الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

الكواري والقبيلة


18/12/2007



كتب نورة آل سعد :

أخبرتني باحثة قطرية أنها أثناء جلسة عمل جمعتها بخبير عربي، شرع الرجل في هجاء فصيح للقبيلة على النحو الذي اعتدناه، باعتبارها العامل الرئيسي المعيق للتحضر والتقدم وإقامة المجتمع المدني وتحقيق التجانس في النسيج الوطني! تدرك تلك الشخصية مقدار التركة الثقيلة التي خلفها 'التاريخ'، لكنها لم تحجم عن تنبيهه الى خطر التناول السطحي للمسألة! فالقبيلة عندنا تعد ركنا مهما في بنية المجتمع وتطوره، انها أصل أصيل في قيام الكيان السياسي للأسرة الحاكمة ذاتها، وعامل أساسي في نشوء التقاليد السياسية والقيم الاجتماعية، ومؤثر مهم في هوية المجتمع القطري وثقافته وحراكه.طرح الدكتور علي خليفة الكواري مسألة القبيلة ودورها في المجتمع القطري في بعض فصول كتابه 'تنمية للضياع ام ضياع لفرص التنمية؟!' صدرت طبعته الأولى في يناير عام 2006، فالمجتمع القطري يتكون من قبائل وعائلات عربية استقرت وعمرت مدنا على الساحل. تحالفت تلك القبائل- عسكريا - لرد العدوان ومقاومة الغزو وتكونت لديها أعراف اجتماعية واقتصادية مشتركة، فكان للقبيلة دور سياسي وعسكري. يرى د.علي الكواري ان هناك تقسيما طبقيا في داخل كل قبيلة وعائلة، حيث تنقسم الى طبقتين: طبقة كبار الممولين من الطواشين والتجار وملاك السفن، ثم الطبقة التي لا تملك وسائل الإنتاج وتشمل أيضا فئات الأتباع من الوافدين والرقيق. ويؤكد الباحث أنه كان هناك حراك اجتماعي نشط داخل القبائل والعائلات وحتى الزعامة لم تكن تورث فحسب، وإنما يجب ان تعضدها استعدادات الفرد ومواهبه وامتلاكه لمهارات قيادية واضحة، وإلا انتقلت الزعامة الى مرشح آخر. ثم بدأ ظهور السلطة المركزية ونموها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت بطبيعة الحال تعبيرا عن حاجة المجتمع القطري الى سلطة منبثقة منه تتحدث باسمه وتمثله لدى القوى الدولية والإقليمية وتقود تحالفه الداخلي في الدفاع المشترك ضد الإلحاق أو الغزو. وقد عضدت قبائل قطر وعائلاتها دعوة الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني ووقفت معه في جهوده الاستقلالية عن القوى الإقليمية التي كانت تحاول بسط سيطرتها بالقوة على قطر، وتجلى ذلك ابرز ما يكون في حرب الزبارة عام 1937 وهو تاريخ تطابق السلطة القطرية فعليا ونهائيا مع الحدود الجغرافية لشبه جزيرة قطر، على حد تعبير الكواري. وفي ذلك الحين تمتعت القبائل القطرية وعائلاتها بقدر كبير من الاستقلال في إدارة شؤونها الذاتية من دون تدخل أي سلطة مركزية ومن دون تحمل أي أعباء مالية، وشكل هذان الأمران أهم شرطين لكيان القبيلة، اذ كانت تقاوم التدخل في شؤونها والتسلط عليها بفرض الإتاوة او الجمرك وكانت تحبط تلك المحاولات بالهجوم الدفاعي او الهجرة والنزوح داخل قطر او خارجها، إن اقتضى الأمر. وتؤكد لجنة تاريخ قطر أنه لم تنشأ في عهد الشيخ جاسم بن محمد اي ادارة جمركية ولم يحصل أي جمارك. يقرر د. علي الكواري ان مجتمعا قطريا قد اكتمل تكوينه قبل بداية عصر النفط، لكن ذلك المجتمع كان ضحية التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على بزوغ عصر النفط بكل تبعاته وعلى رأسه الخلل الإنتاجي بسبب الطبيعة الريعية للاقتصاد والخلل السكاني الذي تفاقم باطراد ونجم عنه فقدان النسق الاجتماعي العام، وكل ذلك انعكس - سلبا- بتداعياته على المجتمع من حيث توجهه الإنتاجي وتجانسه الثقافي وتماسكه الاجتماعي، وأدى الى تفكك المجتمع وانحلال حلقاته نتيجة فقدان التفاعل الاجتماعي بين أفراده وجماعاته، ومن ثم تآكلت المكانة السياسية للقبائل.. وتراجع دور أهل قطر.

ليست هناك تعليقات: