الاثنين، 10 يناير 2011

المناعي فارسا

نورة آل سعد

بين مسرحية (ام الزين) وعرض (شدوا الظعاين) 30 سنة لم يغادر فيها عبد الرحمن المناعي منازله القديمة وكأنما ارتحل الناس جنوبا وظل المناعي شماليا ! وكلما قرر الناس شد الرواحل دخولا الى عصر أو نفق آخر أخرج المناعي من جعبته عملا مسرحيا  !

لقد عبّرت (أم الزين) برومانسيتها عن احتجاجها على الواقع الذي تعيشه حيث اصطدمت بعوائق نفطية وأسمنتية وراحت تتعلق بالبحر وقيمه المثالية لان حياة البحر كانت أكثر إنتاجا وتحررا للفرد من أغلال الدولة المستحدثة وقيودها وامتلاكها لوسائل الإنتاج فالدولة النفطية تولت كفالة الفرد وكان عليه في المقابل ان يبيع روحه وحريته وإرادته وولائه الكامل . لم ينقل النظام المستحدث المجتمع من نسق فكري الى آخر ولم يقم علاقات جديدة تحكم الأفراد والجماعات بل قام (بتجيير) التطوير المادي الظاهري لمصلحة ترسيخ القيم والنظم المتخلفة ذاتها واصبح الانسان نهبا لثقافة الاستهلاك وقمعت حركة إبداع الفرد بل انفصل الإنسان عن ذاته وأصبح مهمشا في عالم التسليع . تحول الإنسان الى إكسسوار في دولة الرفاهية واغتيل عالمه الداخلي وطاقته وتطلعاته في ظل الهيمنة التسليعية والمناخ البوليسي وسيطرت الدولة على الحراك الاجتماعي بتدجينه أو بإخماده تماما .
وقف المناعي في (ام الزين ) محذرا من آثار العصر النفطي الذي حل بالناس كما تحل المصيبة واليوم يقف المناعي نذيرا بين يدي العصر القادم ! عصر الانفتاح والذوبان ! تبدو مأساة عبد الرحمن المناعي مزدوجة ومسدودة فليس يرضى بالحاضر ولا المستقبل معا مرتحلا -عمدا وقسرا- الى الماضي حيث الملاذ والهوية .
لقد كانت (ام الزين ) دراما مؤثرة ألهبت حواراتها واحداثها مشاعر الجمهور الذي غص به حوش بيت (لعله كان اصلا سينما ) في عام 1975 وكانت (ام الزين) عملا موجها تماما الى الناس وفي مستواهم دون ان تقدم تنازلا في جانبها الجمالي .
كان المناعي ابنا لفترة المد القومي حيث الاوضاع المتاججة وروح التحرر والغليان وطرح الشعارات والنبرة الخطابية الاستنهاضية ولغة الحلم واليقين بقدرة الجماهير وكانت الجماهير حينئذ حاضرة تماما وكان حضور المعنى ملحا ولم يكن للنص أي فاعلية مستقلة عن تنوير الجمهور وتلقيه المباشر. وفي ذلك الوقت توفرت شروط التلقي في المسرح بديلا عن دور الشعر في الخليج فقد كان المسرح تشكيلا تصويريا يزهو بأدواته وجمالياته الجديدة ولم تعوزه الجماهيرية ... نسبيا.  
 استعدت ذلك التاريخ وانا احضر – مؤخرا-عرض المناعي (شدوا الظعاين ) ورأيت البطلة نورة تدخل الخشبة كما دخلتها ام الزين مستطلعة ومتوترة وربما خامرني شعور الشك لوهلة بانها لو التفت نحوي لرأيت ام الزين ذاتها !
في كلتا الحالين وعلى النمط ذاته في المدرسة المناعية وبالشخصيات عينها تقريبا مع الاختزال والتخفف يحكي العرضان عن تغيرات تمور في وجدان المجتمع ومظاهره حيث تنتهي حقبة زمنية وتبدأ اخرى
ففي  (شدوا الظعاين) ينذرنا المناعي بمقدم عصر آخر يسحق انسان الارض ويهدد بالغائه !! ويهجس المناعي بكارثة اقتصادية وافلاس لفقاعات اقتصادية وانهيار أسواق ( قد تكون عقارية ومالية) وارتهان الحال في يد الاجنبي !! في حين يتراءى نضوب النفط على مرمى البصر ولا ينقذ الموقف المتأزم سوى (مهنا) انسان هذه الارض الشاعر ابن البلد الفقير الذي لم يكن يطمع الا في حب نورة (الوطن والناس والمستقبل).
حقا لم يكن عرض المناعي لافتا في مستواه الفني ! كان عرضا قصيرا بديكور لم يلعب دورا يذكر ولم يفض الى دلالات واستخدم بالكاد كخلفية فحسب أما الإضاءة فعادية واكتفى المناعي فيما يخص المؤثرات الموسيقية بتلك المقطوعات الشعرية الرقيقة التي ينشدها فهد الكبيسي بصوته الشجي وان كانت محض انين وحنين ،ولم يعتمد العرض على تعقيد درامي كما بدت رموزه غامضة وعصية على البعض وكانت الحوارات في جلها كلاما عاديا وشارحا ومكرورا ومرتفع النبرة في خطابيته ومباشرته !  
لقد حرص المناعي الشاعر في كلا العرضين على تضمين المعنى الرئيسي في صبابة عاشق ! تمثل نورة الوطن كما كانت ام الزين هي قطر التي وقفت شامخة على الخشبة في السبعينيات تنظر الى البعيد تنتظر منذ اكثر من ثلاثة عقود مضت حلما وتهفو الى فجر لم يبزغ بعد فهل اختار المناعي ان يترجل عن صهوة جواده بعد ان يقول (كلمة) وليس بالضرورة عرضا !


نشرت في 25 – 8 – 2008

هناك 3 تعليقات:

بدون تعليق يقول...

ام عبدالله اخبارج ؟

انه بويوسف اذا تذكرين المنتدى واللي فيه :)

قطرية بنت الفجاءة يقول...

مرحبا بالزميل المهندس عبد الله
شكرا على المتابعة والتواصل
وفقكم الله

نور يقول...

مقالة جميله يا نورة :)

ليتني كنت حاضرة المسرحية معك

نور