الثلاثاء، 2 فبراير 2021

دور النشر القطرية

نورة ال سعد

منذ سنوات أربع ، هي في الواقع سنوات الحصار وأتبعتها الكورونا ، نبتت دور نشر قطرية ، دفعة واحدة وضخت مئات الإصدارات ! وذلك في مرحلة صعبة ركعت فيها دور نشر عربية عريقة تكافح من أجل البقاء والاستمرار !

وفي يناير من السنة الماضية ، شهدت الدورة 30 لمعرض الدوحة الدولي للكتاب مشاركة لافتة  لتلك الدور الخاصة  ، حيث نزلت بمئات العناوين ! وقد كان لدار روزا للنشر، نصيب الأسد فقد دخلت بـ 110 عناوين، وصرحت عائشة الكواري الرئيس التنفيذي للدار ، بان  90 % منها لكتاب قطريين وان عدد المؤلفين القطريين الذين ينتمون للدار 64 مؤلفاً ومؤلفة قطرية !! وكأنما ولد كل أولئك المؤلفين غير المعروفين بغتة بمجرد ظهور الدار! ولعل دار نشر بنغوين راندوم هاوس ذاتها لن تدعي ان لديها ذلك العدد من المؤلفين !

 أما بالنسبة لدار زكريت للنشر والتوزيع ، فلها 45 إصدارا وشاركت دار لوسيل بحوالي 126 عنواناً، و كانت دار الوتد في بداية طريق النشر، ومع ذلك قدمت 35 إصدارا لعام 2019 إلى جانب إصدارات سابقة .  

وبالرغم من انها دور نشر خاصة ويفترض بانها متنافسة وانتقائية وتتزاحم في سوق صغيرة لكي تحقق لنفسها هامشا ربحيا ، وبالرغم من ان المرء يتوقع أن تحرص- في قائمة أولوياتها -على اختيار الأكثر نجاحا وشهرة وتسعى الى التوسع في التوزيع وتجعل أسعار مطبوعاتها معقولة ..  الا انها - يا للعجب - لا تنتهج أسلوب الحرص والتدرج ولا تتبع سياسة النشر بذهنية تجارية صرف ولا يتصرف أصحابها  بعقلية اصحاب البزنسس الذين يخشون الخسارة بل ان هذه الدور لا تتوانى عن تخصيص نسبة مفتوحة من اصداراتها سنويا لكتب متبناة منها ما يخص اسماء قطرية ( شابة ومبتدئة ومقتحمة للمجال ) ومنها ما هو لأشخاص غير معروفين من بلاد عربية .



وقد حصلت دور النشر القطرية منذ انشائها ، على تسهيلات واحتضان حار وما فتئت الدور تتلقى الدعم بكل صوره ! وقد وقع الملتقى القطري للمؤلفين مع دور النشر القطرية (دار روزا، ودار لوسيل، ودار الوتد، ودار زكريت) مذكرة تفاهم لإنشاء عدد من البرامج والمبادرات المشتركة.

ويتحدث أصحاب دور النشر الخاصة بأريحية عن ( رسالة ثقافية ) وعن ( رغبة في اثراء المكتبة العربية ) وتنفق دورهم بسخاء ولا تلقي بالا للجانب الربحي .

ولا تخطىء العين ، ملاحظة نهج دار روزا  ، على وجه الخصوص ، الدار التي لا تتورع عن تبني عشرات النصوص الهابطة سنويا لاشخاص لا ينتمون للكتابة ولو لطخوا اثوابهم بالمداد ، اشخاص تسميهم الدار مؤلفين و كتابا الا انهم من وجهة نظري متطفلون ! اكثرهم شباب أقحموا اقحاما وبتشجيع واغراء من الدار ذاتها ! و ليس لديهم لا موهبة ولا هم ثقافي ولا ما يحزنون . ليس ملوما من يرى الفرصة سانحة والدعوة مفتوحة ومجانية فيقتنصها انما كل اللوم على من يخلق تلك الظاهرة ويغذيها ويستدعيها في مجتمع يتم تجريف وتجفيف منابعه من كل حياة ثقافية وادبية وفنية  .

 من غير المقبول تقديم تلك الإصدارات التي تقول للعالم ان هذه ( الغثاثة ) هي الكتابة الادبية في قطر !! وأقول لكم ان زمنا قادما سيكشف الستر ويحاسب من شارك وساهم وسكت عن هذه المهزلة في تزييف ومسخ الحياة الثقافية لان سنن التطور انتقائية والبقاء للأنفع .

 أربع دور نشر خاصة في محيط صغير ومناخ غير ثقافي ومنطقة عربية تلهث وراء لقمة العيش الحاف ومع ذلك قد تلتحق دار سمرقند للتوزيع بالركب أيضا وتغدو دار نشر أيضا ! فهل سندخل مرحلة تالية من تصعيد الطباعة والنشر والانتشار ؟

واذا ذكرت الإصدارات في قطر ذكرنا اصدارات دار كتارا للنشر، ودار جامعة حمد، واصدارات المركز العربي الوفيرة ، منذ سنوات ، وهنا يمثل سؤال مهم  : هل يطبق المركز العربي أو كتارا أو دار جامعة حمد نفس معايير إجازة الكتب ، التي تطبقها رقابة وزارة الثقافة على النصوص والمؤلفات المحلية ؟

جدير بالذكر انه ليس لدور النشر القطرية مطابع ولا تخطط لانشاء مطابع ولا تطبع غالبا في الداخل اذ ان تكلفة طبع كتاب في الخارج يكلف فقط ربع التكلفة داخليا كما جاء في تصريح للأستاذ راضي الهاجري صاحب دار زكريت ، للشرق في 2019  وتلك إشكالية كبيرة تؤخر الإصدارات المتلاحقة . تطبع إصدارات الدور غالبا في بيروت وفي الكويت وبعد رفع الحصار قد تجري الطباعة في مصر باقل تكلفة وفي السعودية لانها أقرب كذلك .

 وقد اشار الاستاذ راضي الهاجري في نفس الحديث منذ عامين تقريبا ، الى اهمية قطاع الطباعة وصناعة الطباعة والنشر وحاجة السوق الى توطين صناعة ونشر الكتب محليا واقترح إنشاء شراكات بين دور النشر الخاصة التي لا تملك مطابعها الخاصة وبين المطابع الحكومية وشبه الحكومية .

ولقد استفسرت عن مسالة التوزيع في تلك الدور فكانت الإجابة هي : معارض الكتب (عندما تكون متاحة ) ومتاجر الكتب محليا ( معدودة على أصابع اليد الواحدة ) والاهتمام بالتوصيل الالكتروني وكأنه امر يكتشف حديثا ! وهو على كل حال يلقى رواجا منذ عقد من السنين في البلدان كبيرة المساحة حيث تمثل المسافة تحديا للباحثين والقراء النهمين .

ويظهر لي شخصيا ان دور النشر القطرية الناشئة ،  تركز حاليا على تبني كتاب عرب من المغرب العربي وتتوجه كذلك الى المعارض في تونس والجزائر والمغرب تحديدا فضلا عن مسقط والكويت وقد صرحت عائشة الكواري بأن هناك 49 إصدارا جديدا ، بمشاركة  كتاب من دول عربية  كالجزائر والأردن فهل نتوقع استقطابا واحتضانا لكتاب ومؤلفين من مصر والسعودية بعد رفع الحصار ؟

نأمل في كل الاحوال ان يكونوا من ذوي التوجهات الإنسانية وليست المؤدلجة الضيقة ، لكيلا تتضرر سمعة قطر مستقبلا ولكيلا تغرق المنطقة المنكوبة أكثر في مستنقعات الاحتراب الداخلي والطائفية والدوغمائية .

 

 ما هو واضح وجلي ان اصدارات (شخبط شخابيط ) ليست بزنسسا ناجحا وليست مشروعا فعليا ولا تستحق الالتفات اليها ولن تؤتي اكلها ايا كان الدعم وأيا كانت الغايات.

وما هو بديهي انه لا قيمة للكتابة في هذه المنطقة العربية حيث المجتمعات الغيبية التي تعتقد بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة والاجوبة الجاهزة واليقينيات الا انها لا تمتلك الأمل بالغد ولا رغيف الخبز على المائدة لذلك فان وعيها على حافة الانفجار أو الانهيار  .

 

لقد ذقنا في المنطقة العربية ما يكفي من ويلات وعواقب المساعي الحثيثة ،  لتوجيه الوعي الجماهيري وتجييشه وسوقه تارة ، بعصا القنوات الفضائية وبرامجها الحوارية التدليسية ، وتارة بالدولار النفطي الذي مول ولم يزل يمول ، موجات من (الصحوة)  والفكر التكفيري والتجهيلي عن طريق طبع ونشر ما يدعى بالكتب (التأصيلية ) واحياء التراث الفقهي الجامد وبيع الأوهام والحلول المنقوصة .

ان حراك التأليف البحثي والابداعي وطباعة كتب التغيير يتطلب بالضرورة مناخا معقولا من الحريات والحيز العام المفتوح للتعددية ويتطلب ضمانات وأمانا فكيف تقام سوق للفكر والكتابة وتقذف المطابع بالاصدارات ، بنشاط محموم ، بينما يلهث البشر وراء تأمين الخبز والدواء والدفء.. وتخشى المجتمعات على أمنها واستقرارها ؟

ليست هناك تعليقات: