![]() |
حدثينا عن طفولتك
والمنزل الاول والنشأة الأولى وكل ما ساهم في تشكيل الشخصية الأدبية المبدعة
للكاتبة نورة آل سعد؟
في الواقع، على عادة أهل قطر في العهد
الأول، تنقلنا كأسرة تشبه أكثر الأسر، بين "الفرجان" كثيرا وأعتقد بأن أمي
حبلت بي في الوكرة وولدت في الدوحة وتنقلنا بين المرقاب والرفاع وأم غويلينة والسلطة
والهتمي ومدينة خليفة. وقد أحببت القراءة منذ صغري ووجدت في الكتب عوالم ملأتني
وأشبعت فضولي، وكنت محظوظة لأنني انتفعت آنذاك بمكتبة شقيقتي مريم آل سعد، وكانت تضم
مجموعة من أعظم المؤلفات وأمتعها من الروايات العالمية الكلاسيكية والأدب الروسي فكنت
أشبع نهمي منها.
وقد تأثرت في محيطي بشخصية أمي -رحمها
الله- التي كانت راوية و حكاءة عظيمة وذات حافظة قوية فكانت تنشد الشعر وتقص الحزاوي
وتحب قص الأخبار وسرد الذكريات ببراعة متناهية. وكانت تحدثنا صغارا ونحن نأكل وقبل
النوم وهي تمشط شعري وهي تشرب الشاي وفي كل وقت أتذكره. وكانت رحمها الله تدمن
الاستماع إلى المذياع وتقص علينا عندما نعود من المدرسة ما سمعته وكان لأحاديثها وحكاياتها
أبلغ الأثر على مخيلتي. وأشعر اليوم بالندم لأنني لم أتفطن الى أهمية تدوين وتسجيل
تلك الثروة من الحكايات و الحزاوي والقصائد التي كانت تنشدها.
ماذا تعني لكِ القصّة
وأيهما أقرب الى قلبك القصة أم الرواية ؟
افتننت منذ البداية بالقص والسرد. وفي
الواقع فان وجود الانسان نفسه يبدأ بقصة. وقد كانت بدايتي هي القصة القصيرة
ونُشرت أولى قصصي في جريدة الراية في صفحة الأستاذ حسن توفيق -رحمه الله- وكان ذلك
في 1980 ولم أتوقف منذئذ عن الكتابة والنشر،
وكانت أولى اصداراتي مجموعة قصصية هي (بائع الجرائد ) وقد كتبت النوفيلا وهي الرواية
القصيرة الا انني لم أنتج غير محاولة روائية واحدة هي (العريضة ) والتي كان لها في
الواقع صدى في أوساط القراء.
لماذا يتجه الكاتب اليوم
إلى الرواية بالتحديد؟
من المؤسف أن الرواية اليوم أصبحت مجالا يدخله كل من هب ودب وقد لعبت دور النشر المحلية والخليجية دورًا في
تسهيل صدور نصوص ضعيفة، مما عزز انخفاض مستوى المعايير الأدبية.
وأعتقد جازمة بأن كثيرا من الكتاب
والكاتبات اليوم لم يكونوا ليقحموا أنفسهم في غمار اصدار أعمال يسمونها "روايات"
الا بسبب تحفيز الجوائز ولكنهم في الحقيقة لا يقدمون أية نصوص تستحق الذكر أو
النقاش.
ولابد ان أنوه هنا بأن هناك عشرات
من( الكم ) الذي لا يعتني بالكيف ! وهناك انهمار غزير من الإصدارات التي تتجاوز في
مجموعها( 200) عمل لا أعدها شخصيا روايات ولا نصوصا معتبرة. وفي دراستي عن الرواية
القطرية لم أناقش أو اتناول جميع تلك "الإصدارات" ففيها ما سمي بالرواية
الشعرية وفيها ما سمي برواية السيناريو فضلا عن رواية الجن والفنتازيا والخوارق وهناك
نص مثلا كتب باللهجة العامية السوقية سردا وحوارا وهو- من وجهة نظري- غثاثة لا غير
.
لقد اجتذبت الرواية الكثير من المتطفلين
لاعتقادهم بأن الرواية جنس أدبي اعتباطي وسهل ويجلب الأضواء والجوائز لذلك فهناك "روايات"
أكثر من اللازم وهناك" كتاب" أكثر مما ينبغي .
الأديبة نورة آل سعد
أبدعت في شتى ألوان الأدب من النقد الى القصة الى الرواية الى المقال كيف توفّقين
بين كل هذه الأنواع من الكتابة؟
أشكرك جدا وأرجو أن أكون قد أبدعت بالفعل
وأمتعت القراء وقدمت ما يثري المكتبة المحلية وينفع الباحثين في أوراقهم ودراساتهم
. وكما تلاحظين فان كل تلك الأنواع متشابكة ومتعاضدة مع بعضها البعض. وقد اهتممت
فعلا بالمقال الصحفي وكان لي عمود أسبوعي ويومي أيضا ونشرت لي مقالات نقدية في
دوريات أدبية مرموقة كما كنت نشطة في تقديم مساهمات اجتماعية في مدونات الكترونية.
بالتأكيد حققت كتاباتك
واصداراتك تفاعلاً كبيراً في الساحة الثقافية العربية لكن حدثينا عن اصداراتك منذ
أول اصدار الى آخر اصدار برؤيتك انتِ كصاحبة هذه الأعمال ماهي الرسالة التي
توجهينها في هذه الأعمال؟
هي ثمانية إصدارات. كان أولها (بائع الجرائد) وهي مجموعة قصصية صدرت 1989 ولامست
معاناة فئات مهمشة وفقيرة وتضمنت طرح أسئلة ذات طابع وجودي. ثم صدرت (تجريبية عبد
الرحمن منيف في مدن الملح ) في عام 2005 وهي عبارة عن دراسة نقدية كانت في الواقع
اطروحتي للماجستير من الجامعة الأردنية لعام 1992. وتناولت إشكالية خلق شكل جديد
في الرواية العربية الأمر الذي يعد طموحا لم تزل معظم المحاولات الروائية تسعى الى
تحقيقه بطرائق شتى .
وصدرت (أصوات الصمت ) وهي مقالات في
القصة والرواية القطرية في عام 2005 . حيث سعيت الى الكشف عن خبايا النصوص القطرية
بأدوات تحليلية من مناهج نقدية حديثة.
وتبع ذلك اصدار بعنوان ( الشمس في
اثري ) مقالات في الشعر والنقد صدرت عام 2007 وتضمن مقالات عديدة ناقشت مسائل من
أهمها التحول في الفكر الحداثي في قطر وقصائد النثر عند الشعراء القطريين والجنوسة
في الخليج .
ثم صدرت رواية (العريضة ) في عام
2010 ونالت قسطا وافرا من اهتمام القراء وبعض الباحثين. وفي عام 2013 صدرت
(بارانويا ) المجموعة القصصية الثانية وتضمنت قصصا أقرب الى النوفيلا (الرواية
القصيرة ) وهي في الحقيقة قصص مقربة الى قلبي وتقدم مشروعا متماسكا لدراما
تلفزيونية محلية فيما لو عاد الإنتاج التلفزيوني القطري يوما الى سابق عهده .
وصدرت مجموعتي القصصية الثالثة (سموم
الذاكرة ) وقد تضمنت عشر قصص كتبت في عام 2014 الا انه لم يواتني العزم على جمعها في كتاب الا في
عام 2024 . وفي
ثنايا القصص تبدو الذاكرة مسارات وخيارات فالذاكرة ليست هي الاحداث كما وقعت بل هي
جملة مشاعرنا ومخاوفنا ومواقفنا وما نبنيه من حكايات عن ذواتنا وعن الاخرين.
والذاكرة هي ما نحرص على نسيانه وما ننجح في
تذكره بالصورة التي تناسبنا .
أما آخر مؤلفاتي فهي دراسة حول
الرواية القطرية بعنوان ( الثالوث في الرواية القطرية : الدين والمرأة والظلم
الاجتماعي ) صدرت في عام 2025
في عصر التطور الرقمي
كيف تتعاملين ككاتبة مع العالم الافتراضي او الرقمي؟
لقد تداخلت الفضاءات حاليا حتى
أصبحت العوالم الافتراضية هي " واقعنا " الراهن . أتعامل دائما مع جديد
التقنيات والاتصالات والذكاء الاصطناعي باحتفاء ورغبة في التجريب . وأحب أن أتفاعل
معه وأن أستغل أفضل ما فيه وأدرسه وأفهمه كظاهرة لها تأثيرها البالغ على حياتنا.
وفيما يخص العالم الافتراضي الالكتروني فقد كنت ناشطة في المنتديات وأخص منتدى
الأسهم القطرية وأدرت موقعا اخباريا اسمه (إخبارية قطر ) وأنشأت مدونة شخصية
ومدونات أخرى منها مدونة (القصة والرواية القطرية).
في كتابك الثالوث في
الرواية القطرية.. الدين والمرأة والظلم الاجتماعي.. تحليل بنية الخطاب. وثقتي
سيرة أدبية قطرية من خلال جمع الأعمال الأدبية القطرية بشكل مميز والقاء الضوء
عليها ودراستها عبر رؤى ومضامين عديدة ومن وجهة نظري الشخصية أرى في هذا العمل
مرجعاً للأدب القصصي والروائي القطري.. أما الزوايا التي تناولتيها لهذه الأعمال
في كتابك فهي دقيقة وعميقة جدا وانت افضل من يحدثنا عنها.. هل لكِ أن تشرحي لنا
ذلك ،؟
بداية هناك مشروع كبير في ضميري وفي أفق
طموح الباحثين وهو السعي الى تأسيس معرفي لتجاربنا الذاتية ، مستوحاة من قراءات
مستنيرة لمدونات أصيلة تعتبر من مصادر النفس ،ومن داخل الوضعية الروحية التي تخصنا،
وبأدوات التفكير التي بحوزتنا، والتي نتشارك بها مع سائر الثقافات والأمم ، لكي
نستغل الريبة الوجودية مما يحيطنا ويحاصرنا ، ولا نخضع لعقلية المؤامرة والتجمد
والتثبيت.
وفي كتابي ذهبت الى أن الرواية
القطرية تدور حول محورية ثلاثية: الدين والمرأة والظلم الاجتماعي. وتتنوع ثيمات
النصوص الروائية حول الصراع الداخلي، والبحث عن المعنى الحقيقي للحياة من خلال
الدين، والمصالحة مع المجتمع، كوسيلة للتغلب على الأزمات الشخصية والمجتمعية وتسلط
النصوص الاضواء على قضايا الهوية والانتماء، مما يجعلها في نهاية المطاف، تكشف عن مقاومة
الافراد ، للتحولات والتغيير الاجتماعي باعتبارها " حداثة " دخيلة وغير
مفهومة .
لقد سعيت في هذه الدراسة الى مقاربة تحليلية
لخطاب النصوص من خلال بنية النصوص و بنية المجتمع ذاته وظروفه وهي مقاربة ما بعد تفكيكية
وما بعد تأويلية (لغويا ونفسيا واجتماعيا) في ضوء مناهج ما بعد الحداثة. وقد توسلت
تفكيكية دريدا وحفريات فوكو وتأويلية غادامير لكي أكشف عن الأجزاء المخفية
والمطموسة والمردومة في الخطابات لتعريتها وتفكيك بنيتها.
والكتاب دراسة نقدية في سياق الثقافة
السردية القطرية وينتمي إلى ميدان الدراسات الثقافية، التي تعتني بتحليل التحولات الاجتماعية،
واستكشاف الخطابات المضمرَة والمعلنة في النصوص، بغض النظر عما إذا كانت هذه النصوص
أدبية بالمعنى الدقيق أم لا.
لذلك فإن هذه الدراسة طرحت أسئلة أساسية
تتناول الظاهرة السردية في قطر مثل لماذا تستحوذ النساء على مساحة أكبر من السرد ؟
ولماذا انفصلت أغلب النصوص الروائية عن
الواقع المحلي، في الزمان والمكان؟ وما سبب التدافع على كتابة الرواية حاليا؟ وما أهمية
التوثيق في النصوص الروائية؟ وقد كان السؤال الأهم هو ما هي الثيمات الرئيسة وما التابوهات (المحرمات)
التي تعاملت معها الرواية القطرية؟
وقد اشتمل فهرس الكتاب على عشرة فصول
تناولت أولا ريادة الكاتبة شعاع خليفة روائياً وثانيا: تجربة د. أحمد عبد الملك الروائية
وثالثا: المرأة في نصوص المرأة ورابعا: جنسانية المرأة في النصوص وخامسا: البنية اللغوية
والسردية وسادسا: صورة الدين في النصوص وسابعا: الظلم الاجتماعي في النصوص وثامنا:
الموقف من الحداثة وتاسعا: النصوص والتوثيق وعاشرا: تقاطعات النصوص الروائية. وتوجت
الدراسة بخاتمة مهمة واستنتاجية .
ماهو القادم بالنسبة لكِ
في عالم الأدب والى ماذا تطمحين خاصة وأنك قطعت مشواراً رائعاً من العطاء ولازلت
متألقة بقلمك المبدع حيث انك انفردت بأسلوبك وابداعك ولك تاريخ مشرق وبصمة ميّزت
قلمك عن بقية الأقلام ؟
أشكرك على ثنائك وكلماتك المشجعة وبطبيعة الحال فانه يهمني جدا ألا أكرر
نفسي وألا أبقى في المربع نفسه وأن أقدم إصدارا ماتعا ومميزا في كل مرة والحقيقة أنه لدي حاليا فكرة تعتبر
نواة لكتاب ومازلت أعمل فيه التفكير والنظر لذلك أفضل عدم الالماح والا الإفصاح
عنه حتى يختمر ويتبلور.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق