السبت، 12 ديسمبر 2009

شهيد الاصلاح (1)

كتب : نورة آل سعد

أصدر د. أحمد عبد الملك اخيرا رواية جديدة بعنوان «فازع شهيد الاصلاح في الخليج». تلامس تلك الرواية حواف الرواية عند احسان عبد القدوس، اذ تعتني بلغة الجسد وتجنح الى الفضح وتهتم بالحوارات العفوية، غير انها تشبه روايات سبقتها للمؤلف نفسه فهي رواية السرد الاخباري والشخصية المركزية التي تدور في فلكها شخصيات ثانوية تصب في مجراها وتنعكس أضواؤها على سطح الشخصية الذكورية الرئيسية وكأن شخصية «البطل» عاجزة عن الافصاح وتحتاج الى تزكية الاخرين ووجودهم كجمهور وشهود.

نقع على شخصية فازع من خلال منظور أربع نساء: أمه وجدايل زوجته وشاهة زوجة الملك التي تشغف بشخصيته ومريم، فضلا عن الشخصيات الاخرى. لم يزل المؤلف رهين الزمن الحاضر فعليا وان كان يحكي، بحسب المنطق الروائي، عن زمن متخيل آتٍ هو عام 2050. ويجد القارئ نفسه يراوح مكانه بين أعوام 2004 و2008 فالاحداث تعتمد تلك الفترة محورا ومنطلقا لكي يسرد المؤلف ما يشبه التكهنات، بأسوأ سيناريو يمكن حدوثه بعد 40 سنة. لعل الرواية تثير جدلا -اذا تمكن الكاتب من عرضها في مكتبات في الدوحة - بسبب تلك الاشارات والاسقاطات الواضحة على الواقع المعيش في قطر فهناك جملة من الحوادث والوقائع والاشارات، منها مثلا الحديث عن القاعدة العسكرية الاميركية التي جاءت ضمن حملة لحماية الملك إثر انقلاب في المملكة بيد أن هناك مبالغات روائية غير مستحسنة فقد جعل المؤلف من فازع شخصية بطولية بدون مبرر ولمجرد كتابة مقالات وطنية فحسب لم يعضدها رصيد نضالي، كما كان شغف زوجة الملك بفازع غير مبرر وكذلك قيام أمه وهي امرأة ميتة المشاعر بقتل الملك ثأرا لموته الذي كان برصاص طائش! وكان أمر تخطيها للحرس الملكي في دخولها وخروجها، مصطحبة معها زوجة الملك، غاية في المبالغة!

جاءت الرواية أشبه برسالة سردية طويلة تحكي كل ما يدور في الخاطر وبصورة مباشرة وواضحة، بقلم المؤلف، الا أن حس الكاتب وحرفيته لم يفارقاه تماما، فقدم عبد الملك شخصيات عدة وحاول الغوص في أعماقها وقدم نماذج اجتماعية ليست منمطة تماما، كالام التي خبرت تجربة شنيعة في طفولتها، وكذلك مريم التي تقترب من شخصية المومس الثورية. وكانت معالجة المؤلف للاحداث ورسم الشخصيات أقرب الى الكاريكاتيرية ولعلها مقصودة اذ تسلط الضوء على هشاشة الاوضاع وفجاجة العظمة الظاهرية، ولا يملك المرء في كثير من الاحيان الا ان يضحك لان الاحداث تقدم كمفارقة سوداء او كوميديا عابثة! فالتنبؤات تترى بأسلوب كارثي لمملكة ورقية تتصدع من داخلها، وفي مقابل تلك النبوءات الخطيرة نواجه شخصيات تسبح في الفراغ والهزل والتنكيت، وذلك في تناقض صارخ مع ضخامة الاحداث وفخامة المشاهد وحتى في تعارض مع بطولة فازع نفسه لاسيما في مقتله الاعتباطي ساقطا تحت الاقدام المتدافعة.

ان شخوص عبد الملك شخوص عاجزة ومعطوبة ومملوءة بالعيوب والتشوهات، فهناك من يخون (شاهة)، وهناك من يتلصص (ابو فازع)، فضلا عن المتحجر (ام فازع) والمستهتر (هذلان) والعابث الهارب (قانص) والجبان (بو خالد رئيس التحرير)، وحتى فازع يقدم لنا بطلا خياليا مثل دون كيشوت الحالم الذي يتخيل انه فارس أخرق في عالم منهار.من السهل -اذا- أن يتصور القارئ ان كل ما يدور حول فازع هو أشبه بالتهويمات التي يعيشها فازع حول نفسه.
ان الوهم يتبدى من تلك النقطة بالذات وهي هشاشة الشخصيات ومع ذلك فان فازع ينظر اليها من دون ان يرى عيوبها حقا، فلا يرى في شاهة خائنة لزوجها، ولا يدور ذلك في خلده ولا يشك ابدا في ابيه وهو واضح الفحش يترصد الفرصة لالتهام زوجة ابنه المحبوس، ولا يلوم فازع أمه المتحجرة حتى بينه وبين نفسه، ولا يلوم أبا خالد على تخاذله ولا يخجل من نفسه حين يهمل زوجته المخلصة ليذهب الى البغايا في وكر قانص!

ان فازع يعيش فانتازيا كاملة من نسج خياله! ولا يحس بوطأة السجن ولا اغتراب السجناء عنه لانه يعيش في خياله ناظرا الى نفسه بطلا مرصودا من الاخرين، ومحطا للاضواء المتوهمة، اينما حل او ارتحل ومع ان فازع يرى نفسه مضطهدا في عالم السياسة والصحافة، فانه لم يكن سياسيا بل انه يقول ان الروح التآمرية للمخابرات صورت مقالاته بخبث (للملك الغبي).تتسارع الاحداث وتتصاعد بلا تسلسل منطقي او زمني، والشخصيات في مجملها مضحكة وباهتة ومهمشة، تجتمع في أوج انهيار المملكة في مكان يشبه عوامة نجيب محفوظ، في رواية «ثرثرة على النيل»!

ليست هناك تعليقات: