الجمعة، 2 أكتوبر 2009

نهاية التاريخ


03/10/2009

كتب نورة آل سعد :
عوتبت من قبل الأستاذ محمد القحطاني، لأني لم أتحلَّ بالأمانة الكافية لإيراد «حججه»، ومن ثم تفنيدها. وبرغم ضيق المساحة وخشيتي ان أتهم لاحقاً بالاجتزاء أو إيراد منزوع من سياقه فسأنزل عند رغبته.
يقول القحطاني في مقاله «الدين الخاتم» ان «من يصبو إلى إقامة عمل سياسي أو اقتصادي أو قانوني أو حتى ثقافي من غير أن يستند إلى تعاليم الإسلام، فإنما هو يسعى إلى مناطحة الإله»، ويتابع «لذلك فإن كل النظريات والتشريعات والتحالفات، ناهيك عن الأحزاب والجماعات التي لا تخضع بالقول ولا تقر أن للإسلام وحده السيادة والقول الخاتم في كل ما تدعو اليه وتتبناه، فإنما هي تعلن بلسان الحال قيام المواجهة والمحاربة مع هذا الدين وجنوده المؤمنين»
لعل تحديد مسألة الخضوع بالقول وتوصيفها يتطلب وجود القيّم على المجتمع! وربما على الدين أيضاً! وعنده موازين المعايرة المقننة والمتفق عليها سياسياً واجتماعياً، لكي يتمكن من إطلاق أحكام الاجازة أو المنع على خصومه! تُرى من القيّم العدل؟ وعلام يحتج -دستورياً- للقيام بذلك الدور؟ ومن سيراقبه؟ وهل ستجتاز ذلك الاختبار المبهم الجماعة الإسلامية نفسها بأفكارها وطروحاتها قبل أن تخضع له التيارات الموصوفة بغير الإسلامية سلفاً؟
يتفوق القحطاني على فوكوياما في تحديد نهاية التاريخ، إذ يؤكد أنه قد صدع بها منذ 1400 سنة مضت لأن «نهاية التاريخ عندنا ونهاية الايديولوجيات والعقائد قد حدثت في حجة الوداع يوم عرفة يوم الجمعة»، ربما خانه التعبير فلم تكن تلك نهاية التاريخ بل مفتتحها النوراني، ولم نتسلم مفاتيح الإغلاق بل حمّلنا أمانة الشهادة ووراثة الحضارات الأخرى بما يتعين علينا استنباطه من أدوات التمييز بين طيبها وخبيثها.
ترى ماذا يظن القحطاني في ما أنتجته الحضارة الإسلامية نفسها بعد نهاية التاريخ في تلك الجمعة؟ هل سيعيد مصادرة الكتب ومحاكمة الفلاسفة المسلمين وحرق كتبهم؟ ماذا عن إنتاج المسلمين الفكري والثقافي في عصور إسلامية لم تخل من حركات سياسية وفرق فكرية وحراك اجتماعي لا نكاد نعرفه اليوم؟
يقينا ان الإسلام هو الدين الخاتم ولا يمتنع مع ذلك استمرار الحياة الذي يشهد تراكماً في المعارف في حقول النظريات والتفسيرات والفتوح العلمية والاجتماعية ولا يمكننا الحسم ببطلانها، لأنه لا يمكننا الجزم بمناهضتها للإسلام أو حتى للدين لا سيما في ظل غياب ذلك القيّم العدل!
يؤكد القحطاني في مقاله «الوسيلة والغاية» قبوله الديموقراطية كخيار إجرائي، لأن الشعوب المسلمة «اختارت الديموقراطية وسيلة، والإسلام غاية»، ويأتي ذلك القبول مباشرة بعد رفضه آنفاً للعلوم والنظريات والتحالفات والأحزاب وكل ما هو معاد للإسلام!! سنفترض أن الديموقراطية أصبحت مأمونة اليوم -وان كانت بالأمس القريب من الموبقات- باعتبارها وسيلة لتحقيق مآرب سياسية لفكر إسلامي بعينه، فأي فكر هو ذاك؟ يقول القحطاني «لقد سلمنا رقابنا وزمام أمرنا من قبل لمدة تقرب من ثمانين سنة للأحزاب والجماعات والقيادات السياسية التي ترفع شعار الكفر هو الحل»،
تُرى هل عشنا كل تلك العقود تحت ظل أحزاب وقيادات سياسية فعلاً؟ وهل عرفنا الحياة السياسية؟ وماذا قدمت الجماعات التي رفعت شعار «الحل هو الإسلام»؟
ألا يدرك القحطاني كم يتناقض مع قبوله توا بالديموقراطية؟
ان القحطاني قانوني وناشط حقوقي مشترك في دورات منتظمة في ما يسمى اللجنة الدائمة للانتخابات -برغم عدم تحديد موعدها في قطر- لذلك، فإن المرء يتوقع أن يكون طرحه قانونياً أو على الأقل منحازاً إلى الحقوق السياسية لجميع المواطنين على اختلاف مشاربهم، وأولها الحق في تكوين الأحزاب.
بينما سعى إسلاميون كثر إلى تأصيل تلك المبادئ والتصورات والقواعد التي تضيء في كنوز الحضارة العالمية، وكشفوا عن أسبقية الإسلام إليها، يختار القحطاني أن يقودنا خلال غابة من الاكلشيهات التي تحجب الرؤية عما وراءها من معضلات فعلية تكتنف الواقع وترزأ بها الجماعات الإسلامية.

ليست هناك تعليقات: