه ونظموا غالبا على موسيقى البحور المركبة مبتدئين بالطويل لأنه يتناسب مع جليل أغراضهم(33)
ونحن نعجب الا يشير الباحث الى ما كان خليقا به ان يشير إليه أيضا من ضعف الاسلوب ومباشرة الافكار في المقاطع الشعرية لمعاصريه من الشعراء والشاعرات وقد أورد أبياتا ثم تغاضى عن انتقادها بما تنضح به من قرب المأتى وسطحية المعاني  وتقليديتها . لقد تسلل الشعراء المعاصرون لواذا من التقيد ببحور الشعر وأوزانها بسبب عدم اتقانهم لها ولانهم غير قادرين على تمييزها سماعيا فهجروا شعر التفعيلة تماما الى شعر مرسل متحرر من الوزن وان حافظ على القافية والغنائية والتطريب.
ولا نحسب ان المرزوقي كان متحمسا ولا مشايعا لأهل ذاك الشعر غير انه الان جانبه- اضطرارا- كمن يتعامل بالنقود الرديئة لافتقاد العملة الجيدة! (34)
لم يجد المرزوقي مندوحة بعد إيراد مثال من شعر حصة العوضي من ديوانها (كلمات اللحن الاول ) من إشارة أردفها بحسن تعقيب ( فافكار الشاعرة مباشرة ومعالجتها لتجربتها معالجة سطحية الا ان رقة الفاظها ورهافة الاحساس اعطت للتجربة فنيتها )!!  (35)

ولكن المرزوقي كان أكثر موضوعية في مكان آخر فيما يخص الديوان ذاته حين قال ( فالشاعرة في تعبيرها .. وقعت في المباشرة والسطحية والمعاني المستهلكة ناهيك عن سطحية  التصوير وضعف الصياغة وهشاشة الحبكة الدرامية )(36)
لن يخفى على القارئ ان د المرزوقي ينحاز ذوقيا الى العمودى فهو يقول ( لا نستطيع ان نجاري د. عز الدين اسماعيل فيما ذهب اليه من تعميم في حكمه على الموسيقى المتوارثة )(37)
طبعا نظرا لخطورة التعميم والاطلاق !!
و يلاحظ د المرزوقي بأن تسيد البحور ذات التفعيلة الواحدة واستئثارها بخريطة الشعر الحر ( خاصة موسيقى بحر المتدارك وهو بحر قريبة موسيقاه من النثر .. سهل على شعراء الحر ركوبه خاصة لما فيه من خفة وسرعة )(39) وكذلك كان الأمر عليه عند شاعرين من قطر هما زكية مال الله ومبارك بن سيف ) 
ولا يفوت د المرزوقي التأكيد على ان نفرا من الشعراء وقعوا ضحايا للشعر الحر نظرا ( ذلك الابهام النتاتج عن التغريب والعلاقات اللغوية المغلقة بين الالفاظ)
(40)

وأورد مثالا على ذلك  قول الشاعرة زكية مال الله من ديوانها ( على شفا حفرة من البوح ) وقد صدر عام 1993
لقدسك
شمعة من ركام اللهيب
ثلاثية الطلع
الجريان
الذاكرة
 تماهيت حول الحواشي
 صغت العصور اضطرابا
 تحزمت بالمعجزات
إن الكثير من المطروح في سوق الكتب من الدواوين الشعرية يفتقر الى التجربة الشعرية النضيجة التي يدعي انه يقدمها الى القراء . لا تبدو تلك القصائد سوى لعبة شعرية تستند الى مفردات تتصارع مع بعضها البعض (شطحات تصوفية وميتافيزيقية ورمزية) وكأنما يرمينا الشاعر بما يستغرقه من حيرة وشك وافتقاد لليقين . لا يدعي الكتاب والشعراء في الوقت الراهن الالتزام بأي منظور فكري ولا يتوخون ذلك لان حالة اليأس المطبقة على الشاعر والتي تحاصر واقعه تاخذه بعيدا عن المنطلقات الأيديولوجية الثابتة وعن الالتزام ودواعيه .
بل يندد الشعراء بالثوابت والقوالب والالتزام ولكنهم لا يقدمون تجارب جديدة تحمل نشوة جمالية بل إنهم يقعون تحت تأثير المنظورات التقليدية ذاتها التي يدعون الثورة عليها !!
إنهم يقدمون قصائد مليئة بالتنميط والركاكة ولا تستوقف أحدا وليست تعقيداتها والتواءاتها اللفظية سوى مناورات مكشوفة للخواء والفشل
قد يقوم بعض الشعراء كما فعل امجد ريان مثلا في كتابه( من التعدد الى الحياد. قراءة في نصوص شعرية جديدة )(41) ان يعلي من تجارب بعض زملائه- نظريا- في تقديمه وعرضه ولكن كيف يمكننا ان نتذوق ما لا يساغ تذوقه   .

الشعر الحديث في قطر

اذا استعرضنا بعضا من قصائد الشعراء المعاصرين فسوف نقع أولا على التوجه الرومانسي المغلف بطابع الحنين الى الايام الخوالي والنزعة الى الطبيعة وتلك التشبيهات المألوفة في التصوير الواضح القريب يقول مبارك بن سيف في قصيدة امام نخلة مؤرخة في عام 1974
يا نخلةً فوق الكثيب
مهجورة الاصحاب يحجبها الغروب
معقوفة السقف
تناوشها الخطوب
ووحيدةً خلف الرمال الحمر
يدميها الهبوب
في القيظ يُحرقها السموم
وفي صقيع البرد يبرحها الجنوب
وكأن همس حفيفها :
" ويحٌ لنفسٍ لا يطاوعها الهروب "
(42)

اما الدكتورة زكية مال الله فهي مكثرة غزيرة الإنتاج جدا  بيد ان القارئ لا يني يحس بان الشاعرة تمتح من معجم شعري متشابه المفردات تكسوه غلالة رومانسية للاشتياق الى الحب والأسى لافتقاده وتترى قصائدها في دواوينها الأربعة المتضمنة في الجزء الأول من الأعمال الشعرية الكاملة( من عام 1985- 1990 ) صدرت أولى طبعاته في عام 2005
ونستطيع الاستشهاد بمقاطع من قصائد متفرقة زمنيا دون ان نشعر باختلاف الأسلوب أو تطوره
في أول قصيدة أغنيات من المساء تصدرت ديوان للشاعرة في معبد الأشواق (1985)
ما الذي قلبك يطوي
اشتياقا ام دعاء
بين عينيك حنين وبكفيك رجاء
أو تهواني صغيري قل فما أحلى اللقاء
منذ أعوام وقلبي يملأ الدنيا عويله
وانتظاري كله وجد وآهات عليله
وزهوري ظامئات بين أوراق الخميلة
وأماني سراب وابتساماتي قليله
لم يكن للزهر عطر لم يكن ليلي سكون
(43)

في الديوان الثاني ألوان من الحب (1987) ومن أولى القصائد  قصيدة الى جميلة
أنشودة من القصائد الطويلة
أنشودة سطورها جميلة
أحسها تعانق الحياة في مشاعري
تلملم الحنين من خواطري
فاحتوى حنانها كزهرة
كنسمة عليلة
جميلة
(44)

ومن الديوان الثالث من أجلك اغني (1989)
جاء في أول قصيدة شيء ليبقى بيننا
ذبل النهار ولم تعد
مازلت ساهمة بغيب او وعد
ووميض ما احوي من شجون تتئد
وبقية من صمت أعماقي
اغتراب للأبد
--
شيء ليطوي في في ملامحنا
وتنساه السنون (السنين)
ونعود لا ذكرى
ولا ماض
ولا قلب حزين
شيء لنجهل قد توّرد في براعمنا
يكون ولا يكون
(45)
اما في الديوان الرابع في عينيك يورق البنفسج (1990)
ففي أولى القصائد ( أوراق مسافر – الورقة الأولى : قبل الرحيل )
جاء :
ترتحل اليوم تزفك آلاف الأبواق
والحزن الكامن في عينيك
مرافئ مرساها الأعماق
ينكفئ الشاطئ في قدميك
تودعه كل الأعناق
ويخيم في الكون سكون
قد حنّ لمقدمه العشاق
(46)
وأخيرا نقتطف من قصيدة للشاعرة سعاد الكواري بعنوان (باب جديد للدخول) من ديوانها الذي يحمل الاسم نفسه :

من أي باب أدخل اليك
بعدما أغلقت الأبواب جميعها
وابتعدت
أو أغلقتها الريح
من أي باب أدخل اليك
من أي ثقب أدخل وأرفع عنك الغطاء
غطاء الجهات وأقترب من جسدك
المنهار
قل لي: من أي باب أدخل اليك
لقد تعبت قدماي فعادت توسلاتي
لا تكفيك
أيها الجالس على عرش المكابرة
على تلة الرفض
هذا جسدي وهذه الطعنات
هذه العيون التي تتعقبني دون رحمة
هذه العيون التي تعرف جيدا
كيف تعيدني الى تابوتي المفتوح
تعيدني وتغلق الأبواب خلفي
فكيف أدخل اليك
أزحزح هذا الحائط أو ذاك
كيف ألبسك وأقف عند أبعد شرفة
لأودع حمم الصمت
(47)

أطلق الشاعر علي ميرزا محمود عنوانا موحيا على أول دواوينه وكان باللهجة العامية اذ اسماه ( أماني في زمن الصمت ) صدر في عام 1980  كتب الشاعر علي ميرزا :
قالت لحمكم حي لو ما تعدّوني
آنا الأصل يا ولد وأنت اللي من دوني
ما يرتفع لك اسم في الزين والدوني
آنا اللي مايي سقا عرق نبض لك حي
اعمل عشان ارتفع وأصير منك حي
وتعيش ما تنسي لو مِيْت كنت أو حي
آنه قطر يا هلي بالحق مدّوني
(48)

ثم في ديوانه الثاني (من أحلام اليقظة ) جاءت قصائده مقعقعات ومجلجلات فالشاعر يلجا الى مفردات الجزالة والفخامة وهكذا تبدو إحداها وهي مؤرخة في عام  1980
أنا صاحب العلياء فيها فهللوا
وغنوا غداة البين لما تحاملوا
عليّ وقالوا قولة لم أفه بها
بزور وبهتان علي تقولوا
كأني بهم لما بريقي هاجهم
وحوش تحب الداجيات وأفّل(49)
يدفع الشاعر عن نفسه تهما وجهت إليه وتعرض بسببها للمساءلة بل للاستجواب والاعتقال لمدة شهرين بسبب توجهه القومي العروبي والذي كان يعبر عنه بالشعر ! وربما أثارت قصائده الحفائظ لأنها لم تعدم أن تضم في أبياتها ترميزا وتلويحا أعتبر- بلا شك - تطاولا وتحريضا على السلطات.
يقول علي ميرزا :
يرعبنا
ويسترخي زناة الليل في أحلامنا العذراء
ننام
وسيفه المعقوف
يسترخي بظل النخلة الثكلى
ويتركنا
تراوح عنه في الوادي فلول عصاه(50)
واضطر الشاعر بعدها إلى التزام الصمت سنينا عديدة بعد ديوانه الثاني ولم يجد ديوانه الثالث ( أم الفواجع ) فرصة للظهور والنشر الا حديثا في عام 2004 . يقول الشاعر  :
أولا نفيق
إني سئمت النوم في ردهات قافلة الرقيق
حيث انزلاق الوقت كالسير الرتيب
عكس اتجاه الريح في لا منتهى الصحراء
لا ظل لا آمال لا شجر
 والريح عاصفة ..
وجامحة الزفير
تذرو التراب وعين أمي لا ترى
وأنا..
اذا أغمضت عيني .. ضاع من قدمي الطريق .
--
السدرة الغنّاء تقطنها الضفادع
لا البلابل .. لا الطيور
وأنا سئمت من النقيق
ولقد مللت من التصور..
ان من نهواه لن يأتي .. ولن يجد الطريق
وانا الحبيس بقعر ذاتي لا أنام ولا أفيق (51)
وفي قصيدة جلنار في ديوانه (من أحلام اليقظة)
سأفني حياتي فدا جلنار
واعشق نفث الجراح الكبار
فما ساءني من هواها إسار
ولا همّني ما حييت الحصار
سأكتب ما عشت كل المعاني
ولو كبلوني بوجه الشرار
نجومي ستبقى وان صادروني
وشعري سيبقى لعشقي شعار(52)

يقول علي ميرزا محمود في قصيدته( ام الفواجع) المؤرخة في أغسطس 1991 في ديوان بالاسم نفسه .وقد صدر الديوان في عام 2004

لا استطيع الى البيان سبيلا  وغدا الكلام على اللسان ثقيلا
ماذا أقول وقد رأيت فجيعة  فوق الفواجع ما رأيت مثيلا
جمد الكلام على فمي وأنا أرى وطني يضيع طوائفا وقبيلا
ودما يسيل على التراب مبددا وبني العروبة قاتلا وقتيلا
(53)

يعبر الشاعر بأسلوب واضح فاضح وبلا تورية الشعر وبلاغته عن واقعه ويعريه معلنا منذ أول بيت إخفاق البيان عن (البيان) !!
يذم الشاعر الكلام لان الكلمة في واقع العرب ولسانهم  ضد الفعل وهي لا تعدو صرخة لا تعقبها النجدة .
وفي قصيدة الذئب والكلاب من الديوان نفسه مؤرخة في يونيو 1983 يقول ميرزا

تمنيت
غنيتُ
أنشدت
صفقت
حييت كل الذين على النصر قد واعدوني
ومارست كل  الذي علموني
وحين فتحت عيوني
رأيت المزارع قد أينعت برتقالا
ولكن تغير منشأه البرتقال
واسمي تغير
ولوني تغير
وطعمي تغير
وغيّر شكل انهزامي جمال
ومات جمال (54)



أما الشاعر محمد بن خليفة العطية فقد أصدر ديوانه الأول (مرآة الروح)  في عام 1989 . ويشير د. كافود  بأنه قد تأخر عن آخرين ابتدروا الديوان بالقراءة النقدية ( رغم إلحاح الزميل حسن توفيق ومتابعته لي بانجاز هذه الدراسة )(55) ورأى كافود بان ( في هذه القصيدة وغيرها من قصائده الغزلية ان فتور العاطفة .. قد افقدها الصور الفنية والإيحاء فأصبحت النبرة الخطابية والتعبير المباشر هي السمة البارزة )(56)
يقرر د. كافود بأننا أمام ديوان عادي( ولكني تجاوزا أقف عند بعض الملامح والأبيات الشعرية المشرقة لان زميلنا الشاعر محمد العطية لازال في بداية طريقه )(57)

ومن ديوانه مرآة الروح في قصيدة (وفاء) (58)
نورد هذه القصائد:

عرفتُك لمَّا لمستُ الثرى
وأدركتُ أن مناي الذّرى
وأن الظلال التي في دروبي
مغاربُ شمسي التي لا تُرى
لقد علقتْ مهجتي مقلتيك
كما يعلق الجفنَ رفقُ الكرى
وألقيتُ قلبي على راحتيكِ
ينزُّ بأشواقه كوثرا
تعاليْ فإنَّ تناهي الأماني
حنين بأعماقنا أوغَرا
تعالي فإن انكسار السواقي
يموت به جدولٌ قد جرى
لأني مللتُ احتراق الوعود
بعذر له الشوق لن يغفرا

وفي قصيدة( خلي البال)

يا خَلَيَّ البال ما أدناك منِّي
هل سمعتَ النوحَ فاستهواك فنِّي
لا تلمني إن أَرَقْتُ اليوم دمعي
أرَّقتني نائباتٌ لي تُغنِّي
فهي تنأى عن فؤادي حين تدنو
وهي تدنو إن سباكَ البعدُ مني
ومن ديوانه (ذاكرة بلا أبواب) وقد صدر في عام 2002

جاءت قصيدة( عملاق)

لا تُدِرْ وجهَكَ وافخرْ
أنتَ إنسانٌ مُقدّرْ
لك تاريخٌ ومجدٌ
وحضاراتٌ تُسطّرْ
فاشرب الشاي المُعطّرْ
وتهتلرْ وتعنترْ
وكفى عقلك شُغلاً
أنّهُ للكونِ مِحْورْ

ونورد كذلك أجزاء من مقالات نقدية (59) تناولت عمله الأول مرآة الروح فمن مقالة للدكتور ماهر حسن فهمي –رحمه الله  - تناول فيها ديوان الشاعر الأول نقتطف (وما دمت اعتقد ان شاعرنا الشاب يحاول ان يطور نفسه لأنه شاعر طموح. فينبغي هنا ان أثير معه بعض الملاحظات العروضية وأهمها موضوع «الإشباع» ) أما خليل إبراهيم الفزيع فيقول (أشار الأستاذ حسن توفيق في مقدمته التي كتبها لهذا الديوان.. الى ان قصائد هذا الديوان تؤكد «ان صاحبه عاشق للشعر بمختلف أطيافه، وهكذا تتلاقى في سماوات روحه قصائد أمرؤ القيس وطرفة بن العبد مع قصائد المتنبي واحمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري وإبراهيم ناجي وصولا الى قصائد بدر شاكر السياب ... هذا ما قاله الناقد والشاعر أو بمعنى أدق الشاعر والناقد حسن توفيق وهذه شهادة مغلفة بعين الرضا) !! وحين نظن بأن الفزيع سيكون اكثر موضوعية ممن سبقه نجد ان ملاحظته ليست سوى مناورة للغمز من قناة حسن توفيق ليس الا فهو يستطرد قائلا ( وبين ديوان محمد بن خليفة العطية الأول «مرآة الروح» الصادر عام 1989م وهذا الديوان «ذاكرة بلا أبواب» الصادر عام 2002م ما يزيد على عقد من الزمن وهي مدة كافية لأن يطور الشاعر أدواته، وهذا ما نراه في هذا الديوان الذي ينبئ ان الشاعر يملك عنان القصيدة بعد أن تغريه بالوقوع في شباكها لتكون استجابته تلقائية وبلا عنت أو قسر) !!. تشكل قصائد التفعيلة في الديوان نسبة ضئيلة هي (8) قصائد من (29) قصيدة ومقطوعة هي كل محتويات الديوان، أتت مقدمة كتبها حسن توفيق لذلك الديوان.

أما خالد عبيدان فله ديوان (سحابة صيف شتوية ) صدر في عام 2001
ومن شعره (المنظوم) يقول خالد عبيدان :
أمسي يحن الى غدي
وغدي بعيد المورد
يمشي السراب معي خطاً
ظمأى تباعد مقصدي
أتوسل الماضي صدىً
فيجيئني بتشردي
ص 13
في قصيدة ينساني ويرعاها
لا تسألوا أينا المضنى سلوا الآها
سلوا الجوارح عنا عند مغناها
هب النسيم على الأفئاد همستها
انى شدت قبّلت روحي محياها
وفي قصيدة له من الشعر المرسل وعددها اقل من ثلث الديوان بعنوان (اتيت) مهداة الى الشاعر البردوني يصب الشاعر في أذاننا كلاما عاديا لا وقع فيه ولا إحساس:
أتيت ووجه الدروب ضباب
تهشم فيها الصدى والسراب
تطل رؤى تتعامى
ترانا مسوخا تشل عيون العزاء
وأطلال رؤيا
تمسرح وهما ودنيا بغاء
أتيت ونحن ضفاف اكتئاب
هجرنا مواطننا واشترينا اليباب
(60)


يختلط الشعر حابله بنابله ويمتدح المرء شاعرا وناظما(61) بقدر ما له من علاقات موصولة باهل الصفحات الثقافية والادبية لاسيما ان كان الدافع نبيلا وهو الدعم والتشجيع . 
ليست التفعيلة الواحدة ولا الترميز واللجوء إلى الأساطير والحكاية الشعرية وغير ذلك من ادوات ووسائل سوى تعبير عن وجوه التحديث . اما الحداثة الشعرية ذاتها فهي الرؤية والمنظور والارض الفلسفية التي يقف عليه هذا الشعر المعاصر في كل مرة  وهذا المنظور الشعري هو معيارية هذه الحداثة ومنطلقها ومدخلنا الى فهمها وتقييمها ومن ثمّ  قبولها او رفضها فالمعيار هو الرؤية الشعرية سواء اقدمت شعرا موزونا او منثورا .  وهذه الرؤية لا يقدمها شاعر او بلد معين وانما تنتجها حركة استئنائية تتمثل في مواهب متفردة ترفدها وتضيف اليها من تجاربها الخاصة وقد تقوم الحركة من حيث هي تاريخ مستمر ومتراكم  من اسهامات روافد ايديولوجية متعددة قومية ويسارية وانسانية تتحرى التغيير الثوري او الاصلاح المتدرج اذ ان الكاتب او الشاعر الذي يتبنى قضايا سياسية او اجتماعية يستطيع اذا كان فنانا حقيقيا ان يحولها الى قضايا شعرية عبر علاقات فنية ماتعة ولاحظوا ان الشعراء الرواد كانوا دائما يحملون راية التقدم الاجتماعي والسياسي في عصرهم ولم يكونوا متحزبين او كتلا سياسية ولكن امتزجت القضايا العامة في زمنهم بتجاربهم الشخصية فصاغوها أحيانا شعرا وأحيانا أكثر تنظيرا فكريا ولاحظوا بان المد القومي والاشتراكي مثلا كان سببا رئيسا لازدهار الشعر الحديث على يد اقطابه امل دنقل وصلاح عبد الصبور تماما كما كانت رؤيا الشاعر اللبناني يوسف الخال مسيحية في خطوطها والرغبة في تجاوز الانا الى الاخر والخروج من الشخصانية الى العالم عبر التضحية والفداء الاختياري ايديولوجية شعرية تخصه وتوقد معاناته وترفد تجربته الشعرية
فالاصوات الفنية في الشعر العربي المعاصر تطورت فنيا عبر تطورها الفكري والسياسي فليست هناك موهبة لا تتبنى ما يمكن ان تعبر عنه !
يجب الا ننظر الى الصورة والرمز والموسيقى من خلال منظور سطحي يرفضها من حيث هي تتبع التراث القديم لان المسالة لا تقتصر على مكافحة الموسيقى في الشعر باعتبارها (غنائية) تجاوزها العصر فالقصيدة العمودية ذات الهالة الموسيقية المقحمة من  خارجها (من وزنها وبحرها وقافيتها ) تساوي قصيدة شعر حر رديئة غامضة عجفاء من المعنى و الايقاع وكلتاهما   تفتقدان الطاقة الشعرية بل تقعان في خانة انعدام الذوق والتهافت
يؤكد كثير من الباحثين بانه منذ العصور المزدهرة في العصر العباسي الى سنوات  العصور العجاف  التي خضعت فيه الرقاب الى الاستعمار الاجنبي الكولونيالي لم تخرج الحركات التجديدية (احيائية وبعثية وقومية ويسارية ) عن جوهر التقليد والاتباع للموروث القديم شعرا ونثرا .  تلك الحركات التجديدية التى رفعت عصا الطاعة فاثارت نقاشا وجدلا حول الاغراض ووحدة القصيدة ثم الاوزان والعروض والقوافي لم تغير سوى جلدتها ولم تكن حقا تجديدية ولم تكن حقا حديثة !!(62)

هوامش

(1) حاضر النقد الأدبي – مقالات – طائفة من النقاد – ترجمة محمود الربيعي دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة – 1975
 ص 37
(2) الأدب القطري الحديث – د.محمد عبد الرحيم كافود – ط2 – عام 1982 – دار قطري بن الفجاءة للنشر والتوزيع – الدوحة- ص 82
(3) المصدر السابق - ص 81
وانظر كذلك وميض البرق -علي عبد الله الفياض- دار الموسوعة القطرية –الدوحة - ط1 عام 1993 – ص 6
(4) الأدب القطري الحديث- د. كافود- ص 81 -82 وانظر كذلك وميض البرق -علي عبد الله الفياض ص 6-7
(5)الأدب القطري الحديث- د. كافود -ص 82
انظر كذلك وميض البرق علي عبد الله الفياض ص 10
(6) وميض البرق- علي الفياض- ص 5
(7)  المصدر السابق ص 20 – 21
(8) المصدر نفسه ص 6 
(9)  المصدر نفسه – ص 8
(10) المصدر نفسه ص 9
(11) الأدب القطري الحديث – د. كافود -ص83
(12)  المصدر السابق - ص 83
(13) المصدر نفسه-  ص 83 و86
(14) المصدر نفسه-  ص 87 .
(15) المصدر نفسه - ص 92
(16) دراسات في الشعر العربي المعاصر في الخليج – د محمد عبد الرحيم كافود – دار قطري بن الفجاءة – ط2 عام 1996 الدوحة - ص 132
(17) الأدب القطري الحديث- د . كافود ص 255
(18) وميض البرق – علي الفياض– ص 14 
(19) الأدب القطري الحديث- د . كافود ص 261
(20) (ورد في هامش كتاب الأدب القطري الحديث الطبع الثانية أن المجلة هي الدوحة ولم تكن قد أنشئت بعد في عام 1972وبالعودة الى الدكتور كافود قال لي: انه خطأ طباعي و لابد ان المقصود مجلة العروبة )
(21) الأدب القطري الحديث- د كافود ص262
(22) المصدر السابق ص 269- 270
(23) وميض البرق- علي الفياض -  ص 15
(24) المصدر السابق– 15
(25)المصدر نفسه ص 15
(26) الأدب القطري الحديث- د. كافود - ص 281
(27) المصدر السابق ص 297
(28) الشعر الحديث في قطر تطوره واتجاهاته الفنية  د . عبد الله فرج المرزوقي ط1 عام 2005 إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث – مطابع رينودا الحديثة –الدوحة- ص 9

(29) انظر جميع الشعراء القطريين الذين جرى ذكرهم في كتاب ( بدائع الشعر الشعبي القطري )–اختيار وإعداد : علي عبد الله الفياض وعلي شبيب المناعي مراجعة: زايد محمد النعيمي - إصدار المجلس الوطني – ط1 عام 2003 – مطابع الدوحة الحديثة
و انظر أيضا ترجمة الشعراء في كتاب وميض البرق – علي عبد الله الفياض ط1 -عام 1993 - دار الموسوعة القطرية – الدوحة
وانظر كذلك الغوص على الدرر عند شعراء قطر – علي شداد آل ناصر – ط1 – عام 2003 وانظر لآلئ قطرية شعراء من قطر  – الجزء الأول - جمع وتحقيق علي الفياض – إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث – ط 1 عام 2004- مطابع الدوحة الحديثة

(30) الشعر الحديث في قطر تطوره واتجاهاته الفنية – عبد الله فرج - ص 169
(31)المصدر السابق - ص 64
(32) المصدر نفسه ص 91
(33) المصدر نفسه- ص 287
(34) المصدر نفسه ص 121- 129
(35 المصدر نفسه ص 316
(36) المصدر نفسه ص 381  
(37) المصدر نفسه ص 385
(38) المصدر نفسه ص 386
 (39) المصدر نفسه ص 390
(40) المصدرنفسه  ص378
(41) من التعدد الى الحياد( قراءة في نصوص شعرية جديدة ) امجد ريان
مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة ط 1 - عام 1997
(42) الأعمال الشعرية- مبارك بن سيف آل ثاني – المجلس الوطني  ط1 عام 2005 – مطابع الدوحة الحديثة– ص 66
(43)     ديوان ام الفواجع – علي ميرزا محمود – من إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث – ط1 2004- مطابع الدوحة الحديثة- ص 30 .                                       
(44)           الديوان السابق - ص 100-101
(45)الأعمال الشعرية الكاملة زكية مال الله الجزء الأول-من إصدارات المجلس الوطني – ط1-2005- مطابع الدوحة الحديثة ص 9
(46)المصدر السابق-  ص 115
(47)المصدر نفسه - ص 195
(48)المصدر نفسه - ص 335
(49)            باب جديد للدخول شعر سعاد الكواري – ط1 عام 2001-دار الشرق الدوحة – ص 32-33
(50) ديوان أماني في زمن الصمت –باللهجة العامية – علي ميرزا محمود ط1 عام 1980- مؤسسة العهد للصحافة والطباعة والنشر ص 5
(51) ديوان ( من أحلام اليقظة ) علي ميرزا محمود – ط1 عام 1982 – إصدار إدارة الثقافة والفنون- وزارة الإعلام ص 9
(52)المصدر السابق ص 89
(53) المصدر نفسه ص 85-87
(54) المصدر نفسه ص 112-113
 (55) دراسات في الشعر العربي المعاصر في الخليج – د محمد عبد الرحيم كافود – دار قطري بن الفجاءة – ط2 عام 1996 الدوحة ص 41   (56) المصدر السابق - ص 44
(57) المصدر نفسه - ص 45
(58) أشعار محمد بن خليفة العطية والمقتطفات من المقالات النقدية مأخوذة  من موقع الشاعر على الانترنت . وهناك أيضا إشارة الى كتاب بعنوان  «محمد بن خليفة العطية شاعراً وإنساناً» كتاب صدر سنة 2004 عن مؤسسة الرحاب الحديثة في بيروت، ويضم هذا الكتاب الذي اختار مقالاته ودراساته الشاعر حسن توفيق مجموعة مما كتبه الشعراء والنقاد العرب عن ديواني «مرآة الروح» و «ذاكرة بلا أبواب» وهم د. محمد عبد الرحيم كافود - د. سليم سعيد - خليل إبراهيم الفزيع - زهير غانم - عزة رشاد - شعبان يوسف - قاسم سعودي
 (59) المصدر نفسه
(60) سحابة صيف شتوية خالد عبيدان شعر – إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث - مطابع الدوحة الحديث- ط1 عام 2001 ص 129
( 61) ينظم الدكتور حجر احمد حجر (وهو طبيب جراح ووزير سابق للصحة) الشعر العامودي ويفضل الشكل التقليدي للتعبير في المناسبات العامة والخاصة ويقوم بتوصيف مباشر للأحداث بما أوتي من ثروة لغوية . يسمي قصائده أحيانا بحرف الروي فيها كما في الكتب التالية ويحرص على طباعتها -على نفقته -طباعة فاخرة في مجلدات ضافية :
*لامية الخليج ديوان حجر د حجر احمد حجر البنعلي
 الجزء الأول ط2 عام 2004 مطابع الدوحة الحديثة
*القصيدة الحجرية ديوان حجر الجزء الثاني د حجر احمد حجر البنعلي
ط1 عام 2004 توزيع دار الثقافة الدوحة
*حنين الى الخليج ديوان حجر د حجر احمد حجر البنعلي
الجزء الثالث ط1 عام 2005 مطابع الدوحة الحديثة
(62) شعرنا الحديث الى أين ؟ - د. غالي شكري - طبعة دار الشروق الأولى – 1991- القاهرة بيروت  ص 109 



ليست هناك تعليقات: