السبت، 12 ديسمبر 2009

شهيد الاصلاح (2)

كتب : نورة آل سعد

تقدم رواية «فازع شهيد الاصلاح في الخليج» لمؤلفها د. احمد عبدالملك صورة قاتمة لمستقبل المنطقة ومصير ابنائها الذين سوف يصبحون اقليات ويفقدون هويتهم، فقد «تلاشت اللغة العربية.. كانت الغلبة للاتجاه الانفتاحي ووضع الدين جانبا».
ويتوقع المؤلف ان يقوم برلمان صوري في البلاد التي تقع فيها احداث روايته، وتسيطر على البرلمان مجموعة تهادن الحكومة ثم يعطل البرلمان فتمتلئ السجون «بالمعتقلين السياسيين تليهم فئة المتدينين».
ويتحدث د. عبدالملك بضمير الراوية السارد، لكنه يستبطن وجدان فازع فيتطابق الاثنان! يرى فازع نفسه متقدما على زمنه فهو شخصية نخبوية وبطولية وكان موته تمهيدا للمستقبل الآتي، بيد اننا لا نعرف كيف تحقق ذلك فعلا ! فلم يكن موت فازع سببا لاي تغيير حدث في الرواية، اذ ان الاحداث الكبيرة تترى متزاحمة ومتسلسلة بلا ترتيب معين، تقع جميعا بمعزل عن فازع وكتاباته وموته.تتفاقم الامور سوءا بصورة غير معقولة ولا نعرف حقا ما الذي فجر الموقف وكيف بدأت الاضرابات والتفجيرات في المملكة، ولكن ذلك الانهيار الدرامي بالذات ينسجم مع تخيلات فازع عن عالمه الفاسد المنهار، وكأن ذلك الدمار نفسه نوع من العقاب لذلك العالم القاسي الذي يدير ظهره لفازع واحلامه وطموحاته! وحتى موته (البطولي) وقع بالمصادفة فقد صرع برصاص عشوائي ولم يكن مقصودا ولا مستهدفا ! ولعل ذلك يتفق مع النظرة المتراوحة بين الهزل والجد التي تلف عالم فازع الباهت والعبثي، لذلك تبدو الامور متذبذبة واقرب الى الحلم. تتدهور احوال المملكة في رواية د. عبدالملك بصورة مرعبة، فعندما «ينشق» البرلمان الصوري!! يحله الملك وينشط التيار السلفي بالاعتداء على السياح والتحريض في المساجد، وجدير بالذكر ان المؤلف قد اكد قبلها ان المسلمين اقلية والكنائس والمعابد طاغية.
ولا نكاد نميز الا صوت المؤلف حين يتحدث معددا ومنتقدا القوانين والسياسة الانفتاحية وتردي البنى التحتية وعجز اجهزة الامن عن بسط النظام، لا سيما عندما يفلت الزمام وتعم الفوضى في المملكة التي تتألف من اجناس آسيوية وافريقية وايرانية، فضلا عن الصينيين والعرب والمواطنين!
ومن الغريب ان يندلع شغب الاجانب في الشوارع وتعم الاضرابات وتتعدد التفجيرات للمصافي وفي المطار من دون تخطيط مسبق!! ولكن المؤلف يخبرنا عن استفحال الفساد في البلاد والاستيلاء على الاراضي والتعامل مع الثروة الوطنية كغنيمة، كما تغص البلاد بشركات الاستملاك غير الشرعية وعصابات ترويج المخدرات وغسل الاموال والدعارة المنظمة، وينهار مجلس التعاون بعد حرب بين عضوين فيه!ولعل ما سبق كله لا يؤدي بالضرورة الى وقوع مواجهات بين الأنظمة والسكان، كما وقع دراماتيكياً في مملكة الرواية، لكن أم فازع تقول إن الملك «نسي الشعب وقرب الأجانب.. خذ مال الشعب وعطاه الأجانب.. نسي العلماء والمثقفين.. الملك اقتنع بالحاشية والعصابة اللي حوله.. اغتر بالأميركان وحسب أنهم بيحمونه.. وفتح البلد للي يسوى واللي ما يسوى الملك خلانا اذناب بعد ما كنا رؤوس» ولا نعرف مطالب الثوار فهي «تحركات لجماعات عرقية آسيوية تطالب بالحقوق المدنية في الخليج»
وبرغم أن «ثورة» كلمة غير دقيقة فإن الأوضاع تتدهور بسرعة فائقة و «يتهاوى اقتصاد المملكة» ويعقبها فوضى وخروج الأميركان ومقتل الملك وعمليات قتل عشوائية ثم يغلق مطار ذلول العاصمة، ويسرد علينا المؤلف الأحداث باختزال فنعرف أن حركة في الجيش قد تضامنت مع الانقلابيين ضد الملك، وأعلن الغاء التعاهدات السابقة مع الولايات المتحدة واغلاق القاعدة العسكرية! واجتمع قادة الأحزاب وزعماء الانقلاب! ثم صدر بيان بإعلان جمهورية ديموقراطية انفتاحية تعددية الطوائف والأديان، وأفرج عن السجناء السياسيين وشكلت لجنة لوضع دستور جديد يقيم أسس العدالة والمساواة بين جميع المواطنين!!

بقي أن أقول إنها أول عمل أدبي في قطر يتجاوز الخطوط الحمراء ويحطم التابوهات ولسوف تثير الرواية جدلاً ولغطاً أوسع.. بمرور الوقت.

ليست هناك تعليقات: