السبت، 18 أكتوبر 2025

الرواية القطرية بقلم : هلا العلي

 


الرواية القطرية بين الموروث والحداثة: رؤية نورة آل سعد النقدية

في كتابها (الثالوث في الرواية القطرية: الدين والمرأة والظلم الاجتماعي، تحليل لبنية الخطاب)، قدمت الكاتبة والباحثة نورة آل سعد دراسة نقدية معمقة تعد أول جهد أكاديمي تناول الرواية القطرية بقراءة تحليلية شاملة، تتبعت فيها الخطاب السردي في أبعاده الفكرية والاجتماعية.

هدف هذا العمل، الذي استغرق سنة من البحث، هو تفكيك المكونات التي شكلت الوعي الروائي في قطر لدى الكتاب القطريين من النساء والرجال، واستكشاف مدى قدرتهم على أداء الدور الثقافي المنوط بالأدب في إصلاح المجتمع وشأنه شأن أي أدب يسعى إلى إعادة تشكيل الواقع بما ينسجم مع متطلبات النفس البشرية.

وقد أسهبت آل سعد، من خلال الاستشهاد بنصوص من الروايات والقصص، في تناول قضايا رئيسية من زوايا متعددة، مثل صورة المرأة في أدب المرأة، وصورتها في أدب الرجل، وصورة الرجل في أدب المرأة، إلى جانب تفاعل هذه الصور مع القيم الدينية والنظام الاجتماعي بوصفهما ركائز أساسية في بناء الخطاب الروائي المحلي.

واستهلت نورة آل سعد الكتاب بالتعريف بشخصية روائية فذة امتلكت أدوات العمل الروائي وملكة الإبداع السردي، وهي الكاتبة شعاع خليفة، التي رأت فيها موهبة متفردة على مستوى الرواية القطرية، وعدت توقفها عن الكتابة خسارة كبيرة نتيجة شعور شعاع بفقدان الجدوى من الأدب ضمن منظومة مغلقة من الأحكام تكبل الكاتب في مجتمع لم يستشعر بعد حاجته إلى وجود الأدباء أصلا.

ورأت الباحثة أن الرواية القطرية، بوجه عام، تدور حول الصراع الداخلي للذات، والبحث عن الحرية والهوية، ومحاولة التوفيق بين الموروث الاجتماعي ومتطلبات الحداثة. وبعمق ونظرة ثاقبة، كشفت نورة آل سعد عن الرؤية الدينية في النصوص الروائية بوصفها أداة اجتماعية لتنظيم العلاقات وفرض القيم، وأحيانا كوسيلة للهيمنة الرمزية، ضمن ثلاثية الدين والمرأة والظلم الاجتماعي. وأشارت إلى أن الخطاب الروائي عكس انقساما طبقيا وأخلاقيا، حيث اختزل المرأة في أدوار نمطية، رغم وجود محاولات نسائية جريئة لإعادة صياغة صورتها وإزاحتها من الهامش إلى المركز.


وانتقدت نورة آل سعد محدودية التجريب الفني في السرد القطري الذي غلب عليه الطابع التقريري والمباشر، مما جعله أسيرا للموروث الثقافي المحافظ. ورأت أن الرواية القطرية ما زالت تتأرجح بين الماضي والحداثة، إذ استحضرت الماضي كملاذ، وفي الوقت نفسه فضحت تناقضاته، لكن لم تستطع تجاوزه بل أعادت إنتاج القيم ذاتها في أشكال جديدة، وكأن الرواية القطرية تورطت في محاولة نسب التجديد إلى نفسها، لكنها وقعت في فخ الادعاء والمزيد من التناقض.

وفي خلاصة رؤيتها، أكدت آل سعد أن الرواية القطرية ما زالت في طور البحث عن صوتها المستقل، داعية إلى تجاوز الخطاب التقليدي والانفتاح على قضايا الإنسان في الحرية والمساواة.

ولـ نورة آل سعد ثمانية أعمال أدبية ونقدية، ثلاث مجموعات قصصية ورواية واحدة وأربع دراسات نقدية، تمثل في مجموعها رصيدا غنيا في المشهد الثقافي، وتعد أعمالها بحق رائدة، ولا سيما في روايتها «العريضة» التي تناولت التحولات التاريخية التي مرت بها قطر والتحديات التي رافقت كل مرحلة.

انحازت نورة آل سعد في إنتاجها الأدبي، بصدق ووعي تام إلى القيم الإنسانية الكبرى كالعدالة والمساواة والحرية، وناقشت مفهوم الحب من زاوية فلسفية تدعو إلى فهم الذات واكتشاف المعنى الحقيقي في خضم التجربة الوجودية.

ختاما، قدمت آل سعد نقدا أكاديميا لأدب زملائها من المبدعين القطريين، قد يراه البعض لاذعا أو قاسيا، لكنه في جوهره قول للحقائق الموثقة بالأدلة، بعيدا عن أي تزييف أو تجميل. ولعل هذا الكتاب يشكل حافزا لنقد أعمال نورة آل سعد نفسها كما يؤمل، وأن يكون بداية لتطوير الرواية القطرية وتعزيز تأثيرها، لتخرج من قوقعتها المحلية نحو آفاق العالمية، وتنال استحقاقها الحضاري بوصفها قادرة على الإسهام في ترسيخ القيم الإنسانية أمام طغيان المادة.

هلا العلي

 محامية وحقوقية


المصدر : صفحة السيدة هلا العلي في الفيسبوك










ليست هناك تعليقات: