الاثنين، 1 أبريل 2024

بين ( بوح السبعين ) و ( حين يبوح النخيل )

 








بين( بوح السبعين ) و ( حين يبوح النخيل )



نورة آل سعد 

 

 

ترى هل يكتب الكتَاب حين يكتبون على سجيتهم وبقصد البيان.. أم للتعمية ؟

وما عدد مراحل الفلترة التي تمر بها المسودة لكي تغدو  قابلة ولائقة بالقراءة ؟

وهل تخضع لتصويبات وتنقيحات أبعد من اعادة التحرير اللغوي ؟

يبدو أن النصوص السيرية في منطقتنا الثقافية تتأرجح بين خانات عديدة ؛ تقفز من خانة الاعترافات إلى التبرم والشكوى واحيانا قد تنخفض معاييرها إلى مستوى الإعلان الترويجي !

           لقد جاء عنوان كتاب د أحمد عبدالملك (بوح السبعين) موحيا وذاتيا في العنوان وصورة الغلاف بأسلاكه الشائكة ، الا انه انحصر في اهتمام الكاتب وتحريه لتسجيل سيرة ذاتية مهنية ولذلك نجح في تقديم سجل واضح  للمواقع والمناصب التي شغلها فضلا عن ادراج جميع اصداراته مع نبذة وصور الاغلفة وكان د عبد الملك حريصا ومشددا على تقرير حقيقة يخشى أن تنسى وهي أنه كان دائما في مسيرته يحاول وضع بصمة ويبذل قصارى جهده ولا يألو سعيا لإثبات نفسه الا أن قرارا  يأتي من مكان ما فيستبعده أو يوقفه وينتقل أو ينقل الى مكان آخر .



والدكتور أحمد عبدالملك ظاهرة في الساحة الثقافة القطرية المضطربة فهو الكاتب النشط الذي واصل الإنتاج دائما برغم كل شيء ، وهو غزير الانتاج ومتنوعه فقد كتب المقالة والقصة والرواية والسيرة . والدكتور عبد الملك بحق فارس رحلة السعي الى اشهار جمعية الادباء والكتاب القطريين ( والتي لم تشهر للأسف حتى اليوم ).

وقد أسدى د عبدالملك صنيعا كبيرا للمهتمين والباحثين اذ قدم لهم في كتابه (بوح السبعين ) مادة وافرة ووافية جمعها في مكان واحد سهلت على كل مهتم او قارئ الاطلاع على قائمة تشمل جميع أعمال الكاتب وشطرا من حياته وأسفاره وجانبا من المؤتمرات والندوات وورش العمل التي قدمها او اشترك فيها بالإضافة الى أهمية الكتاب في القاء بعض الضوء على تطورات سياسية وادارية وتحولات مجتمعية يستنبطها اللبيب.

ولا يحسن أن تفوتني الإشارة الى القائمة الباذخة لإصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون ( أنشئ المجلس عام 1998 وتم الغاؤه في عام  2010    ) وقد قام المجلس الوطني في الأعوام الذهبية بين (   2003 -2005  ) تقريبا بطباعة ونشر معظم الإنتاج الادبي القطري لمعظم الادباء والكتاب ( وكان لبعضهم نصيب الأسد ) وكان سعيا مشكورا ومحمودا لصالح المكتبة المحلية ودعما وتحفيزا في محله للكتاب. وقد وفر المجلس الوطني حينذاك الإنتاج القطري في مكان واحد وهو مخازن المجلس الوطني تسهيلا وتيسيرا لمن يطلبه وينشد دراسته  .



أما في كتاب ( حين يبوح النخيل ) للقاصة د هدى النعيمي فقد بذلت الكاتبة قصارى جهدها لتقديم مقتطفات من حياتها بصورة انتقائية وتأرجحت بين انشاء أدبي فيه مسحة شعرية في البداية ثم أكملت السرد بلغة تقريرية صرف . وقد كانت لحظات البوح قصيرة وموجزة وقد استشعرت احترازات شتى في سرد الكاتبة حتى أنه لم يكن ثمة " بوح" مسموعاَ في بوح النخيل !

وبالطبع فسوف يقع القارئ الفطن بلا أدنى جهد أو مشقة ،  على مرارة الكاتبة واحباطاتها لاسيما في مكان عملها ، بالمؤسسة الطبية ، عبر السنوات ، الا انها كانت أحرص الناس على تضمينه والالماح اليه من الإفصاح عنه في ( بوحها )

وقد ضم الكتاب انتقالات انتقائية ومتسارعة وكانت هناك قصص وحكايات سردت بصورة سطحية وعلى عجالة وقد ختمت د هدى النعيمي الكتاب بإرفاق شكر طويل وثناء على ما تقدمه الدولة من رعاية وخدمات مستحقة لمواطنيها  .

 

لعل أهم سببين يرجوهما الكتّاب - حينما يعتزمون كتابة مذكراتهم او ما يشبه المذكرات - هما :

أن يترك الكاتب شهادته وكلمته لأنه لا محالة راحل

وأن يترك توثيقا وحصرا لأعماله ومجمل مسيرته وما أداه وما قصر عنه لأنه يشك أن يقوم غيره بهذه المهمة بعده .

وبطبيعة الحال فاننا نجد أنه في مجتمعات أخرى يتوفر باحثون وطلبة دراسات على جمع وتحليل وإصدار سير للأدباء والأعلام ، وسبر أغوار حياتهم وانتاجهم ، لاسيما اذا وجدوا أمامهم انتاجا غزيرا وجديرا بالاشتغال عليه فالكتابة ونوعها ومستواها واغراضها ومقاصدها تعكس الحالة الاجتماعية بكل اطوارها وتحولاتها .

 

لقد تموضعت الذاكرة غالبا (في الكتابين المذكورين أعلاه ) في مواقف الكاتبين،  كل من د عبد الملك ود النعيمي ،وهي مواقف تتأرجح بين التطلع والاندفاع من جهة والإحباط وتوسل الاهتمام من الجهة الأخرى وبدا وكأن الكاتب - في كلا النصين - يكتب لا لشيء الا لكي يترك تأبينه الشخصي قبل ان يغادر أو يهم بمغادرة المنصة !

لمَ نكتب ؟

وهل تعيد الكتابة صياغة الثقافة في المجتمع ؟

هل تطرح الكتابة في بلادنا على المتلقي أسئلة وجودية او اجتماعية أو ثقافية ؟

ولكن أي كتابة ؟ ومن يكتبها الان ؟

هل هو سؤال ( من نحن ؟ ) يطرح مجددا !

وهل هو سؤال مرحلي يسأله أهل كل عصر لأنفسهم ...عن أنفسهم ؟

وماذا يختار الكاتب أن يكتب أو... ألا يكتب ؟

هل يختار أن يبقى مسجلا في قيد ( الكتّاب ) بيد أنه حين يكتب.. لا يكتب شيئا يذكر ! ولا يحكي ولا يبوح ويتنكر لذاته وقلمه ورصيده السابق ؟ ولمَ ؟ لأنه يرجو النجاة من العقوبة أو لكيلا يخسر ما يرجوه من امتيازات وجوائز وكوبونات .. أو ببساطة لأنه بات يعتقد بأنه لا فائدة ترتجى!

لو كان الزمن مختلفا وكانت هناك نخبة في المجتمع ، تمتلك مساحة معقولة من حرية ومناخ وفضاء عام وقدرة على التفاعل مع مجتمعها لكان حريا بها اذاً ان تنسج سرديات تتفاعل مع بعضها البعض .

ولعله من المفترض فعليا أن يكون هناك تيار اجتماعي من مثقفين ومتعلمين وطبقة وسطى أفرادها  لديهم الوعي والهمّ المجتمعي ، وهم موجودون بيننا وأغلبهم يعدون من جامعي ومالكي الأراشيف (شخصية ومجتمعية ) وهي أراشيف متعددة ومتعاضدة. ولو ظهرت معا في ظروف وتوجه مجتمعي مواتٍ لكان حريا بذلك التيار أن يشكل الذاكرة الجمعية ويوجهها عوضا عن ظهور انتاج منقوص ومشوه لفرادى محبطين ومتوترين ويبحثون عن حفظ ( تراثهم ) الصغير وارشيفهم الخاص خوفا من النسيان والازاحة بعد التهميش والعجز .

لا أرى الا أننا وقعنا بالفعل في الكمين الذي أشارت اليه الباحثة فرح الخطيب من استبدال الذاكرة بالنوستالجيا ، وهي نوستالجيا الارض الفارغة ، فكأنما يتم التعامل مع الواقع ومع الذاكرة تحديدا وكأنها أرض فراغ وتُملأ بالنوستالجيا فيتم تفريغها بمنهجية واصرار ، واخراج كل شيء يعدّ سلبيا وغير مرضٍ ولا مقبول ( في نظر من يهيمن على المجتمع وانتاجه )  إخراجه من تاريخك وذاكرتك ! حتى أنهم يكادون أن يخرجوك ..و يجعلوك أنت ذاتك غير موجود !!

 



ليست هناك تعليقات: