الأحد، 14 نوفمبر 2010

قصيدة النثر في قطر ( سعاد الكواري انموذجا )

نورة ال سعد


أنا المرأة التي تهبط على رخام الهذيان
كأول قطرة ندية تستقبل شهيق البلور
تذوب على مفاتن الطبيعة
كأول قطرة ندية تلتصق بالضجيج المتناثر
على طاولة المساء
                                        سعاد الكواري
 

أما محاولات بعض الكتاب القطريين فلم أرها تنتظم في هذا الحقل "الشعري" مثل نصوص بشرى ناصر والنثر الفني لأحمد عبد الملك
وخواطر جاسم صفر كما أنني لم اعتبر كذلك بالشعر المرسل ذي الروح (الغنائية ) لشعراء مثل مبارك بن سيف وعلي ميرزا ومحمد العطية وحصة العوضي وخالد عبيدان وغيرهم.  
ولقد عددت تجارب الشعر المنثور المنخلع -عمدا -من ربقة الشكل الشعري الموروث بوصفه قصيدة نثر مادام يسعى نحو التحقق والانجاز عند ثلاثة شعراء هم : سعاد الكواري  وزكية مال الله و سنان المسلماني فبالرغم من الطابع النثري لكتاباتهم إلا أنها تنوس في دائرة الشعرية .

 صدر للشاعرة سعاد الكواري  ديوان ( لم تكن روحي) في عام 2000  بعد صدور الديوان الأول ( تجاعيد) في عام  1995 وقد نفدت نسخ طبعته ولم تستطع الشاعرة تزويدي بشيء من قصائد الديوان !! ثم أصدرت سعاد الكواري ثلاثة دواوين شعرية في عام 2001 هي ( بحثا عن العمر  ، وريثة الصحراء ، باب جديد للدخول ) ثم صدر ديوان ملكة الجبال في عام 2004

سوف نعمد الى التعامل مع دواوين سعاد الخمسة ( والسادس ليس بين أيدينا كما أسلفنا ) وكأننا نحن أمام قصيدة واحدة طويلة وكأنها ملحمة من النثر ولن تشكل لنا الفوارق بين سنوات الطبع أية عقبة لان التدفق الشعري في الدواوين الخمسة يصب واحدا في موضوعة ( ثيمة ) واحدة بل نستطيع ان نسميها بؤرة نفسية محددة.
 يعد كل ديوان  -  في رأيي- قصيدة واحدة طويلة تتكون من مقاطع عديدة . فالجو النفسي والمعجم اللغوي والهم الذاتي يقرن كل قصيدة بأختها كقافلة من الإبل تهيم على وجهها في صحراء الربع الخالي . يهيمن على دواوين الشاعرة سعاد الكواري كابوس العزلة والانفراد في عالم اجرد خال من كل شيء . ولا تعرف قصائد سعاد الكواري الحب على خلاف زكية مال الله التي تعزز في شعرها صورة الظمأ العاطفي كما تعرفه القريحة العربية من جهة وكما تترسمه الاتجاهات الرومانسية من جهة أخرى . ان قصائد سعاد تغوص كحجر ثقيل الى قعر العزلة والوحدة والوحشة وربما ابعد من ذلك :
تقول سعاد في ديوانها ( بحثا عن العمر )
(ماذا تريد مني ؟؟
أظافرك مغروسة في كتفي
ارفع راسك كي أراك جيدا
هذه العتمة تزعجني)
(1)
والسؤال دائما موجود في شعرها ولكنه سؤال عدمي يكاد يستعذب الألم ويستغرق الذات :
(ماذا تريد مني ؟
أرخيت إليك يديّ
اشعر وكأنهما شلتا عن الحركة
مستسلمة لك تماما)
(2)
ان الأجواء الكابوسية التي ترزح تحت نيرها الروح تبدو غامضة ومتسلطة لكنها شفيفة وموحية:
 ( تلك الأجرام السماوية التي تتساقط فوق
شعاب الروح ، على هيئة أفواه ، تلك
الهتافات التي تذبل في قلبي كأنها طعنات
طائشة ، كأنها رعشات مرتبكة ، تهز جسدي
هزات متتالية ، فأبدو شاحبة كنسمة مأخوذة
برعشة التسكع ، أنا والليل ورؤوس اللقالق
نحط على مخدة الهلوسة)
(3)
دائما يوجد ( الخوف ) مهددا مسلطا على (الروح ) أما الجسد فهو يتلقى الطعنات ويطلب جلد الذات وبرغم الغموض الذي يجده المرء في قصيدة النثر عند سعاد فانه أحيانا أيضا يجد ما يكافئه من شحنات كثيفة من الإيحاءات وان افتقدت الصنعة الفنية واللغوية المتميزة .
( هو بين الوجود والعدم
يغزو مدينتنا القرمزية
يعبث بها
مدينتنا الأليفة كدمية
تفتح خاصرتها للغزاة
الحروب الصغيرة المحفورة
في يقظة الفجر
الفتوحات العظيمة لقراصنة
مدربين على السطو
هو بين الوجود والعدم
يداعب اعوجاج الأفق بأصابعه
ربما هي مخالب القطط اليتيمة
ربما هي الحشائش النابتة في الخاصرة
ربما هي النهايات !)
(4)
أما الحب فقد يوجد بعيدا في مناخات ومدارات أخرى.  تقول سعاد في قصيدة بعنوان "في خريطة العالم":
سمعت أيضا ان الشاعرات
لا يذهبن الى العمل في الصباح
لا يرتدين الملابس الشعبية
في استراليا الشاعرات يكتبن عن الحب فقط
(5)

سوف تستأثر آراء ايريغاراي باهتمامنا لبعض الوقت في هذا المقام وذلك لإسهاماتها المهمة في مسألتي اللغة و الحب فيما يسمى علم أخلاق الاختلاف الجنسي . ترى لوس ايريغاراي بأنه ( يجب على كل امرأة على حدة أن تصل الى الاعتراف ليس فقط بحدود ذاتها المجنوسة بالنسبة الى جنس الذكور بل أيضا بحدود هويتها الفردية الخاصة بالنسبة الى جنسها . تقول ايريغاراي عن ذلك ( ان كون المرء رجلا أو امرأة يساوي تماما عدم كونه ( او كونها ) كامل الذات سواء ذات الجماعة ام ذات الروح وبالإضافة الى ذلك عدم كونه ( أو كونها ) ذاته ( ذاتها ) كليا. إن أنا ( I ) الشهيرة هي آخر ينسب سببه أحيانا الى اللاوعي .. وأنا لست فقط ذاتا : أنا انتمي الى جنس . أنا مقيدة (ة ) موضوعيا بهذا الانتماء )(6) وتبدو هوية الذات في شعر سعاد مموهة وعصية على الفهم فالمتحدث امرأة بيد انه لا يمكن مماهاتها وتطابقها مع حاجات وأهداف جنسها النسوي فحسب انها تظل مموهة داخل إطار اللاتمايز الجنسي الذي تفرضه الهوية العمومية فهي ( إنسان ) لكنه مكبل بقيود الجنس (الأنثوي ) أيضا .
تقول في قصيدة ( موت بطئ )
لا احد سواي
سواي أنا
يستطيع أن يحفر في رخاوة القلب
خنادق ويملأها بالصدى
سواي أنا والنجمة الباسمة
(7)

ان لغة الحوار مبتورة في شعر سعاد الكواري لانها لا تنتج سوى أسئلة عدمية من جهة ولأنه لا احد هناك لكي يجيب عنها من جهة أخرى
 تسال سعاد:
 ماذا بعد يا شهوة الهذيان ؟
ماذا بعد ؟؟
هذا ظلامك المسالم
صراخك المستمر
أيها المفتون بشراسة الغياب
سأعيد لطقسك المجنون زوابعه
(8)

لقد أشارت ايريغاراي مرارا إلى ان ( النساء ينشدن التواصل والحوار بشكل خاص لكنهن بشكل رئيسي يخاطبنه/ هو الذي يكون مهتما بأشياء أخرى أكثر مما هو مهتم بالتبادل البين ذاتي وهو الموجه نحو الماضي أكثر مما هو موجه نحو الحاضر أو المستقبل )(9)
ولقد كان احد أهداف ايريغاراي لاختلافات الجنوسة في استعمال اللغة بالذات لا لتثبت أن النساء يتحدثن ( ويكتبن ) بشكل مختلف عن الرجال وإنما لكي تخلص الى فكرة أن اللغة يمكن تغييرها فاللغة ليست في نهاية المطاف معطى طبيعي حتمي بل نظام رمزي أنتجته المؤسسة الاجتماعية المثالية لكي نطوق للأبد بالنظام البطريريكي وتمثلاته ومركزيته(10)
تدرك سعاد أن اللغة عاجزة وشبه ميتة ففي قصيدة بعنوان موح
"سيرة ناقصة " تقول :
عم ابحث ؟
أي معنى سوف تشكله من جديد
هذه الأحرف البالية
الجذور التي تنبت في خلايا جمجمتي
وتسقط على الأرض.
(11)

وربما من الأفضل أن نورد كلام ايريغاراي ذاته ( لا اعتبر اللغة غير قابلة للتغيير اذا جاز القول ان اللغة تقود تأمر تصادر الحرية ) وتستطرد ايرغاراي ( لكن مجرد القول بان الرجل يتكلم بشكل مختلف الى المراة أكثر مما تتكلم المراة بشكل مختلف الى الرجل بدون مساءلة اللغة ذاتها هو قول إشكالي فاللغة توجد بيننا لكنها تكون قابلة للتعديل بشكل أسهل من اختلافنا .   ان أناسا قد أغروا بالتفكير عكس ذلك سواء بسبب المثالية التأملية او الدينية أم بسبب الامتثالية الاجتماعية ام بسبب الاستسلام الى ماض يمتلك قوة القانون أم لأنهم مقيدون بلغة الأب لغة الأسلاف التي يعتقدون أن من الأفضل أن يخضعوا لها والتي يعتقدون ان من الأفضل أن يؤمنوا بها )(12)
لكأنما ظهرت قصيدة النثر لكي تشعرنا بالضيق الحلقي عند قراءتها فالكلمات لا تتوخى سلاسة ولا انسيابية وتخلو- عمدا - من التناغم الصوتي أحيانا لأنها تتوخى أن تصدمنا بذلك الأثر غير المتوقع ( مما نقرأه باعتباره شعرا)  ويخلق استعمال اللغة عند سعاد لدينا اغترابا عن لغتنا اليومية ولغتنا الأدبية المعتادة .
تقول سعاد :
من وراء الضباب
يحوم نهار
ووقت طويل يموت
فأعري مدائن بوحي
وأبرق في سقف الوهم
أقطف جرحي
وأرميه في عتمة
تتسكع
حول معابد جاهزة للرحيل
(13)
وتقول أيضا :
للريح صوت غاضب
ولهذه الحمى
التي تندس
بين سنابل الأحزان
تاركة جنون النص
يذبل في رؤوس فارغة
أيضا
لصلصال الكآبة
غبطة فضفاضة
تنهال جمرتها الخفية
في غموض الكون
تنتظر اشتعال السر
فينا
عندما
يغتالنا متن الفراغ
(14)
وتقول أيضا:
لأنني بلا قدمين
تسلقت فضاء الذاكرة
سقيت سفن الخيال بخمرة الحلم
فهبطت الطيور على رأسي
عندها أخرجت من حقيبتي
وعولا وغزلانا
نثرتها على طاولتي
(15)

لكن الأثر الذي تخلفه القصيدة قد يولد عند بعضنا شعورا بالدهشة
 والألفة معا لأننا نحس انه يفجّر – في داخلنا – شحنات حزن تسكننا دون أن نعرف مصدرها أو بواعثها تقول سعاد :
يا مدينتي الصامتة
الصارمة كالعدم اعتقيني
أطلقي سراحي
لكي أقف على أعتابك
دون أن افقد لهفتي الأخيرة
حرريني يامدينتي القاسية
اتركيني
فربما قادتني قدماي الى الطريق
(16)


تفترض ايريغاراي  ان التعديلات في التفكير والسلوك والكلام من شأنها ان تغير البنية اللغوية بل ربما تفهم الأمر على العكس فهي تقوم بتحريف اللغة حتى في عنوان اشهر كتبها (أحب إليك) وتؤكد هذه العبارة فعل الفاعل بإرجاعه الى ذاته وإلغاء الغيرية .(17)
و( تسعى الدراسات النسوية الى توظيف النحوي في دراسة البنى الثقافية الاجتماعية والسياسية المختلفة فإذا كانت الجنوسة اللغوية النحوية مجرد بناء او تركيبة عرفية تقتضيها خصائص اللغة فان التمييز النوعي الجنسي البيولوجي بين الذكر والأنثى هو تمييز تركيبي مؤسساتي ثقافي وليس خاصية بيولوجية طبيعية .)(18)
 كرست ايريغاراي جزءا كبيرا من دراستها للتأمل في الحب والإمكانيات التي يتمخض عنها علم أخلاق الاختلاف الجنسي وأكدت على الحفاظ فيما بين فردين على فضاء لكي يوجد كل منهما بهويته الخاصة ولكن سرعان ما تنسلخ الجنوسة عن الجنس نفسه لان في العلاقات الحالية فيما يدعى حبا بين رجل وامرأة ليس سوى ( إخضاع وجوداتنا المجنسة للثقافة ، للقادة ، للقوانين المدنية والدينية )(19)

ربما كان هذا ما نجده عند عدد من الكاتبات والشاعرات في الخليج مثل الشاعرة اشجان هندي والكاتبة فوزية الشويش والقاصة هدى النعيمي وكذلك في روايات رجاء عالم.  أما عندما نقرا لسعاد الكواري فإننا لا نجد الحب أبدا ولا نجد الآخر أيضا فالذات تنسلخ عن تلك المشاعر التى تنزع الى الأنسنة او الوجدان . ان الذات دائما عرضة للإخضاع والإذلال وتبدو حينها الذات مجنحة .. محض روح تتجاوز الجسد وتلغيه  
ونجد أنفسنا أمام رغبة نسوية في التحقق والاكتمال بعيدا عن التماهي مع الآخر . ان الحب هنا مستبعد في شعر سعاد لان الذات غير راغبة في الدخول تحت جنح الآخر او التماهي فيه أو الاختزال في علاقة عاطفية معه وغير قادرة على ذلك أيضا لأنها غير مستعدة للاستبدال بالآخر ما دامت ليست هي ذاتها.  أما الآخر عندما يتشخصن فمن المحتمل ان يكون أبا قاسيا :
لا أتذكر ملامح أبي
أتذكر فقط بصماته الثقيلة على جلدي
أتذكر أيضا الجدران
كل الجدران التي علقني عليها
وتركني معلقة
--
أمي دست خنجرها في صدري
أمي نفضت ثوبها
فتساقطت أفاع سامة على الأرض
هل هذا هو الحضن ؟
من خلف المرايا انظر
أمي كانت شاسعة كالعدم
وأنا كنت ارضع سخطها
أمي كانت تدثرني بوشاح الطاعة
وأنا كنت أمزق شرنقتي بكفي الصغيرة

(20)
أو قد يصبح الآخر لغزا متعاليا وغير مبال يتخذ من الشاعرة محطة عبور إلى غاية أخرى إلى ضفة أخرى :
اشهد أني احبك
أتعرف عليك الآن أيها الأثر
لم أكن أتوقع أن تكون لي أي بصمة
أو اثر
أو علامة في رحلتي هذه
قبل أن أراك أيها المسافر
تعبر قلاعي الحصينة
تعبرها بكل ثقة الى الضفة الأخرى
(21)
ان التصورات عن الجسد الأنثوي نابعة ومرتبطة بالثقافة السائدة ، ويحدد نوع علاقة المراة بجسدها تفاعلها مع تلك التصورات في ثقافتها المهيمنة فالجسد منتج اجتماعي وثقافي ولا يخص المراة بقدر ما يخص الآخرين من حولها ! والجسد في حركاته ومظاهره وعوارضه يعكس شبكة من الرموز والطقوس والقيم التي يعيشها الجسد ويمثلها لأنه جسد خادم ومن هنا تأتي فعاليته الإنتاجية غير انه لا يفعل شيئا لذاته وبذاته أي انه جسد لا ينشط ولا يطالب بحقوقه ولا يتحدث عن صاحبته بل يخضع لكتابة الآخرين عنه وعليه. والجسد مرآة للتقابلات والتراتبية والفوارق بين الذكورة والأنوثة . والجسد أداة لتدعيم هذه الفوارق وتطبيعها والجسد يعد مرصدا للثقافة واحد أهم عناصر السلطة الاجتماعية ووسائطها لتمرير القيم وترسيخها فيما يخص تقسيم العمل الجنسي والاجتماعي.
يقول لينتون ( كل المجتمعات تفرض على الجنسين مواقف ومهاما متباينة واغلبها تحاول عقلنة هذه الفوارق بالارتكاز على الاختلافات الفيزيولوجية بين الجنسين أو دورهما المختلف في عملية إعادة الإنتاج )
 (22)
ان الانعزالية الفردية والروحية التي تسبح فيها (الذات) عند سعاد تمثل تمردا على (الخدمة ) وتصبح نموذجا للعلاقات الأخلاقية في قصيدة سعاد الكواري اذ تصبح الذات هي كل النساء وهي العالم وهي النموذج الإرشادي للمجتمع ذاته في تنميطه المكاني لصورة البيت والمكتب والمقهى والشارع  :
الممر الوحيد بين مكتبي
وسلم الخروج
الممر القصير بين راسي
وتلك الرؤوس الكثيرة
المنكبة على أوراق حكومية قديمة
الممر القصير يطول كأنه خيوط ليس لها آخر
--
--
سقط النجم
سقطت الأشجار
لكنها لم تسقط
ظلت تتمايل أمامي
وأنا أغط في نوم عميق
لم تكن روحي
تلك التي سبقتني الى حتفها
كانت شيئا آخر سكنني
منذ الأزل
بينما تاهت الروح
--
--
في الشارع رايته يئن
فلم التفت
تابعت سيري
في المقهى تراكم أنينه على الطاولة
فقلبت فنجان القهوة
في صحن مزخرف الأطراف
ورحت اقلبه
فلم تسقط القهوة
لم يسقط أي شيء
--
--
أكان جميلا أن نقف أمام الباب
دون أن يكون لنا أي هدف
غير النظر إلى آخر الشارع
حتى ولو هبطت على رؤوسنا
صرخة الغريب
(23)

وهذه القصيدة الطويلة التي أوردنا بعض مقاطعها تشي بالأشكال الاستغلالية للتبادلات التى تعيشها المراة في الأوساط المختلفة . في كل التبادلات الاشارية لا تستطيع المراة التواصل والانفعال لأنها ببساطة خارج كل التبادلات الثقافية والاجتماعية والسياسية. انها معزولة ومنفية بل مطمورة .
ان الأنا في سعيها الى التأسيس تنغمس في المتخيل وتتوهم أنها كل مكتمل و( مصدر هذا الوهم ليس سوى تجذر الانحراف المعرفي والتطلع الى هيمنة كاملة على صورة الجسد . لكن المفارقة تكمن في ان وحدة الجسد ذاتها تأخذ شكلا مقلوبا ومنفصلا عن الذات " فالصورة ليست هي الحقيقة " وانما مجرد انعكاس وهنا تبدأ عملية مستمرة من إنتاج الذات " )(24)
هذا ما تفعله سعاد في كل مرة أنها تعيد إنتاج الذات وتستعذب جلدها ! وتتمرأى في شعرها . لكن المرآة المهشمة تعكس صورا متعددة للشخص نفسه فالشاعرة هي المرأة المتكررة في صورة العروس والمدعوات و في صورة الجدات وحفيداتهن:
ابعد المراة عن وجهي
لا أريد أن أرى
--
--
يسألني عن بيتنا القديم
عن المساحة الخالية
التي كان أولاد الحي يلعبون وسطها
وكنا نحن الفتيات ننظر لهم من بين الشقوق
ننظر لهم بصمت--
--
لم ارتكب جرما
كل ما في الأمر
إنني نبشت بأظافري الجرح
وتركته ينزف
هكذا عريته للريح
ودخلت كهفا دمره الخراب
--
--
موكب عرس
الطقوس ذاتها
--
فجأة انتشرت رائحة البخور
من زاوية بعيدة
أفواج المدعوات ينحشرن بين الكراسي
أجساد تنزف في مشهد متكرر
أجساد لينة
الأضواء تنهشهن كذئاب جائعة
--
رأسها يعبر راسي
رأسها المعلق فوق الرؤوس
لولاكِ ما عبرت هذا النفق
لولاكِ ما جئت
--
انفتح الباب
فجاءت
تشق البساط بثوبها الأبيض الطويل
ووجهها الملائكي
جاءت فتهت بعيدا
--
موكب عرسي
البطاقة تحمل اسما يشبه اسمي
آه يا جدتي الحنون
هاهو طيفك يهبط
كأنه قبس من ضياء يحط على راسي
(25)


ها أنت ترتجف
أحضاني تتحول الى جناحين كبيرين
ها أنا أصبح طائرا ومدينة
أدنو من سريرك
فيحرقني أنينك المتقطع
حتى تصل الشاعرة سعاد الكواري في القصيدة نفسها الى قولها:
فينشر الليل أشرعته من حولي
ويضج المكان
اسمع وانكمش
اترك الزوابع تعبث بما تشاء ثم أهربها
من النافذة الوحيدة المفتوحة
في راسي
(26)
تهرب الشاعرة من كل الأوضاع القهرية الى نافذة في رأسها! ان الجسد يمثل الحضور المكاني للكائن وهو الثقل الذي يربط المرأة بالمكان وكل تحيزاته واذلالاته ! تتمنى كل امرأة – في تقديري - لو أنها تتحرر من جسدها أو تتخفف منه على عكس الرجل تماما الذي يمثل له جسده بالذات كامل رجولته ! ولكن هل بإمكان الجمل ان يتحرر من سنامه ؟ وهل سيدعى بعدئذ جملا  . تقول القاصة الدكتورة هدى النعيمي في مقالة لها بعنوان الانثى المبدعة  ( كيف تبشر امرأة بأنوثتها ؟ وهل الأنوثة هي الجسد أم الروح ؟ وألا يتخذ الجسد معناه من نظرة الإنسان الثقافية له ؟؟ واذا كان العقل الجمعي ينظر الى الجسد الأنثوي باعتباره مقدسا او مدنسا فان الكاتبة(تقصد بكلامها هنا بهيجة حسين في روايتها مرايا الروح ) تعاود امتلاك جسدها ليصبح مرآة ذاتا أخرى نتعايش معها بكل أخوة وكل حب )(27)
 تحاول المرأة أن تنتج طبقة خارجية تكسو حقيقتها ولكن هذه الطبقة الخارجية للأسف عرضة للتغيير والتبديل وبالتالي تتعرض المراة لاغترابات واهتزازات مستمرة في زمن التحولات الاجتماعية والسياسية الامر الذي يزعزع حسها بأناها وكفايتها واكتمالها .  لان ضغوط الواقع ومتغيراته تثير انفصاما بين وعي المراة وإرادتها ( يزعم لاكان أن إنتاج الذات في صورة طبقتها الكاسية نابع من عدم وجودها أصلا وجودا حقيقيا وان هذا النقص القار أي عدم وجود المركز الحقيقي هو الذي يفرض التغير المستمر خاصة أن الفرد يبتدع " ذاته " في كل لحظة ) (28)
لقد تعرضت نظرية لاكان لانتقادات نسوية ترى أن التمركز البصري لدى لاكان وفرويد جعلهما يهملان الحواس الأخرى كما ترى اليزابيث غروس بان ذلك أعماهما عن الالتفات الى وجود عضو الأنوثة لأنهما ركزا على غياب عضو الذكورة .(29)
لا تشعر المرأة قط بأنها (ذات) مستقلة كاملة وان نقصها ليتعزز بوجود الرجل وفي غيابه أيضا .
تشكل النسوية الجديدة مقوضا أساسيا للفكر الماركسي الذي يختزل الاعتماد المتبادل الى مسائل الملكية وتنتقد ايريغاراي ماركس لأنه فهم بشكل جلي ان استغلال الإنسان للإنسان تأسس على الاستغلال الأول للمرأة من قبل الرجل وبالرغم من ذلك فان ماركس برأيها لم يعالج هذه المشكلة فلسفيا واقتصاديا(30)
وترى ايريغاراي بان ( الذوات تنخرط في علاقات هدفها انجاز ذاتيتهم الخاصة في إخلاص لطبيعتهم ) (31) وهذا هو الطريق الوحيد لكي تتحرر العلاقات الجنسية من الطابع البورنوغرافي ( الإباحي ) ولا تعود عرضة للاستغلال او المصائر الانسيابية التي تستند كلتاهما الى القيمة التبادلية الرأسمالية . هذه هي الصورة الطوباوية للتبادلات المتصورة نحو ازدهار الذاتية بالرغم من ايريغاراي نفسها لا تملك تصورا عن هذه الذاتية ولا عما يمكن أن يكونه الآخر تقول ( إننا نتكلم عن وجود الآخر وجود الحب لأجل الآخر وجود الاهتمام بآخر ان هذا الانعدام لتعريف غيرية الآخر قد شل الفكر بما في ذلك المنهج الجدلي .. في الواقع اذا لم يكن الآخر معرفا بحقيقته أو حقيقتها الفعلية فان الآخر ليس سوى أنا آخر. ليس آخر حقيقيا )(32)
أما في شعر سعاد الكواري فليس ثمة( آخر) ولا (آخرون ) لا يوجد سوى (أنا ) مهمشة وغير مثمنة تتعرض بضراوة للتهشيم والطعنات ومختلف الاكراهات.
نجد ان الشاعرة زكية مال الله تنطلق في شعرها من لحظة الاشتياق الى (الآخر) لترتد الى الظمأ العاطفي ( الأنا ) واذا نظرنا بالمقابل الى شاعر (رجل) هو محمد العطية فإننا نجد ان  صورة المراة في غزلياته (في العمودي والحر ) غائبة تماما بجسدها وعاطفتها وشخصها فالشاعر يتحدث عن عاطفته وعن اشتياقه الى الحب ويرد الناقد د كافود ذلك الى " طبيعة القيم الاجتماعية المحافظة " التي تمنع الوصف الجسدي للمرأة (33)
ولكن ماذا عن وصف المرأة بذاتها ؟ أم ان المرأة هي الجسد ؟
ان غياب الصورة التجريدية للمرأة في شعر العطية يشي بأنه ليس ثمة هناك امرأة (معرّفة او مجّهلة) ليس هناك من امرأة على الإطلاق وليس سوى نظرة الشاعر الى الحب ذاته كما نظر اليه قيس فجعل ليلى حبا خالدا لا للمرأة في شخص ليلى أو( دعد) بل للحب في ذاته بوصفه وجدانا يتحقق داخله وجود الذات .  وقد أشار د كافود الى ( ان الغزل عند البعض قد لا يكون مقصودا لذاته وإنما يتخذه هذا البعض وسيلة للتعبير عن معاناة وجدانية .. فتصبح المراة عنصرا من عناصر التعبير عن هذه التجربة او رمزا للتعبير عن معاناة الشاعر ) (34)
يرى د الغذامي بدوره اننا : ( اذا دخلنا في خطاب الحب نفسه فان ما نجده في هذا الخطاب هو ارتباطه بحال من النفي الدائمة  فالحب عندهم جنون وهو موت وهو فقدان للرجولة كما هو فقدان للعقل وهو أشبه ما يكون بمؤامرة ضد الفحولة والمرء اذا أحب فانه يتأنث كما وصفوا الغزل بأنه التخلق بأخلاق النساء وقاموا بذم الهوى والنعي على من عشق ) (35)
تقول ايريغاراي ( ان بعض المناضلين .. الذين يمارسون ديمقراطية مباشرة أو نسوية انالوجية egological تقوم على حاجاتهم ورغباتهم الخاصة الحقيقية او المتخيلة أكثر مما تقوم على حاجات ورغبات كافة النساء يتركون النساء عرضة للتشريعات القائمة انهم بلامبالاتهم بالحقوق الضرورية لكافة النساء بمن فيهن الفتيات الصغيرات في الحاضر و المستقبل ونساء الثقافات الأخرى – يتخذون قرارات تؤبد وحتى تفاقم المظالم التي تمارس على جنس الإناث من خلال المفاهيم الخاطئة غير الضرورية )(36)
وتوضح ايريغاراي بان ) رفض إقصاء المتخيل الأنثوي بالتأكيد يضع النساء في موقع اختبار ذواتهن فقط بشكل متشظ في الهوامش ذات البنية الصغيرة للايدولوجيا السائدة بوصفها نفاية او فائضا ما تبقى من مرآة استهلكتها الذات الذكورية لتعكس نفسها لكن لو كان المتخيل الأنثوي بصدد ان يحشد نفسه لو كان بمقدوره ان يتلاعب بذاته بشكل مغاير للفتات الحطام المبعثر فهل كان سيمثل نفسه حتى هكذا في هيئة كون واحد )(37)
الحقيقة ان ايريغاراي تبدو إشكالية لا في نقدها فحسب بل في ( إعادة اختلاقاتها الرؤيوية لهوية أنثوية غير قابلة للتعريف وغير موجودة وقائمة على الاختلاف )(38)
يعرف كاستورياديس معنى هذا الاغتراب بانه إنكار للزمانية وصد للتحول التاريخي ( كل شيء يحدث كما لو ان على المجتمع ان ينفي ذاته كمجتمع ان يخفي كينونته كمجتمع بنفي الزمانية .. بوضع المعيار لهويته غير القابلة للتغير وبوضع ذاته بمثابة هذا المعيار )(39)
تذكر الشاعرة  سعاد الكواري" انشطار الروح" في قصيدة بعنوان ( الجسد ) في ديوانها ( لم تكن روحي ) وبكلمات تتقطر كالندى الموجع على قلب مستوحش تعبر سعاد عن ضيق الفضاء الاجتماعي والسياسي بأحلام الإنسان وروحه فتقول :
كل الكوارث
ترتمي
في شرفة
الأوهام
انهض
من ركامي
بينما تتكاثر الأشواك
فوق هواجسي
مزحومة بمناجم
الطرقات
افتح بهجة
الكتمان
للمأوى
واركع
لانشطار الروح(40)
وتتحدث الكاتبة بشرى ناصر كذلك في نصوصها الشاعرية أيضا في كتابها (تباريح النوارس) عن "انشطار الروح"
(النهاية أمس البداية
والبداية أول السؤال
عند ارتقاء الصعب .. وبدء النهاية تذبل وجوهنا
وأنت نجمة تأتي ولا تغادر
ترتحل في دمي وتطلع من زنابق عيوني
 يا أنت: أيها العابر المستريح
أكنت المدى.. ترصد نيران القوافل ؟
أكنت الصدى.. لوجع الدقائق الخاويات ؟
 عرفت انشطار الروح
منذ ولادة الدقيقة الأولى .. تيقنت بسقوط اللحظة
المباركة
التي اسميها الجحيم .(41)
ان  الرؤية ذاتها تتكرر في الكتابة النسوية الأمر الذي لا يعني تعضيدا نسويا لنظرة نسوية أخرى فحسب بل يعد تمثيلا لها فهذه النماذج الأدبية تحمل توجها نفسيا وفكريا غامرا في المنطقة .ان المرأة مقموعة اجتماعيا وسياسيا وتعاني جسديا أيضا بيد ان الروح هي ما يعنّي الشاعرة سعاد الكواري . ان الأجساد تتعرض للتنميط وتخضع ظاهريا وواقعيا للضغوط والعنف والتسلط بيد ان الروح تسافر بعيدا وتنعزل عن الجسد وعن جملة الظروف المستبدة انها تصنع لنفسها عوالم أخرى تنسجها من الخيال او تبنيها في داخلها حتى كان الجسد مسجونا في أضيق الزوايا واظلمها .
لذلك تتحدث سعاد عن المدن التي لم تزرها والأصدقاء الذين لا تعرفهم
لا فكاك أمامك
إلا ان تغري القطارات المسرعة
لتأخذك للبعيد
الى مدن لم ترها قط
الى بشر لا تعرفهم
(42)
ان الذات تطلق الروح من إسار الأوضاع ( الجسد ) لأنها لا تجد سوى ذلك وسيلة للخروج من دائرة الأسر ان الجسد يصبح السجن ذاته .
وفي ديوانها ( بحثا عن العمر ) تختار سعاد مقطوعة من الديوان تنشر خلفية لكتابها ( عن الأحلام /عن الأوقات /عن الرغبات/ عن الماضي/ عن الحاضر/ عن الأفكار المبنية على اللاشيء ..) ولكن الشاعرة لا تذكر المستقبل ولا تشير اليه وتمضي تتحدث عن أحلام مضيعة وليال من السهر وعن عمر يمضي نحو النهاية . 
قد تبدو فكرة التحرر الجسدي للمرأة قضية نموذجية لذلك التوجه الأدبي البلاغي بما أنها صارفة عن القضايا الجوهرية من جهة ولأنها متجاوزة للخطوط الحمراء من جهة أخرى فجسد المرأة على قمة (التابوهات) العربية لاسيما في منطقتنا الصحراوية لذلك تبدو مفاهيم الجنوسة تقدمية ومشاغبة غير أننا إذا وعينا دوافعها فلا نعلم الكثير عن مضمونها وآفاقها (الخليجية ) على وجه الخصوص .

الهوامش
(1) ديوان  بحثا عن العمر- سعاد الكواري – دار الكنوز الادبية –بيروت ط1- 2001  - ص7
(2) الديوان السابق- ص7
(3) الديوان نفسه- ص 8-9
(4)الديوان نفسه - ص28
(5) ملكة الجبال - سعاد الكواري – دار الشرق الدوحة – ط1 عام 2004 - ص 56
(6) ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي – مجموعة من الكاتبات – ترجمة عدنان حسن – دار الحوار للنشر والتوزيع  - اللاذقية - ط1 – عام 2004 - ص 206 – 207
(7) ملكة الجبال- سعاد الكواري  ص 82
(8) وريثة الصحراء – سعاد الكواري - من اصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث – ط1 عام 2001 – مطابع علي بن علي  ص 49
(9) ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي ص 208
(10)المصدر السابق - ص 209
(11) ملكة الجبال- سعاد الكواري ص 117
(12) ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي ص 209- 210
(13) لم تكن روحي- سعاد الكواري – دار الكنوز الادبية – بيروت – ط1 عام 2000 ص 20
(14) المصدر السابق  ص 43
(15) باب جديد للدخول- سعاد الكواري ص 11
(16) المصدر السابق- ص 46
(17)  ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي ص 212
(18) دليل الناقد الادبي – د ميجان الرويلي د سعد البازعي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – بيروت - ط 3 عام 2002
ص 151
(19)  ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي ص 215
(20) ديوان وريثة الصحراء – سعاد الكواري - ص 13-14
(21)بحثا عن العمر- سعاد الكواري  ص 96-97
(22) الجنس كهندسة اجتماعية – بين النص والواقع-فاطمة المرنيسي- ترجمة فاطمة الزهراء زريول – نشر الفنك – ط1 عام 1987- ص19
(23) بحثا عن العمر- سعاد الكواري - ص 24
(24) دليل الناقد الادبي– د ميجان الرويلي د سعد البازعي ص 232
(25) بحثا عن العمر – سعاد الكواري ص 60-73
(26) الديوان السابق ص 54
( 27 )  مجلة الدوحة - العدد صفر – ص 64 - 2007
(28)دليل الناقد الادبي – د ميجان الرويلي د سعد البازعي ص 232  
(29) المصدر السابق ص 233
(30)  ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي ص 219 
(31) المصدر السابق ص 217-218 
(32) المصدر نفسه ص 220-221
(33) ص 43  دراسات في الشعر العربي المعاصر في الخليج – د محمد عبد الرحيم كافود – دار قطري بن الفجاءة – ط2 عام 1996 الدوحة
(34) المصدر السابق ص 42
(35) نقد ثقافي أم نقد أدبي د عبد الغذامي د عبد النبي اصطيف – دار الفكر – دمشق ط1 عام 2004  - ص 57
(36)  ثنائية الكينونة النسوية والاختلاف الجنسي - ص 188
(37)المصدر السابق ص 152-153
(38) المصدر نفسه ص 154-155
)39) المصدر نفسه ص 156-157
(40) لم تكن روحي- سعاد الكواري  ص 88
(41) تباريح النوارس –نصوص- بشرى ناصر- ط1 -عام 2005 من إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث- الدوحة ص  66
(42) ديوان وريثة الصحراء – سعاد الكواري - ص 65







هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

شعر الحداثيات والحداثيين اقرب الى الرطانة التي لا تفهم كلمونا عربي يا جماعة !