الاثنين، 8 أبريل 2024

قراءة نقدية لرواية ( ماء الورد ) للكاتبة نورة محمد فرج

 




قراءة نقدية لرواية ( ماء الورد ) للكاتبة نورة محمد فرج

 

نورة آل سعد

 

صدرت رواية ( ماء الورد ) في عام 2017 وهي رواية الكاتبة نورة محمد فرج الأولى بعد مجموعتين قصصيتين ، الأولى هي ( الطوطم ) وصدرت في عام 2002- والأخرى هي (المراجم) في عام 2011  .

 

منذ البداية ، وحتى النهاية ، تصدمنا اللغة ، في المقام الأول ، فهي نثر بسيط متقشف ومتواضع ، أقرب الى حكي العوام ، كما قد يُتخيل في القرن الرابع الهجري ! تصدمنا اللغة بسبب ضيق الثروة اللغوية في المفردات والتراكيب والتشبيهات والتصوير وكل ضروب التعبير  !  ولا أدري ان كان ذلك متعمدا ! ولمَ  قد يكون كذلك ؟ فما المغزى من ان تكون اللغة فقيرة ومنكمشة وغير موحية وغير معبرة وغير مضيافة لاي شكل من أشكال و أساليب تنويعات اللسان ورحابته  ولا يحتسب اقحام أبيات من الشعر لم أجد لها توظيفا فعليا ولم تثرِ السياق و تعتبر زائدة عن الحاجة حتى لو افترضنا انها اقحمت لتخفيف رتابة النثر وتواضعه .

 

وموقفنا من اللغة يتعزز أكثر فأكثر عندما نجد أن الكاتبة نورة فرج قد اختارت أن تستخدم السارد بضمير المتكلم ، لشخصين رئيسيين ، هما ليلى وعابد ، وكلاهما يتناوب السرد ، ليلى وبعدها عابد وهكذا دواليك . وتبدأ ليلى حديثها الينا في الأول من رمضان وينتهي سرد الرواية بسرد ليلى في اليوم ( 29)  من رمضان  لا يمكننا أن نميز بين سرد الاثنين لانهما لا يختلفان عن بعضهما البعض . يستخدم كل من عابد وليلى نفس الأسلوب وطريقة التفكير وطريقة السرد لولا أن ليلى أنثى وأن (عابد ) ذكر وهما يكملان السرد لبعضهما البعض وان كان عابد قد قام بسرد أحداث أهم وأكثر لان ليلى لم تفعل شيئا الا الحزن على فراق عابد والقيام ببعض الزيارات الاجتماعية والعودة بذاكرتها الى شخص يدعى قسورة والذي تصادفه مرتين متفرقتين ، في الشارع ، وبمحاذاة جدار .



ومن أسف أن ليلى التي يفترض انها النسّاخة القارئة المثقفة التي نشأت في كنف جدّ عطوف وهو كاتب ونسّابة ومؤرخ ولديه مكتبة ، أقول انه من المؤسف أن تلك الفتاة لا ينم أسلوبها ولا تفكيرها الا عن سذاجة وسطحية و لامبالاة  !

والحق أنه يفترض أن يكون كل من عابد وليلى ، من مثقفي عصرهما في القرن الرابع الهجري فليلى من فئة الوراقين ( النساخ ) وعابد هو شخص أكثر من صانع فالوذج فهو فارس ومهتم بالكتب فضلا عن أن دوره في الرواية يستند الى تورطه بالانضمام لخلية تنوي تصفية خصومها بالسم .

إلا أن الكاتبة نورة فرج تقدم لنا ، ليلى الوراقة ، كأنثى عربية نمطية اعتيادية مملة ومدللة وسطحية ، بالرغم من أنها ، كما أسلفنا ، نساخة مخطوطات ، تطلع على معارف وعلوم ومعلومات أودعت مخطوطات نادرة مهمة . وبالرغم من انها امرأة تحاول أن تخلق لنفسها دورا أكبر عندما تقوم خلسة بدس كلمتها وأخيلتها في ثنايا ما يكلفها جدها بنسخه من مخطوطات فهي اذاً امراة تبذل جهدا لتضمين رأيها وكلمتها في التاريخ تسجيلا وتفسيرا ! الا أن ذلك لا ينعكس أثره ابدا على لغتها في السرد و لا على تصرفاتها أو تفكيرها ، فهي تسرد وتتصرف بضحالة وسطحية واعتباطية ،  بل هي بالاحرى امرأة لا تكاد تتصرف في حياتها ولا يحدث في عالمها أو مخيلتها شي يذكر .

 

ومسألة دس الأخبار المكذوبة التي جاءت في الرواية مسألة مهمة بل هي أبرز وأهم فكرة في الرواية ، الا انها للاسف لا تأخذ حظها الوافي في الرواية . ونحن لا نعلم شيئا فيما يخص تدليس ليلى واختلاقاتها : أقصد ما طبيعتها ؟ وفيم اختلقت ؟ وكيف ولمَ ؟

 لمَ أقدمت على التزييف والاختلاق في نسخها للمخطوطات ؟ هل كانت تتسلى فحسب كما قالت ؟

 أهي ردة فعل نسوية للانتقام من تجاهلها كأنثى فوضعت كلمتها ودستها سرا !! كما نتأمل أن يكون عليه الامر .

لمَ جعلت الكاتبة من أبي الفرج الاصفهاني سارقا للأغاني التي كانت مخطوطة اشتغل عليها جد ليلى لسنوات عديدة كما تقول ليلى  ؟

تخبرنا ليلى عن أبي الفرج الاصفهاني الذي قدم من بغداد الى الشام ، وانه جاء (لظى) لأنه سمع عن جدها ( كان جدي سعيدا بمديح الاصفهاني له. لم يسمح مديحا منذ زمن. قال: دعوته كي يفطر عندنا اليوم .. انه يجاور القادة والوزراء ولكن فيه فظاظة في كلامه وفي ملبسه ) ص60

(كان جدي قد قال أنه سيري ضيفه كتابه ( الجند والقادة ) الذي كان معروفا جدا صرف فيه خمس سنوات  ... وكذلك قال انه يريد أن يريه كتاب الأغاني الذي صرف فيه قرابة سبع سنوات حتى الان وكتاب أصحاب الجن  )ص60

( صرخ جدي : وويلتي سرق الاصفهاني كتب عمري ) ص62

ولن أجادل ليلى ولا الكاتبة بأن التاريخ ساحة أكاذيب وان المخطوطات محل نظر  وان النساخ حرفوا وبدلوا وطمسوا ومسخوا وأن الامويين كلفوا كتابهم فاختلقوا مآثر ومناقب وطمسوا أخبارا وأحداثاً وكذلك فعل خصومهم العباسيون فاخفوا بدورهم حقائق ووقائع وسلطوا كتّابهم للتلاعب والتزوير والدس والطمس .

الا إنه لأمر محير حقا ! أن يُتهم الاصفهاني بسرقة كتابه الأغاني !!

فهل اتخذت الكاتبة من الاصفهاني موقفا معينا وتبنت الرأي الذي يرى بأن كتاب الأغاني للأصفهاني فيه من " الطامات والخزعبلات" ما يضر بالتقوى والورع وأن (سهامه المسمومة) قد صوبت للنيل من آل البيت  وانه قد افترى على عائشة بنت طلحة وسواها . فلنعد اذاً الى حديث ليلى في يوم ( 3 ) رمضان حيث تعترف

( انكشف أمري حين حاجج أحدهم جدي في خبر عن عائشة بنت طلحة ورد في كتابه ، جدي وقف يرد بانه لم يذكر ذلك ، لكن الرجل حدد له الجمل المنحولة بالضبط ، يا لذاكرته ! بل وتبرع بإحضار الكتاب ليرجمه بالحجة وفاز الرجل... ولو انه كف عن التساؤل بعدها حول جدوى ذلك بالنسبة لأخبار معظمها من خيالات الشعراء ولا ترد الا على السنة السكارى والأوغاد  ) ص27

إن كان أبو الفرج الاصفهاني قد سرق كتاب جد ليلى ، كتاب الأغاني  ، فان معنى ذلك ، ان ليلى وجدها هما المسوؤلان فعليا عما وجدناه في الأغاني فهي التي كانت تنسخ المخطوطة وتدس فيها ما تشاء ! واذاً فهي الوضّاعة التي وضعت تلك الاخبار وهي التي حبرت تلك الوقائع ونسبتها الى عائشة بنت طلحة( توفيت عام 110 هـ ) 

فمن هي عائشة بنت طلحة ؟

جاءت أخبارها في كتب "الأغاني" للاصفهاني، و كذلك "العقد الفريد" لابن عبد ربه، و"سير أعلام النبلاء" لشمس الدين الذهبي، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري، و"صحيح" البخاري . كانت عائشة تقرأ الشعر وتتذوقه وترويه ولها مجلس تقعد فيه ويستأذن عليها الرجال و يرتاد مجلسها علية القوم ويدعى إليه الشعراء . كانت امرأة  تملك أمرها وتعلن عن رأيها وقد روي الأصفهاني: "كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب (ابن الزبير زوجها) فقالت: إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس، ويعرفون فضلي عليهم، فما كنت أستره، والله ما فيَّ وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد".

ولعائشة محاورات مشهورة مع شعراء عصرها، ذكر بعضها في كتابي "الأغاني" و"العقد الفريد".

 

من هي ليلى ؟ ليلى كما تصور نفسها في الرواية بلسان السارد  ، فتاة لا تقوم بشيء الا انها تحزن ! ومبعث حزنها شخصي وسببه ان خطيبها (عابد ) ، قد فر من وجه صاحب الشرطة وقد تأجل عرسها ولا تعرف مصير خطيبها فلا تأكل ووجهها مصفر وجدها يقلق عليها وتخرج الى الشارع لتتسلى وتسلو فتمشي وتقعد عند جدار هنا أو هناك وتزور محل الوراقين وتتجول ، حزينة بالطبع ، وتتأمل قليلا وتتذكر حينا   وتطلق الاحكام وتسيطر عليها تحيزات معينة  .

( قالت ابنة خاله انهن ارسلن في طلب ابن جميل ..

-     تردد ابن جميل وفي النهاية رفض المجىء

-     ليس غريبا ما تنتظرون من طبيب يهودي ؟

-     يقولون انه مسلم وان اباه قد اسلم

-     كذب لا تصدقي يهوديا ولو تعلق باستار الكعبة ) ص 87

وفي موضع اخر يصف عابد ايضا والي المدينة  ( كان يشبه عظاءة .. انفه من الجانب يظهر معقوفا كانف يهودي ) ص118

وتهتم ليلى دائما بإيراد أوصاف خارجية للأشخاص حولها وكأنما تستدل بمناظرهم على مخابرهم ومن المحير اهتمامها الشكلي بالناس ورسمها اياهم بأوصاف قبيحة ومتعثرة ومختلطة وان كنت لم أقع على اثر فني لتوظيف ذلك الوصف المتعسر في الرواية

 فمثلا تصف ليلى قسورة ( كانت عيناه قد استحالتا رماديتين كعيني جني مخيف وبرزت عظام فكيه وامتلأت شفتاه بلون الدم واستطال ناباه .. كان وجهه قد غدا أكثر رجولة وأكثر حدة والأكثر فتنة بين وجوه رجال لظى ) 38 واي فتنة تلك ؟؟ وقسورة شخص يظهر ويختفي  وسنأتي على ذكره لاحقا.

وتصف ليلى سليمان الوطار وهو الذي غدر بالاخيفش بأنه ( سمج وثقيل وقمىء من عبدة الدينار .. كان احمق غبي لا يفهمني ما من فتاة تفخر بان يكون لها عاشق بشع غثيث له وجه قذر ويظل قذرا مهما غسله .. كتفاه ضيقان وعيناه صغيرتان وجهه مجعد وفيه بثور تشبه الزبيب العفن  وله لغد كبير يده مشعرة واصابعه قصيرة غليظة ) ص59

وفي موضع اخر تقول :

( هزأ منه جدي . وقال لي : جد سليمان أتعرفين ما يقال عنه ؟ أتعرفين الضبع؟ ... ثم ان جد سليمان أصيب بالمرض من كثرة شرب الخمر حتى مات لكن الناس يقولون انه تحول الى هذا الحيوان  ) ص 124

( سليمان ما كان كجده ولا كوالده كان له وجه ماعز شرير أحمق في آن واحد ) ص125

وحتى أبو الجود الوراق لم يسلم منها ( كان قصيرا ضئيلا . كل ما فيه ضئيل حتى شاربه ولحيته خفيفان .. كان أصلع الراس أسمر كحبة فول . لم اقل له ذلك قط ) ص72

وماذا عن ليلى ذاتها ؟ يصفها عابد حين يشبهها بالمهر ( هو يشبهك صغير وناعم) ص23

وقال عنها متذكرا (وعلى وجهها الابتسامة نفسها بغمازتين شديدتي العمق وعينين سوداوين واسعتين وشفاه حمراء نضرة وخصلة رقيقة تفر من غطاء شعرها ... كفها الممسكة بالمغلف بضة ...) ص31

 

دعونا نصحب (عابد)  ، ونطلع عن كثب ، على طريقة سرده من خلال تداعي الأفكار ، فالفكرة تأخذه الى أخرى  :

يخبرنا عابد بانه قد فر وتواعد على اللقاء مع رفيقيه زياد ويوسف ( يوسف غادر امس واليوم انا ) ويتذكر ليلى التي تركها توا ( ليلى نائمة من يحب يا ليلى لا ينام  ) ويخطط عابد( فسأرسل لها كي تلحق بي ) ثم يحاول طرد القلق (لا يهم لا . لا يهم كثيرا وحدها الحمامات تحفني .علي ان اغادر بسرعة )

(مسدت على شعر حصاني) وهنا يتذكر اين رأى ليلى أول مرة ( كنت أهم بامتطائه حين رأيت ليلى من بعيد .... وعلى وجهها الابتسامة نفسها بغمازتين شديدتي العمق وعينين سوداوين واسعتين وشفاه حمراء نضرة وخصلة رقيقة تفر من غطاء شعرها ... كفها الممسكة بالمغلف بضة ...) ص31

ويتذكر  مجددا بانها الآن وحدها ( تركتها حزينة ...) ثم يعود بالذاكرة الى أبعد (

قبلها تزوجت مرتين.. حين افتتنت بفاطمة كانت اصغر مني بسنة لكنها طفلة الا قليلا .. ماتت خلال الجائحة .. وبكيت كثيرا ثم قررت الانضمام للجند..... فاطمة أسعدتني وأسعدتها . جمانة لا . تزوجتها قبل تسع سنوات .. وجدتها تكرهني وتبين ان والدها زوجها لي رغما عنها ... وطلقتها .. تزوجت رجلا شديد السمرة والنحافة لكن اسنانه البيضاء كانت تبرق... ولسبب لا ادريه تذكرت والدي الذي تماجن صغيرا وبكى من عشق جارية رفضته كبيرا    ) ص32

ويستطرد ماضيا في تداعي حبات خرز أفكاره المبعثرة وبلغة عادية :

( أردت في أوائل سني حياتي أن أكون فارسا ... لكن لم تكن هناك نساء لأنجدهن..وتخيلت أني يجب أن أهدي الناس الى الدين القويم وأيضا لم يكن هناك مشركون في دربي .... وجدتني اعود وانا في الثلاثين من عمري واترك السيف والجند وأقرر أن أبيع الفلوذج..... كانت لظى عندي دوما هي مدينة حبي الأول ....كان اول ما رايت حين عدت هو ماخور في كل شارع  تقدم المواخير النساء ومن طرف خفي تقدم الرجال أيضا ) ص33

ويسترسل عابد ( لا يجرؤ احد على التعرض لنساء المواخير او لفتيانها ...) وتنقله حكاية الى أخرى مشابهة ( كذلك فُعل بأحد اخوة زياد قبل سنين كان اخوه ابيض ذي شارب خفيفي كان والده وجده وجد جده كلهم معماريين لكنه أراد ان يكون قاضيا .....) ويردف متحسرا ( كان لمدينتنا شأن عظيم فيما مضى كان الروم قد بنوها في زمن ما ..لكننا لسنا على طريق الحج.) وعند ذكر الحج يتذكر  القرامطة والكعبة (قيل لم يحج احد السنة الماضية وقيل لا احد سيفعل هذه السنة ....) ص34

ثم يورد عابد معلومات عما فعله القرامطة في الكعبة  في الصفحتين 34-35

ويبدو أن الظلم بالظلم يذكر فيقفز عابد الى ذكر ابن المغيرة  ( وابن المغيرة صاحب شرطتنا لا يتعظ ولا يخاف الله ... والان قتل الاخيفش ... ها قد وصلت البوابة العظيمة وجوه الحراس نصف نائمة ) 36

فكأنما كان عابد يحدثنا ويتذكر، وهو ممتط صهوة حصانه ، حتى يصل البوابة والان هاهو ذا يحاول الخروج من المدينة لينجو من قبضة ابن المغيرة صاحب الشرطة .

 

لمَ أتى عابد على ذكر القرامطة ؟ هل لانه ذكر الحج والشيء بالشيء يذكر ؟  ترى ما علاقة القرامطة بالرواية ؟ وهل كانت حركة القرامطة الا ردة فعل على مظالم وفساد ؟ وعلام خرجوا ؟ هل هم ثوار أم مخربون ؟ تلك مسألة جدلية مطروحة أمام القراءات ولكن ما علاقة القرامطة بالرواية ؟

 

تمضي بنا الاحداث في تسلسل زمني ممتد يمضي الى الامام ، فيُلقى القبض على عابد عند البوابة ويصل خبر اعتقاله الى ليلى فتحزن وتواصل الامتناع عن الطعام وتمرض وتصفر ويحكي لنا عابد انه في سجن القلعة قد واجه ابن المغيرة رئيس جهاز الشرطة ، الذي ( قال : كان الاخيفش يريد تسميمنا فسممناه . استقبلنا بهذه العبارة كان جالسا طويلا عريضا يلبس ثياب العامة وما كان حوله حاشية ) ص52   وكلفهم ابن المغيرة- هو ورفيقاه زياد ويوسف- بمهمة البحث عن كنز مخبوء في طبقات سفلى تحت السجن نفسه وزودهم بخرائط غير دقيقة لمتاهة عويصة وأعطوا مؤونة تكفي لعشرة أيام فقط فإما ان يعودوا بالكنز وإما ان يهلكوا كمن سبقهم .

بعدها يُقتل ابن المغيرة فجأة على يد حارسه الشخصي فارس، بعد ان أمر ابن المغيرة بإعدام اخ لفارس ، بعد الصاق تهمة القتل زورا به ، وتجريمه بقتل الاخفيش ( وتبرر الكاتبة بأن ابن المغيرة غفل عن كون حارسه الشخصي أخاً غير شقيق لرجل أمر بإعدامه ظلما ، لان ابن المغيرة لا يرى رجاله الا أدوات وليسوا بشرا  !!) اما عابد ورفيقاه فسرعان ما يصلون الى الكنز بعد ستة أيام فحسب ، بقليل من المشقة وبكثير من التوفيق ويحملون الدناير الذهبية برغم ثقلها ويخرجون بكل يسر من باب النجاة  وسرعان ما يبلغهم نبأ مقتل ابن المغيرة  فتزول الغمة ببساطة !

 فلا نوازل ولا نكبات ولا خراب !! بل يعود عابد الى أحضان ليلى محملا بالدنانير وتخرج ليلى فورا لتجهز نفسها للعرس.

ويأتي وصف التسوق والذهاب الى الخياطة وانتقاء الفستان وغيره الخ مضحكا وركيكا وبلا أي تحبير او معنى !  

ويرسل والي المدينة رسولا يطلب حضور عابد اليه بكل تقدير واحترام ليطلب منه أداء مهمة احضار مخطوطات سحر وطلاسم ( ليفك سحرا ألم به ويمنعه النوم ) الا ان الوالي يموت في حينه وتوه و في حضور عابد ( ويتضح بان أبناء الوالي الثلاثة كلهم مسخوطين ومشوهين وبُكم وان الخليفة مشغول وسرعان ما يموت هو أيضا لاحقا !! ولست اعلم ظروفا أغرب ولا أطيب من ظروف زمانهم.

حتى أنني أعجب لهم ، لمَ تجشموا ( أقصد جماعة الاخيفش السرية ) صنع السم ووضع الخطط ؟ والخليفة والوالي ورئيس شرطته ، تولت أمر ازاحتهم تدابير قدرية؟

وقد عجبت لتصريح الكاتبة نورة محمد فرج في صحيفة الوطن بتاريخ 6 ديسمبر 2016  بأن الرواية بوليسية ! فأين السر والتشويق والغموض ؟ والكاتبة ذاتها لم تشغل نفسها بالأمر ولا نقّب عن قاتله عابد ولا ليلى . وسرعان ما كشفت زوجة الاخفيش عن اسم قاتل زوجها أمام  ليلى وأخبرتها بأنها تعلم يقينا بأن سليمان الوطار كان الشخص الذي كلف بقتل زوجها وكانت خائفة منه ومن صاحب الشرطة ابن المغيرة فهو الذي أصدر أمر قتل زوجها ودبره ( وقد استنتجنا نحن القراء ذلك منذ أول الكتاب عندما أخبرنا عابد بأن الاخفيش يخفي عنده نبتة السم ، وأنه ضالع في المؤامرة ضد الوالي وصاحب شرطته  )

ومن الجدير بالذكر أن ليلى كانت تتجول في شوارع لظى في غياب عابد وزارت دار الوراق ابي الجود . ولسوف يطلعها أبو الجود على مخطوط نادر وجد في جرار مغلقة في كهف اسود ويخبرها بأنه سفر رؤيا لوقا . ويفتح لها الصفحة الأولى ويمضى ليحضر لها شرابا لأنها حزينة ووجهها مصفر الا انها سوف  ترفض شرابه لانهم في نهار رمضان. وتحكي لنا ليلى في يومياتها الرمضانية

(أردت ان اشغل نفسي كيلا أبكي أمام الناس أخذت السِفر المكتوب باللغة العربية ... عدت وقرأت الجملة .... هنا بالقرب من لظى مدينتان أقطع وراحم .... هي ذي روح الرب تهب على مدينتي يقطع وراحيم وما بينهما ... قم وغادر هذه الأرض واخرج نقيا انهم قوم تتفلت من دورهم البغايا ويقبض كل رجل ثمن أخيه يأتي الشيطان الى واحدهم فينصت اليه .... فلا تطلع الشمس عليهم الا وهم يعبدون ذهبهم يقدمون له القرابين من أولادهم ولا يكلمون بعضهم الا شعرا ويسودهم ملك ظلوم .... وهنا تأتيهم رجسة الخراب وصرخة العذاب ... وتغضب عليهم الشمس والقمر والريح والجبال والماء والحجر الخ ) 106-107

وتحدث ليلى نفسها ( يا ربي أهذا نحن هل المكتوب وعيد حقيقي ؟ *او هو تهاويم من كتب هذا السفر ؟ أهذا اثمنا وهذا وعيد الله فينا؟ ) 107

وتخبرنا ليلى بانها سألت الوراق :

( أهذا نحن ؟

**غم على وجهه

قال : لست اعلم . احبار اليهود يتقولون كثيرا على الأنبياء

..... قلت : يا ربي يصعب في كتبهم أن تفك الحقيقي عن المختلق ) 108

*( أم هي )

**( اللفظ هنا في غير موضعه

كتبهم ؟؟  حقا كتبهم يا ليلى ؟ هذا ما تقوله ليلى وتنسى أنها الشخص الذي يسهم في اختلاق وتزييف ما تحت يدها من مخطوطات جدها !

 ويخبرها أبو الجود (ان لظى مدينة ليست قديمة .. جاء أجدادنا وسكنوا هذه المدينة منذ قرابة مئة عام وحسب . قلت : لكن القلعة قديمة ألم تكن منذ عصر الروم ؟

قال : القلعة قديمة لكنها هجرت مرات ومرات دمرت كثيرا واعيد بناؤها كثيرا

قلت: أجل دمرت ... ألم تكن لظى مجرد خرائب لما جاء أجدادنا وسكنوها ؟

قال : ... ان لظى بنيت فوق مدينة أخرى قديمة

قلت : اذن من دمر المدينة القديمة ؟ او المدن القديمة ؟ الحروب فقط ؟ ام أسباب أخرى .... وهل الآثام المتفشية فينا بالقدر المكتوب هنا ؟....

قلت : من هو هذا الذي سيمر بهذا العذاب وهل رجسة العذاب مجاز أيضا ام هو خسف حقيقي كما حل بالأقوام البائدة في القران ؟) 108-109

ليلى التي تسأل هنا وتحلل ما تسمعه وتقرأه  ولديها فضول أو قل أكثر من فضول لا تظهر بهذه الصورة في سائر الرواية بل تخلي المكان لليلى أخرى ، ليلى واهنة وسطحية ومدللة وتائهة.

ويظهر لنا أن ليلى لم تصدق تلك النبوءات التي توعدت بالشر المستطير ولم تلق لها بالا مطلقا لأنها هي ذاتها أكبر مدلسة ومزيفة للمخطوطات لذلك لم تتوجس شرا أو تغتم بسبب تلك النبوءات وراحت تنفق دنانير عابد التي غنمها من سرقة قبو سجن القلعة وأخذت تنفق بسخاء على جهاز عرسها من اقمشة وجواهر وخواتم ونعل وخلافه.

 

لا نعلم لمَ اختارت الكاتبة تحديدا ذلك الزمن بالذات ؟  رمضان وخواتيم سنة 319 هجرية !!

وهب أن القارئ ذهب يبحث في أحداث تلك السنة بالذات ! فما الذي يضيفه ذلك على ما حدث في الرواية  ؟

ان كل العصور الإسلامية ومنها العهدين الاموي والعباسي ، كانت عصورا  فيها سنوات متلاطمة الأمواج  وكلها فتن ومفاسد وشغب ومظالم وكذلك ما تلاها

فلمَ لا يكون زمن الرواية هو أي زمن وأي عهد من القرن الرابع الهجري أو سواه من القرون ؟ قبله أو بعده . لمَ تحديد تلك السنة وذاك القرن ؟ وكيف وظفت الكاتبة ذلك القرن وتلك السنة في هذه الرواية ؟

هل استخدمت الكاتبة التاريخ حقا ؟

 هل اتكأت عليه قليلا ؟ أم أنها جعلته ديكورا فحسب واستعارته مناخا ؟

ليس ثمة وقائع أو معطيات تاريخية بعينها تم إعادة بنائها أو اسقاطها على الزمن الراهن ! ليس هناك الا تفاصيل ترسم وجها وطابعا استشراقيا للزمكان العربي حيث الطقوس والطلاسم والغموض والسحر ورقص النساء والشعر .

 اننا لا نجد "تاريخا" في هذه الرواية التاريخية الا اننا نستعيد المناخ التاريخي ممثلا في الأسماء والطقوس والالقاب وذكر بعض الشخصيات والوقائع بشكل عرضي غير مؤثر في الحدث او الشخوص .

 ولا نقع على مكان ولا زمان بعينهما في الرواية ولا نجد أمامنا شخوصا لها حيثية وكينونة وملامح .لا نجد الا شخوصاً ورقية ومهلهلة وبأوصاف خارجية متداولة او مبتذلة  !

لا نكاد نلمس تلك الشخوص الشبحية ! ولا نكاد نتحسس بأيدينا الاخفيش ولا ليلى ولا عابد فضلا عن قسورة او ابن المغيرة أو الجد أو الوراق أو الوطار فكل واحد منهم فكرة أو مسمى أو صفة فضلا عن أيٍ من الأسماء الهامشية الأخرى مثل يوسف وزياد وسعيد وفارس وزوجة الاخيفش  فكلهم هامشيون وباهتون أما صديقاتها فهن فوق ذلك زيادة عدد !

ولنتحدث عن قسورة . انه صبي كانت ليلى تلعب معه ( فكان يخصني بالحديث الطويل حين يراني حكى لي كيف يكاد يصبح الأول بين جراحي بغداد واخبرني كيف يشرح الجثث ... وقال انه سيكون ذات يوم قادرا على ان يستبدل بقلب البشري قلب كلب كان دوما يقلقني وكنت احتاجه أحيانا واكرهه أحيانا كان يكيل المديح للجميع ولا يذم أحدا وله نَفَس انثوي شيطاني ) ص38

وما هو النَفَس الانثوي الشيطاني يا ترى ؟

( وراعني اكثر قدرته على بيع كل شي مثل والده واكثر كان اول ما بلغ الحلم يبيع الكتب لجدي ... واختفى مرة ثم عاد قال انه ذهب الى مغارة هارون ... ثم عاد ومعه حجر عريض لم نر مثله .... بعد مضي أيام باع قسورة هذا الحجر باعه مقدار وزنه ذهبا كما قال . كان يخيفني ذاك منه .... الغريب انه ما كان همه النساء بخلاف المنتظر ممن كان في جماله ....كان يرى جيدا حين يأتي مدينتا يراه النساء والرجال جيدا اذا ما مر في الطريق  راجلا بهيبة ام راكبا بعظمة .....ذات رحلة قبل سنتين عاد وقد احضر معه شجرة زرعها عند باب اهله كات لها أوراق او اثمار متجاورة واحدتها كوجه بشري يصرخ ) ص 38 – 39

تقابله ليلى مصادفة وهي تشترى فاكهة ويكون في حالة تشبه الاختناق

( قال : كنت قد فَجُرت بها فقتلها أبوها وغادر مع أهله فجرا وبقيت لا أعرف لها قبرا ....ثم قال وهو ينظر غيني : ان هلك عابد فاحضري جسده لي سأشق صدره وأخرج قلبه وأعيده حيا ثم أعيده اليك .

ثم قهقه بصوت عال كشيطان  أخرج من الجحيم . حدقت فيه حدقت حدقت ثم ركضت الى البيت ما سمعت في حياتي مثل هذا ابدا ابدا ) ص 99- 100

والله ولا نحن سمعنا أو قرأنا مثله !!

وبعدها يختفي قسورة ولا نسمع عنه وننساه كما نسيته ليلى والكاتبة  ولا ندري لم استحضرته ليلى وما علاقته بها حقا وكيف يكون لوجوده معنى ولا لحديثه مغزى  أهو سرد فانتازي تهويمي أم انه لا يعدو ان يكون خلطا وهذيانا ورصف كلام ؟!

 

لنعد الى معالجة السرد عند كل من ليلى وعابد ، وهما الاثنان لهما نفس الصوت والنبرة وطريقة التفكير وكلاهما يسرد بطريقة تداعي الأفكار الحرة .. ينتقلان من سالفة الى سالفة وتقدح كلمة ذكرى او معلومة . تقول الكاتبة على لسان ليلى

( نحن الآن في خواتيم عام 319 للهجرة، كان عاماً لطيفاً )


وتردف ( عام الخرائب والنّوازل والبلاءات الصّغيرة ) لعله اذاً التهكم !!

وتقدم لنا ما سيكون الحدث الأكبر !! في كل الرواية وهو  ( قتل سيّدنا الأخيفش ذي الابتسامة الحلوة سيكون وبالاً على هذه المدينة ) (الأخيفش وحده الّذي ما عرف حلاوة الحياة إلا لماماً، إذ حرمه أولئك الآثمون من التّمتع بها)

ولا نرى الوبال ولا تقع النوازل ولا الابتلاءات ! لان لظى مدينة ترزح أساسا تحت الظلم ومفاسد الوالي وقمع جهاز الشرطة قبل مقتل الاخفيش مثل كل المدن والولايات في الخلافة المترامية الاطراف .

أما الاخيفش- أيا كان - فهو شخص لا نعلم له أي أهمية أو مكانة حقيقية فهو ليس قائد ثورة ولا صاحب حركة ولم نلمس له أي نشاط أو هالة خارج تضخيمات لغوية وعاطفية !  فكل ما هنالك أن جد ليلى قد أصابه حزن وأن عابد ناله خوف وفزع فأطلق ساقيه للريح وهو أمر طبيعي لأنه كان ضالعا في جماعة الاغتيال السياسي التي كان يرأسها الاخيفش .

ولست أستغرب حين تصرح الكاتبة لصحيفة الوطن ( وعندما قررت تدوينها، كتبتها في 12 يوما)   بعد أن أوضحت الكاتبة بان (روايتها «ماء الورد» جاءت بعد قراءات وتراكمات انطلقت منذ عام 2007)

ولكني استغرب انها تعتبرها ( «تاريخية، بوليسية ورومانسية») وقد نوهت نورة فرج بحسب الصحيفة ( بأن كتابة الرواية بخلاف كتابة القصة أصعب وأحلى.) المصدر : الوطن 6 ديسمبر 2016

أقول ذلك لان هذه الرواية القصيرة ( النوفيلا ) ليس بها أي حدث رئيسي فعليا ولا توجد بها شخصيات حقيقية تصمد للتحليل ، ولا يوجد الا تداعي الأفكار التي تشبه حديث النفس للنفس او الهذيان وهناك استعراض لمعلومة او اثنتين قد أتى جزافا وكيفما اتفق . وهي قطعا ليست رواية تاريخية ولا بوليسية ولا رومانسية .

 

تأتي انتقالات السرد انثيالا حرا للأفكار بلا خطة ولا توجيه تقريبا، بحسب تداعيات الذهن ، من كلمة لفكرة الى ذكرى الى معلومة من التاريخ.

وهكذا كان الامر عليه منذ البداية :

( نحن الان في خواتيم عام 319 للهجرة....)

وتعلن ليلى مقتل الاخفيش

وتخبرنا بان من قتله ( كان عاشقا لي وما عشقته لدمامته ورداءة شِعره )

وتتحدث الينا ( اسمي ليلى واسم مدينتي لظى  قيل هي لظى لانها تتلظى بالشمس .....

 أما القلعة، قلعتنا المبنيّة فوق جبل، يقولون إنها بُنيت قبل الإسلام، في عهد قديم جدّاً،

 وأنّ الرّوم قد استوطنوها حيناً من الدّهر....


مدينتي فيض شعراء، وكما يعلم الجميع فما يتبعهم إلا الغاوون، وهم يقولون ما لا يفعلون،

 لأنّهم لا يفعلون إلا أفعالاً موسومة بسمة واحدة، المجون المملّ. مع ذلك، لا يكف أهل

 مدينتي عن القول إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، حين أُسري به من البيت الحرام إلى

 بيت المقدس، رأى من فوقٍ مدينةً أعجبته، فسأل جبريل عنها، فقال: هي لظى. فقال

 الرسول الكريم: اللهمّ حرّم لظى جهنّم على أهل لظى.


قومي كذّابون!

ذات مرّة لما كنت صغيرة قال لنا معلّم الكتّاب إنّه وجد دنانير ذهبيّة من عمر سيّدنا نوح

 في عظام بقرة! فصدّعت رأس جدّي وأنا أحثّه على البحث في عظام الخراف والحمير

 لعلّنا نجد شيئاً.

جدّي من قبل ذاك كان يكره معلّمي الكتاتيب، يقول إنهم معلّمون أفّاقون، لا يعلّمون غير

 الأولاد الّذين يأتونهم بالقِصاع والفواكه، أما الكُتّاب فقد كرههم جدّي أكثر، كان يقول إن


الكتّاب حرباوات سمينة، وأنتَ يا جدّي؟


قال: لما كنت أصغر كنت حرباء سمينة، غير أنّي توقّفت، غفر الله لي ما تقدّم من أيّامي.


الآن أنا في الثّامنة والعشرين من عمري، مات والداي قبل أن أراهما، وتزوجتُ صغيرة عن

 لحظة حبّ سريعة برجل ذي هيئة حسنة، لكنه كان مملّاً حتّى كاد يصيبني بالمرض، ثم

 إنّي فزعت من أن يكون لي أبناء يشبهون والدهم هذا! وفزعت أكثر من أقضي حياتي

 كلّها في سأم معه. أردت الطّلاق فطلّقني منه جدّي. كم كانت حكاية سخيفة! لكنّي عشت


 حياتي عند جدّي كأميرة فقيرة، أفعل ما أشاء حين أشاء. كثير من المخطوطات، كثير من

الرّقص والغناء بصوتي النّشاز المدلّل.


ما علينا، بدأ كلّ شيء صباح الأول من رمضان 319 للهجرة، كانت الشّمس فيه رقيقة،

 وكنت جالسة أمشط شعري، بينما جدي يفتح باب البيت ..


شرّع إصبعه الطويل العريض، وتتبع به السّطر تلو السّطر يبحث عن رواية ما.

...... وسمعنا هاتفاً يهتف من بعيد: مات الأخيفش ) ص 10-13

ليس ثمة أي أسرار غامضة في الرواية ! هناك أحاديث عن تماثيل وكنوز وسحر وطلاسم

 ونبوءات ولكن مامن أسرار  !

ففي الصفحات التالية لحديث ليلى  ، يخبرنا عابد ان الاخفيش كان يستزرع نباتات سُميّة في حديقة في بيت عابد ( هذا علم قرأته بلغة أهل اليونان ) ( يعرفون كيف يجعلونها مميتة ) ويتضح لنا ان السم للوالي وصاحب الشرطة ويحدث عابد نفسه متحسرا حين يستحضر الاخفيش في مخيلته معاتبا ( قلت لك ان عنده في حاشيته من يتذوق الاكل عنه ) ص18

وقد كان الاخيفش يرسل اليه دراهم في خرقة خضراء فيرسل اليه عابد بالسم . وندرك بالطبع انهم قد كشفوا امر الاخفيش فقتلوه بسمه وان (عابد) قرر الفرار لان أمر صاحبه انكشف لصاحب الشرطة.

( لم يقتل أي منا ، لكن امس انت قُتلت اول رمضان . كنت نقيا لطيفا تقيا مثلك لا يموت

 الا في رمضان. هم يعلمون عنا جميعا ؟؟ )ص 18  

وتصف ليلى الاخيفش  وصفا سطحيا بائسا ( للاخيفش وجه من يُنسى ... كان ضئيلا وكانت زوجته جميلة ....

( لم يكن الاخفيش يعجب العطارين ولا اهل الصيدلة ) ص 14

ويقول عابد ( انا عار هنا بلاك أيها الاخيفش ) 16

 

وهاكم مثالا لتداعي افكارها في حديثها السردي:

 

تحكي لنا ليلى عن عابد  :

( اسمه عابد بن محمد .. البصري النجدي .. هكذا قال لي وهكذا قال جده الذي كان

 واحدا من نسابتنا يقصده قوم كثيرون من خارج البلاد وكانوا يغادرونه راضين دوما قال

 لي عابد ان جده كان نسابة نصف صادق نصف كاذب ...... عابد محاط بالكاذبين

أولهم جده واخرهم انا .

قبل شهور قليلة كنت عند الوراق ابي الجود في دكانه يومها كان ثوبي ازرق كلون موج

 البحر الذي رايته مرة وحيدة في حياتي تلك حكاية لا تهم الان.


  المهم ...كنت سمعت عن كتاب يماني حول أصحاب الاخدود ....ما ان تناولت الكتاب

 حتى سمعت ... ما للنساء والكتب ؟....... قلت وما تلك بيمينك ؟ .... قلت : كتابك

 هذا لولاي انا ما كنت حملته ما قولك يا عمنا أبا الجود قال هذا صحيح هي من نسخته

 لي  ) 20-21

وارسل لها عابد مع الخادم فالوذجا ورسالة مكتوب فيها ( يا ليلى ارحمي القتلى )

(لم تمض أيام حتى اخبرني صاحب الفلوذج انه يريد الزواج مني ) 22

ثم جاء عابد خاطبا مع اهله واحضر لها مهرا هدية . تصف ليلى المهر  :

( كان المهر اشهب ابيض من بعيد تبدو فيه ظلال حمراء خفيفة واحيانا تتحول زرقاء شعره أسود رمادي قال عابد اسمه شهاب وهو يشبهك صغير وناعم شعرت بالخجل وسكت وتمنيت ان يسمعني مزيدا من الغزل ) 23

 

 

وتحكي ليلى اعترافا خطيرا ينبغي ان يستوقفنا طويلا  :

( استلقي على فراشي عابد السوء الذي يشبهني مثلي راوية السوء كان جدي حين يتعب

 يملي علي أحيانا قليلة بدلا من ان يكتب بنفسه ويجعلني انسخ دائما كل كتاب ..كنت

 اعلم ان جدي يشعر بالسأم بعد الانتهاء من وضع كل كتاب ولن يعاود قراءته لذا كنت


أتسلى بدس الاخبار مختلفة على السنة رواة مختلفين


 وكأن شياطين صغيرة تثرثر في راسي


 فاكتب ما أشاء في مخطوطات جدي ) ص27


( انكشف امري مرة ... وما استطاع جدي ان يجعل اللوم على ذاكرته .. ولو انه كف

 بعدها حول جدوى ذلك بالنسبة لأخبار معظمها من خيالات الشعراء ولا ترد الا على لسان

 السكارى والاوغاد . أنبني ووبخني كما ينبغي ثم سكت عني فقد أعجبه ذلك ) 27


 ولعل ذلك الاعتراف هو أهم فكرة جاءت في الراوية قاطبة ، اذ ان تعدد الروايات في الخبر الواحد واختلاف الأقوال بل تناقضها وتضاربها موجود قائم في كل الحقول في التاريخ والادب والشعر والفقه والسير واعلام الرجال وكل التاريخ الذي لا يعدو ان يكون

أخبارا تاريخية، ولا يختص الامر بالإسرائيليات ابدا بل يطال ويعم ويغلب على كل ما بين

 أيدينا . الامر الذي يتطلب منا رفع الموثوقية واليقينية في طرق التفكير ومناهج البحث ونفض التاريخ وكافة الاخباريات ، نفضها نفضا للاعتراف ومواجهة ما نحن بصدده من التلفيق والاختلاق والكذب والدس والانتحال والمبالغات .

 

ومسالة دس الاخبار المكذوبة مسألة مهمة في الرواية الا اننا لا نعلم  فيما يخص تدليس ليلى واختلاقاتها ما طبيعتها ؟ وفيم اختلقت ؟ وكيف ولمَ ؟

 لمَ أقدمت على التزييف والاختلاق في نسخها للمخطوطات ؟ هل كانت تتسلى فحسب كما قالت ؟

 أهي ردة فعل نسوية للانتقام من تجاهلها فوضعت كلمتها ودستها سرا !! كما نتأمل أن يكون عليه الامر .

لمَ جعلت الكاتبة من أبي الفرج الاصفهاني سارقا للأغاني التي كانت مخطوطة اشتغل عليها جد ليلى لسنوات عديدة كما تقول ليلى  ؟

وتصف ليلى الاصفهاني الذي قدم من بغداد الى الشام ، وانه جاء لظى لأنه سمع عن جدها ( كان جدي سعيدا بمديح الاصفهاني له. لم يسمح مديحا منذ زمن. قال دعوته كي يفطر عندنا اليوم .. انه يجاور القادة والوزراء ولكن فيه فظاظة في كلامه وفي ملبسه ) ص60

(كان جدي قد قال انه سيري ضيفه كتابه ( الجند والقادة ) الذي كان معروفا جدا صرف فيه خمس سنوات  ... وكذلك قال انه يريد ان يريه كتاب الأغاني الذي صرف فيه قرابة سبع سنوات حتى الان وكتاب أصحاب الجن  )ص60

( صرخ جدي : وويلتي سرق الاصفهاني كتب عمري ) ص62

ولن اجادل ليلى ولا الكاتبة بأن التاريخ ساحة أكاذيب وان المخطوطات محل نظر  وان النساخ حرفوا وبدلوا وطمسوا ومسخوا وان الامويين كلفوا كتابهم فاختلقوا مآثر ومناقب وطمسوا أخبارا وأحداثا وكذلك فعل خصومهم العباسيون فاخفوا بدورهم حقائق ووقائع وسلطوا كتّابهم للتلاعب والتزوير والدس والطمس .

الا انه لأمر محير ! أن يتهم الاصفهاني بسرقة كتابه الأغاني !!

فهل اتخذت الكاتبة من الاصفهاني موقفا معينا وتبنت الرأي الذي يرى بأن كتاب الأغاني للأصفهاني فيه من " الطامات والخزعبلات" ما يضر بالتقوى والورع وأن (سهامه المسمومة) قد صوبت للنيل من آل البيت  وانه قد افترى على عائشة بنت طلحة وسواها . فلنعد الى حديث ليلى في يوم ( 3 ) رمضان حيث تعترف

( انكشف أمري حين حاجج احدهم جدي في خبر عن عائشة بنت طلحة ورد في كتابه ، جدي وقف يرد بانه لم يذكر ذلك ، لكن الرجل حدد له الجمل المنحولة بالضبط ، يا لذاكرته ! بل وتبرع بإحضار الكتاب ليرجمه بالحجة وفاز الرجل... ولو انه كف عن التساؤل بعدها حول جدوى ذلك بالنسبة لأخبار معظمها من خيالات الشعراء ولا ترد الا على السنة السكارى والأوغاد  ) ص27

ان كان أبو الفرج الاصفهاني قد سرق كتب جد ليلى ، ومنها كتاب الأغاني فان معنى ذلك ، ان ليلى وجدها مسوؤلان عما وجدناه في الأغاني فهي التي كانت تنسخ المخطوطات وتدس فيه ما تشاء ! واذا هي الوضاعة التي حبرت تلك الاخبار عن عائشة بنت طلحة( توفيت عام 110 هـ ) 

فمن هي عائشة بنت طلحة ؟

جاءت أخبارها في كتب "الأغاني" للاصفهاني، و كذلك "العقد الفريد" لابن عبد ربه، و"سير أعلام النبلاء" لشمس الدين الذهبي، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري، و"صحيح" البخاري . كانت عائشة تقرأ الشعر وتتذوقه وترويه ولها مجلس تقعد فيه ويستأذن عليها الرجال و يرتاد مجلسها علية القوم ويدعى إليه الشعراء . كانت امرأة  تملك أمرها وتعلن عن رأيها وقد روي الأصفهاني: "كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب (ابن الزبير زوجها) فقالت: إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس، ويعرفون فضلي عليهم، فما كنت أستره، والله ما فيَّ وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد".

ولعائشة محاورات مشهورة مع شعراء عصرها، ذكر بعضها في كتابي "الأغاني" و"العقد الفريد".

 

دعونا نصل مع ليلى الى آخر الرواية ، تقول ليلى يوم 27 رمضان ( استيقظت من النوم سعيدة ..ربما انا المخلوق الوحيد السعيد في لظى . لا يهم فقد عاد عابد لي ) ص136

( أمس أحضر عابد معه أيضا بعض الذهب الذي لقيه في القلعة ...دنانير عليها رسومات غريبة غير عربية .... قال لي عابد لعله الاسكندر الأكبر ....دينار آخر عليه امراة يخرج من رأسها ثعابين ...لم يعجبني هذا الرسم .... قبل مجيء عابد كان مرسال السعادة قد جاء يخبرني ان ثوبي صار جاهزا ) 136

( لبست ثيابي وخرجت فوجدت الوجوه لا سوء فيها  . هل هم يدّعون؟ ويخفون قلقهم ؟ لوكان الامر كذلك لكنت شممت هذا القلق حتما

كان يوما ككل يوم عكس ما توقعت ....تجولت أولا ابحث عن نعل يروقني ..

اشتريته وذهبت من فوري لاخذ ثوبي .

اخرجته لي الفتاة ناصعا متلألئا وسألتني ان اقيسه ففعلت وعشقت كل لحظة مر فيها الحرير الناعم على جسدي ) 137

( شعرت برغبة عامرة في أن أمر على أبي الجود الوراق ...لما رآني أشرق وجهه قال : أخيرا تأتين سعيدة . في آخر مرتين جئتِ فيهما كان وجهك مطفأ ... يارب تبقين طول حياتك سعيدة كما أنت الان لا أحب رؤيتك حزينة ) 136- 137

اذا هي النهاية السعيدة عبرت عنها ليلى بلغة فيها ضحالة وبلادة  !

وتنهي ليلى الرواية بحديث القصائد الثلاث الملعونة التي قد أتى ذكرها في اول صفحة بالرواية ، حيث الخازن الذي يحفظ ثلاث قصائد اثنتان فيهما اللعنة وفي الثالثة الموت !!  وقد تسببت في موت الخازن الشاب وأصابت بلعنتها الوالي فقتلته .

 

أما الفقرة الختامية في الرواية فهي خبر طريف ظريف منقول  :

 روي في كثير من كتب الاخبار يحكي بأنهم قد أتوا الحجاج الثقفي ( توفي في رمضان 95 ه ) بصندوق من خزائن كسرى مقفل فأمر بكسر القفل فإذ داخله صندوق مقفل! ‏فقال الحجاج لأصحابه من يشترى الصندوق؟ ‏فاشتراه شخص بـ ٥٠٠٠دينار ‏فقال الحجاج: ما عسى أن يكون به إلا حماقة العجم ‏وعندما فتح المشتري الصندوق وجد رقعة مكتوب فيها (من أراد أن تطول لحيته فليمشطها من أسفل).


وللقراء أن يتدبروا مغزى (!!) الختام 

 


ليست هناك تعليقات: