الجمعة، 5 نوفمبر 2010

مقدمة في القص القطري


نورة ال سعد 
استهلال
يتداخل النثري بالشعري أكثر فأكثر في الانتاج الادبي لكتاب المنطقة في الخليج والجزيرة ويصعب على النقاد تجنيس الاعمال الادبية في هذه المرحلة فهل الحزام لـ ( أحمد أبو دهمان) رواية ام سيرة ؟
 

 والنواخذة لـ ( فوزية الشويش) هل هي رواية ام سيناريو لعرض سينمائي أو ربما تمثيلي على الخشبة يشتمل على كافة الارشادات الحركية والحوارات اكثر من اشتماله على مكونات البناء الروائي السردي بل اننا نجد كاتب دراما ذا رصيد من التجارب في المسرح الواقعي يتحول الى المسرح التجريبي متخذا النثر الشعري وسيلة في دراما ساكنة لا تحركها الافكار ولا الاحداث وهو الكاتب حمد الرميحي  في مسرحية( القرن الاسود) ومسرحية( قصة حب بين طبل وطارة )ومسرحية ( ابو حيان التوحيدي ) فضلا عن عشرات الكتب التي تطرح نفسها باسم ( نصوص ) وهي مذبذبة بين النثر والشعر لا الى هذا ولا الى ذاك . ستجدون ان (الفردوس اليباب) لـليلى الجهني اقرب شيء الى القصيدة النثرية في شعريتها .
 يشهد العصر – بلا شك - تداخل الاجناس الادبية واشتباكها واشتراكها في خصائص ومشتركات ويروي ميشال بوتور بانه انقطع عن كتابة الشعر ليحتفظ للرواية بكل طاقته الشعرية . لقد أصبحت الرواية اذن نصا مترعا بالشعرية والتشظيات فضلا عن السيرة والانثروبولوجيا والفانتازيا والأحلام بالإضافة الى تفتيت الشخوص والأحداث وارتيادها المسالك المختلفة.
وأضحى بين الرواية والقصيدة من التجانس والتشابه والتقارب ما يجعل اندماجهما ممكنا حتى فيما يسمى اليوم قصيدة النثر ولذلك يصف جاكوبسن الحدود التي تفصل بين الشعر والنثر بانها قلقة ومراوغة.


مدخل

تكشف الحالة (السيرية) المسيطرة على المشهد الادبي في قطر عن نزعة نرجسية تتضح ملامحها في الانتاج الشعري الغنائي وكذلك الملامح الانوية في الانتاج القصي. لاجرم ان الشعر كان عاكسا لهذه الحالة السيرية فردية اكانت ام (أناوية جماعية) لان الشعر على الاخص يجسد هذه السيكولوجية من خلال معجمه وايقاعه ومضامينه واجوائه فقد كان الشعر تكريسا لها كما كان معبرا عنها .
اذا نظر المرء الى النخب الموجودة فانها تقدم في طرحها النظري وعيا  متقدما على انتاجها الادبي والفني ولذلك فقد كانت اطروحاتها محض تعبير عن رغبات وطموحات بيد ان النصوص المنتجة لم تفارق الافق المرتبك المحدود في رؤاه ومغامرته !
ربما غدت كثيرا من مثل هذه الجمل اشبه شيء ( بالأكليشيهات) المقبضة للنفس غير ان فيها توصيف دقيق لما يعيشه الشعر و النثر معا  
ان القارىء اليوم يدفع دفعا الى الاعتراف بجماليات مفترضة في نصوص لم يعد يستطيع الناقد تجنيسها فلا هي شعر ولا هي نثر !
فلم يعد الشعر يحقق مقررات النظرية البلاغية العربية من جهة ولا يستوفي شرطه الحداثي الغربي من جهة الاخرى انه بكلمة واحدة : مسخ !
حقا ينطوي النقد الادبي على تعددية الا انه مع ذلك مشروع فكري كما يقول ستيفن تولمن ( 1) له مقاييس وضوابط تنبثق من أحداثه فهو ليس حقل تفلت فوضوي حيث يجوز فيه كل شىء ولذلك فان الجزء الذي يستعصي على الاتساق يعد شذوذا لدى النقاد لانهم يلجأون – في نهاية المطاف- الى معيار الشمولية عند استحسان قراءة لما تتميز به من اتساع وعمق (2)
بيد أننا يجب أن نخرج – في مرحلة معينة - عن مسلمات الخطاب النقدي وان نعيد مراجعتها وفحصها لكيلا يتحول الخطاب الى قوالب متعالية نقرأ على ضوءها كل التجارب . تكتب الاقلام القطرية وتخط بمدادها اليوم في كل مرة سيرتها الذاتية استمرارا لحالة من الطوباوية الرومانسية التي تسجن الانا المبدعة وتقسرها على عبودية لم تشب عن طوقها نفسيا وفكريا انها مرحلة المراجعة والبحث والانتقام ورد الاعتبار.
ولست ألقي باللائمة – كلية – على المبدعين القطريين أولئك الذين اختزنوا في أسنمة افتراضية على ظهورهم وفي أعمارهم المضيعة أكداس الصبر والعلقم وعلائم الشيخوخة المبكرة وقد أظهروا والحق يقال ما شاء الله لهم  من صنوف التجمل والمصابرة والمكابرة . وقد استبطنوا كثيرا من التثمينات والاعتراضات على واقعهم ولكنهم أودعوها السرائر قسرا حتى أذن الله بزوال الأسباب والعقبات ولكنهم لم يزالوا يحملون على جلودهم وفي انتاجهم آثار سياط الأمس خطوطا غائرة من تفانين الصمت والتكبيل والإحباط ويسيرون طوعا في (مارش) العبيد الذي قطعوه فيما بين الستينيات وحتى اليوم .
نلمس ذلك في التوجد والانشطار في (تباريح النوارس) ومكابدتها لدى بشرى ناصر في نصها النثري لأنها لم تزل مسجونة داخل معاناة ثقافية ماضوية ونضال مؤطر بشقاء ثقافي محتقن لليسار العربي وبرجوازيته الصغيرة . إن معظم كتاب المرحلة فرسان يمتطون بغالا مهجنة ويمسكون بأدوات مؤدلجة تقليدية توشح بها القرن المنصرم في أذيال انسحابه الأبدي ! هاهو ذا الشاعر علي ميرزا محمود بعد (أمانيه في زمان الصمت) و( أحلامه في زمن اليقظة) يمضي في (فواجعه ) بنَفَس شعري واحد في قصائده الإنشادية الرخيمة التى تمتد كما هي مؤرخة في ديوانه (أم الفواجع)  منذ أواخر السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات مسكونة بأجواء نفسية وفكرية محكومة بأجواء اليأس والكارثية . لم يزل الشاعر علي ميرزا ينعى إلينا فلسطين المغتصبة ويندب حظ القومية العربية التي أعطتكم عمرها .
وفي مسرحية الدكتور احمد عبد الملك ( المعري يعود بصيرا ) نجد تلك اللوحات الانتقادية الحريفة وذلك التصوير الواقعي الأملس لمظاهر الغفلة والتضييع والفوضى في عالم السياسة ودنيا الثقافة وأحوال المجتمعات العربية عبر حوارات مباشرة وقفشات وكليشيهات معهودة وكأنما ضلت تلك المسرحية طريقها من زمن المسرح الواقعي الانعكاسي والخطاب المباشر في السبعينيات فعادت إلينا كما عاد المعري  .
لمن يكتب هؤلاء المبدعون ؟ ماذا اختزنوا من إحباط وتباريح وجلد للذات و(لطميات) موجعة  ؟ وكيف عبروا عنها ! ان القارئ ليستشعر حجم التجميد والتهميش الذي عانته تلك الأجيال من المبدعين المصلوبين على الواح في زمن غابر ارتحلت ظعائنه فمضى قطار اليسار  وانحسرت أمواج المد القومي وزال عرش الواقعية النقدية ولكن لم تزل  تتردد الأصداء حية باقية في أجواء أعمالهم وأدواتهم الفنية ورؤاهم! كأنما هو دين لابد أن يؤدى - بأثر رجعي - لزمن مضى وولى .


نشأة القصة القطرية
يرد د محمد عبد الرحيم كافود اولى المحاولات لكتابة القصة في قطر الى ريادة الاستاذ يوسف نعمة رئيس تحرير جريدة العروبة اول جريدة اهلية تصدر في البلاد في اواخر الستينيات حيث ظهرت مجموعته بنت الخليج عام 1962 ولقاء بيروت عام 1970 والولد الهايت عام 1971 بالرغم من ان الدكتور كافود يصفها بقوله ( يطغى عليها اسلوب الخطابية والاخبارية والحكاية .. وهي لا تعبر عن البيئة القطرية ) لان يوسف نعمة تأثر بالقصة العربية واستقى اجواءها واحداثها . (3) وقد تبعه في ذلك كل من د. حسن رشيد ود. مراد مبروك (4)
لابد ان ندرك بان الاصرار على الاشارة الى بدايات غاية في البساطة والسذاجة يأتي رغبة في ايجاد نقطة بداية متقدمة وواضحة في الزمن لظهور فن القصة في قطر لذلك يجري الحديث عن تلك المحاولات غير النضيجة ويشار اليها بالبنان بالرغم من ان ظهور تلك المجموعة لم يسجل نشأة القصة القصيرة في قطر بل كان بادرة الاحساس بفن جديد  وكان ظهور تلك (المجموعة) محض تعريف بهذا الجنس الادبي الجديد.
غير ان الدكتور كافود لا يبد مصرا على رايه ذاك حين يقول ( لعل اولى المحاولات لكتابة القصة في قطر كانت تلك المحاولات التي بداها يوسف نعمة .. حيث ظهرت قصة بنت الخليج ولم استطع الحصول عليها حتى ان الكاتب نفسه لا يمتلك نسخة منها ولكن يمكننا القول بان هذه القصة لا تخرج من حيث النضج والاكتمال عن القصص التي كتبها فيما بعد .. وهاتان المجموعتان عبارة عن مقالات خبرية او حكايات عادية يتسامر بها الناس ... اما المجموعة الثانية الولد الهايت فهي عبارة عن تمثيليات يستعرض  الكاتب  من خلالها مختلف اللهجات .. ونحن في حقيقة الامر لسنا مقتنعين بنسبة هذه المجموعة الى القصص بالمعنى الفني المعروف )(5)
  .ثم يقول الدكتور كافود ( ولعل اول قصة ظهرت وكانت بقلم كاتب قطري وتقترب الى حد ما من القصة القصيرة بعناها الفني الحديث هي قصة ( الحنين ) التي كتبها الاستاذ ابراهيم صقر المريخي ونشرتها مجلة العروبة في العدد الخامس والخمسين ) بتاريخ 18 من فبراير عام 1971 . (  6)
ذلك الحرص على تكلف اكتشاف البدايات المبكرة للفنون والاداب او تأصيلها قد حمل الإذاعي حسان عطوان في كتاب له بعنوان الحياة المسرحية الى الادعاء بان الاحتفالات الشعبية ومجالس فن الصوت تعتبر من الظواهر شبه المسرحية بل وصفها عطوان بانها بدايات مبتورة وغير ناضجة لفن المسرح في قطر(!!)
 ورد عليه د حسن رشيد عليه  بان في ذلك مخالفة لواقع الحال وجوهر الدراما معا وهو تكلف لا يقره المنطق ولا يصدّقه دليل (7)

تفتحت مشاعر البلاد في أوائل الستينيات- في خضم الزلزال القومي وتوابعه- على اشكال شتى من التعبير والتوجه الفكري غير ان قطر خلافا لسواها من دول الخليج تخلفت عن اللحاق السريع بالركب بسبب تخلف السلطات آنذاك ورجعيتها إذ أهملت إنشاء التعليم النظامي وعرقلت نمو النوادي الرياضية وفتح المكتبات وحظرت قيام جمعيات فاعلة او استمرارها بل لم تعرف البلاد وسائط ثقافية او وسائل اعلامية حتى اوائل العقد السبعيني حيث انشئت اول صحيفة وكل ذلك نال من عزائم الاجيال المتعاقبة من الطبقة الوسطى من الشرائح الاجتماعية التجارية في الخمسينيات والستينيات  .
نخلص الى القول بان وراء تأخر ظهور الفن القصصي في قطر انسحاق  المجتمع المدني بكل اركانه ومؤسساته وشرائحه الفاعلة ومطالبها وهمومها . لقد دخلت غمار المحاولات القصية في السبعينيات ثلة من الاقلام انتهجت الاسلوب الفوتوغرافي  الذي يتخلله الكثير من الوعظ والتوجيه المباشر ولكنها تمثل مرحلة مهمة تاريخيا في مسيرة القصة في قطر من فرسانها ابراهيم صقر المريخي وعبدالله الحسيني وكلثم جبر وبهية يوسف المالكي و احمد عبد الملك وخليفة عيد الكبيسي  وابراهيم السادة وعبد العزيز السادة ومي سالم .
 الا انه يمكننا القول بإن أظهر تحقق للقصة القصيرة القطرية كان في بروز الكاتبة كلثم جبر باسلوبها الرومانسي وامانيها المغلولة وبحثها عن الذات. وقد اتجهت القاصة الى نشر انتاجها في الصحيفة المحلية منذ اوائل السبعينيات وتوجت جهدها بظهور مجموعة قصصية في عام 1978 بعنوان ( انت وغابة الصمت والتردد ) عبرت مجموعة الكاتبة كلثم جبر عن هموم جيل وأرخت لانطلاقة حقيقية للقصة القصيرة وعبرت عن ملامح مرحلة كابية ومسطحة بعينها لم تتميز برغم كثرة الاسماء بثراء مكافىء في التجارب القصصية .
أطلق العقد الثمانيني في بواكيره عدة أصوات في الوقت نفسه وكلهن من النساء (أم أكثم (سارة ) و لولوة المسند وحصة الجابر ومايسة الخليفي ) ساهمت هذه الأسماء في التهيئة والترسيخ لاستنبات هذا الجنس الأدبي بوصفه التعبير الأمثل والأوحد عن هموم اجتماعية وسياسية في ظل ظروف متفاقمة السوء والتخلف .
يطرح الكتاب القطريون في الوقت الراهن مجموعات قصصية كثيرة ومتقاربة الطرح والمستوى غير ان بعضها لم يكن يجدر بصاحبها ان ينشرها في اصدار مطبوع لولا طموح البعض ورغبته في تسجيل وجوده من جهة وسهولة الامر وتيسره – ماليا- بعد انشاء ادارة الثقافة والفنون ثم قيام المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث الذي كان مظلة لعدد من الكتاب الذي استفادوا بوجه خاص من الدعم المالي.
ان النظر في مكونات البناء الفني لقصص المجموعات القصصية لجملة من القصاصين القطريين من الجنسين من حيث رسم الشخصيات ومعالجة المواقف واختيار الحدث واسلوب التصوير والتحوير بالاضافة الى القدرات الفنية والبراعة في السرد والوصف والتصوير تعطينا ملحا هاما عن مجمل التجربة القصية في قطر خلال تشكلها في العقدين الماضيين.
ويختلف القصاصون القطريون بطبيعة الحال في قدراتهم الفنية في السرد والتصوير والوصف وفي رسم الشخصيات واختيار الحدث تبعا للموهبة و نضج التجربة القصصية عموما . وتعبر هذه المجاميع القصصية في مجملها عن الانشغال بالفردي في بعده الانساني .
لم اقع الا على اصدار وحيد لظافر الهاجري هو شبابيك المدينة وقد صدر عام 2003 وكذلك هناك اصدار وحيد كذلك لصيتة العذبة بعنوان ( النوافذ السبع ) صدر في عام 2003 وكلاهما من اصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون في دولة قطر .
وهناك ثلاث مجموعات لجمال فايز ومجموعة قصصية لحسن رشيد  . وتستوقفنا مجموعة قصصية بعنوان (بداية أخرى ) للقاصة فاطمة الكواري التي تحمل بلا شك نفسا قصصيا ملحوظا.(8)
أما محسن فهد الهاجري فهو كاتب رومانسي في طرحه واسلوبه ومعالجته واختياره لموضوعاته لاسيما خواتيمها وقد اصدر ثلاث مجموعات قصصية  متوالية الاولى بعنوان البلاغ في عام 1996 والثانية ( بنات ابليس ) في عام 1997 والثالثة حرام عليك في عام 1998 . وكان الكاتب قد اعلن عزمه منذ عام 1998 على اخراج اصدار قادم بعنوان بيت الحريم وصفه بانه قصة طويلة ولكنها لم تصدر بعد . (9)
ولعل الهاجري ثابر على طباعة محاولاته نظرا لما حظيت به مجموعته الاولى من تشجيع ودعم وافرين قلّ ان يلقاهما صاحب مجموعة عادية فقد قدّم لمجموعته البلاغ خمسة من السادة هم : الدكتور محمد عبد الرحيم كافود والدكتور حسام الخطيب والدكتور مراد مبروك  والشاعر محمد قطبة والاعلامي عبد الله العمادي .
نلمس في مجموعة الدكتور احمد عبد الملك (الغرفة 405 ) (10) النسيج القصصي وامتلاك ناصية التصوير الفني للمشهد والاهتمام بالتحوير . نجد الواقعية في التقاط الملامح الاساسية لتشابك العلاقات وتعقدها وكذلك الواقعية في التعاطي مع المشكلات الاجتماعية  يعالج الكاتب في مجموعته العلاقة بين المراة والرجل (غالبا في الاطار الزوجي) باسلوب شيق يعتمد على التصوير والقص والتشويق
اولع الكاتب الدكتور احمد عبد الملك في أعماله عموما وفي مجموعتيه ( الغرفة 405  ) و(أوراق نسائية ) (11)  بصورة خاصة بطرح القضايا الاجتماعية وتصوير الهموم الانسانية . يلتقط احمد عبد الملك العلاقة بين المرأة الرجل ويسقط عليها ظلال الاوضاع الاجتماعية القاتمة بخبرة ومراس ادبيين بينما يهتم الهاجري بالطابع الانساني في المواقف والعلاقات غير المتكافئة وينشغل جمال فايز بالنقلة المؤلمة من العالم القديم  الى التغيرات المادية التي اودت بمثالية متوهمة .
لقد استأثر الواقع الاجتماعي  بمساحة واسعة من فضاء القصص بين الانعكاس المباشر للواقع في اسلوب مقالي وبين نصوص محلقة بلا اجنحة في فضاء التجريب كما هو الحال عند صيتة العذبة مثلا حيث التجريب شطحات تبدد النص تبديدا فكأنما هو لطخات مداد عشوائية على صفحات بيضاء
لقد تمطت تلك التجارب القصصية على افق عائم على مدى عقود اربعة من السبعينيات وحتى الآن حيث افراد يعيشون مازقا نفسيا وعاطفيا وفكريا حادا بسبب الجدر السميكة التي تحجب السماء والشمس وتحول بينهم وبين تحقيق الاحلام الفردية والاجتماعية . يتردد ذلك الرسيس الناعم للعبودية تحت نير الأغلال في تضاعيف القصص القصيرة على مدى العقود الاخيرة ويتبدى في موضوعات وثيمات مكرورة كالعلاقات العاطفية والتفكك الاسري والعنف وانسحاق انسان النفسي أمام العادات والتقاليد التي تتوارى وراءها القيود السياسية وتمثل الادانة المباشرة لهذا المجتمع الابوي بكل تخلفه ورموزه السلطوية .
لم تستطع القصة القصيرة القطرية تجاوز هذا الواقع الساجي وانحصرت معالجاتها السردية في تصوير العذابات والتقهقر النفسي من خلال تحوير عادي غير قادر على البوح وتصوير غامق للشخصية المكروبة وفي ذبول علاقات الحب والزواج أوفشلها التام .
وبقطع النظر عما اراد القصاصون التعبير عنه من موضوعات فان تباين المستوى الفني في مجموعاتهم بين قصة واخرى يكشف عن خلل غير خاف و يعد مؤشرا على عجلة بعض القصاصين في نشر محاولاتهم القصصية في مجموعات مطبوعة قبل ان تتبلور تجربتهم وتنضج رؤاهم .تأتي مجموعات قصصية ثلاث بوصفها علامات على الطريق تحمل تجليات فنية ورؤى حية وصدقا فنيا وهي مجموعة هدى النعيمي( أباطيل)  ومجموعة (الطوطم) لنورة محمد فرج ومجموعة (أنا الياسمينة البيضاء ) لدلال خليفة(بحسب ترتيب صدورها )(12) وتشترك هذه المجموعات الثلاث بنضج فني واضح ولعل من أهم ملامحها اعلائها لجوهر الفن القصصي الحكائي.
يذكر ميلان كونديرا بان أهم قضية أثارتها الحداثة الأوروبية في أوربا هي قضية ضياع فن الحكاية ذلك الفن الذي كان ملازما لسيطرة الرؤية الدينية والاسطورية على المخيلة العامة بحسب تقدير كونديرا الذي يستطرد بأنه حينما هجرت الرؤية الدينية مكانتها ( في الغرب ) وهي التي كانت توجه العالم ونظامه القيمي بين الخير والشر والصراع بينهما تفتت الحقيقية الالهية الى مئات الحقائق النسبية التي سرعان ما تنازعتها افكار البشر ومصالحهم وقد نشأت الرواية الجديدة في الازمنة الحديثة ووهت الصلة بين الراوي وجمهوره ولم تعد الكتابة موجهه الى قراءة جماعية كما كانت عليه الحال في ازمان الاداب الشفهية. لقد نشأت الفردية سواء في الكتابة ام في عملية التلقي . (13)
بيد أن القصة العربية لم تفقد عادة القص بل تعلقت بالتراث السردي والحكائي في بنيتها الواقعية والفانتازية والتجريبية بكل مكوناتها (الوصف والتحوير والشخصية والحبكة لاسيما الرواية على لسان راو) لان القاص والروائي العربي ظل يدين لشرعة الحكم الاخلاقي المطلق في نظرته الى العالم والى الصراع في ثنايا الحكاية . لم تزل القصة والرواية تقفان في وسط ميتافيزيقي وقبلهما كان الشعر عند العرب يعبر عن منظور ميتافيزيقي لفكرة الديمومة الزمنية من خلال الذاكرة الشعرية والظواهر الرئيسة وموقف الشعر العامودي التقليدي ثابت فيما يخص التماهي مع الضوابط الاخلاقية والدينية والقيم المعنوية والتصويرية والايقاعية . اذا كانت هيمنة النظم الشمولية  في المناخات العربية قد القت بكلكها على الرواية العربية فإنها قد انعشت الشعر العامودي بالذات لانه المعبر عن الانضباط والخضوع للمبادىء الكلية والجماعية.
لقد راحت القصة القطرية تجتهد في تفسير الاشياء وفق خبرتها ومقاييسها بينما تراجع ميلها نحو المحاكاة والاستنساخ، ووقعت على طريقها نحو التجريب والاستكشاف  ولم يعد هناك ذلك الاثر وتلك الظلال الثقيلة لملامح  النقد الاجتماعي في الفضاء القصي ، خارج الاطر الفنية والتي كانت تجعل من النص انعكاسا مباشرا ومرآويا للواقع .

لقد كان سؤال التجريب منذ البداية هو السؤال المركزي الذي حاولت من خلاله القصة العربية الخروج على تقليديتها عبر تحطيم الزمن (وهي النتيجة الأكثر وضوحا للانتقاص من الحاضر والماضي معا ) وتمييع الحدث او تحييده والاستغناء عن الشخصية بالراوي والابتداع واطلاق المخيلة واستثمار التراث السردي الرسمي والشعبي الشفوي والمكتوب والكتابة بلغة شعرية أوتهجين السرد بلغات مختلفة
لقد كان للتجريب اثر جلي في تمكين القصة القصيرة القطرية في هذه المجموعات الثلاث من ايجاد موقف على مستوى الابداع وفق المستوى الثقافي والرؤية الفنية، والأدوات والتجربة الخاصة لكل كاتبة من المبدعات الثلاث.
 
الهوامش
(1) الصوت والصدى – د. عبد الواحد لؤلؤة (دراسات ومترجمات نقدية ) المؤسسة العربية – ط1 عام 2005 - ص  232
(2) المصدر السابق  – ص 232
(3) انظر (القصة القصيرة القطرية النشأة والتطور )– د. محمد عبد الرحيم كافود – ط1 - عام 1996 – دار قطري بن الفجاءة – الدوحة- ص9
 (4) انظر (جدلية العجز والفعل في القصة القصيرة في قطر) – حسن رشيد ود مراد مبروك إصدارات المجلس  مطابع رينودا الحديثة – ط1 - 1999 ص 17 – 18
وانظر ايضا ( أصوات من القصة القصيرة في قطر) – حسن رشيد – يناير ط1 2000-اصدرات المجلس ص 7
 (5) الادب القطري الحديث – محمد عبد الرحيم كافود – دار قطري بن الفجاءة – الدوحة - ط2 عام 1982- ص128
(6) المصدر السابق - ص 128
( 7) القضايا الاجتماعية في الدراما القطرية( 1970- 1987) دراسة تحليلية  – حسن رشيد – ط1 1977 مطابع وزارة التربية والتعليم – الدوحة ص 12
 (8 ) المجموعات القصصية هي :
الحضن البارد  – حسن رشيد – اصدرات المجلس الوطني للثقافة ط1 2001 – مطابع الدوحة الحديثة
الرحيل والميلاد  – جمال فايز – اصدرات المجلس الوطني للثقافة  ط1 عام 2003 – مطابع قطر الوطنية
شبابيك المدينة - ظافر الهرمسي الهاجري – اصدار المجلس الوطني للثقافة  ط1 عام 2003 مطابع علي بن علي – الدوحة
النوافذ السبع- صيتة العذبة- اصدار المجلس الوطني للثقافة - ط1 2003 مطابع قطر الوطنية
بداية اخرى- فاطمة الكواري – ط1 عام 2000 اصدار المجلس الوطني للثقافة  – مطابع الدوحة الحديثة اشياء خاصة جدا امينة العمادي قصص ط1 عام 2003 مركز الحضارة العربية القاهرة
نساء لا يعرفن البكاء قصص- امينة العمادي- ط1 -عام 2000 -دار العلوم الدوحة
وجوه خلف اشرعة الزمن -قصص -حصة العوضي -من اصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث- ط1 -عام 2001 مطابع علي بن علي .
وجوه متشابهة -قصص - خليفة عبد الله الهزاع- ط1 -عام 2006 من اصدارات المجلس الوطني – مطابع علي بن علي
 (9) البلاغ - محسن الهاجري - ط1 1996 مطابع دار الشرق الدوحة
بنات ابليس  - محسن الهاجري  - دار اسامة للنشر والتوزيع -الاردن ط1 1997
حرام عليك   - محسن الهاجري-  دار الشرق - الدوحة ط1 1998
( 10 ) الغرفة 405- مجموعة قصصية – احمد عبد الملك – 1997- الرياض
(11) اوراق نسائية -قصص قصيرة- د  احمد عبد الملك- من اصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث - ط1 عام 2001   
 ( 12) المجموعات الثلاث هي :
 أباطيل-مجموعة قصصية – د هدى النعيمي - الدار المصرية اللبنانية القاهرة ط1 2001
الطوطم-مجموعة قصصية -  نورة محمد فرج دار الكنوز الادبية ط1 بيروت عام 2001
انا الياسمينة البيضاء – مجموعة قصصية - دلال خليفة – دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع – الدوحة ط1 عام 2002
(13) فصول مجلة النقد الادبي – العدد 66 - ربيع 2005
الهيئة المصرية العامة للكتاب – ص 108












ليست هناك تعليقات: