الجمعة، 30 يناير 2009

صبه .. رده


31/01/2009

كتب نورة آل سعد :
صدرت توجيهات حكومية في قطر بدمج العديد من الشركات المدرجة ببورصة الدوحة، باعتبار ذلك الخيار الأمثل، وربما الوحيد ، في الأفق المنظور في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالعالم وأدركتنا تداعياتها بالرغم من كل التصريحات الرسمية التي نفت تأثر السوق القطري بتاتا!ومن أشهر تلك الاندماجات ،تلك الصفقات الثلاث التي شهدتها السوق المالية خلال الآونة الأخيرة وعلى رأسها اندماج شركتي بروة والعقارية، ويشاع أن ثمة مشكلات مالية تواجه شركة بروة نظرا لاضطلاعها بالعديد من المشاريع العملاقة والممولة من البنوك! وبما ان دولة قطر تملك الحصص الأكبر في كل الشركات التي تزمع الاندماج ،مثل الميرة ومواشي وبروة والعقارية، فان من حقها بالتالي اتخاذ اي توجهات مثل: التوجه الى الاندماج، ولن يكون لرأي المساهمين في مجالس الادارة أي أهمية تذكر اذ يبدو ان تلك الشركات - في نهاية المطاف - تندمج مع نفسها! وبصورة اضطرارية بهدف انقاذ ما يمكن انقاذه! واذا كانت شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري تملك ما يشكل 45% من رأس مال شركة بروة، فان اندماجهما معا يعد تحصيل حاصل! وبالرغم من ان الامر لم يزل - كما اعلنت الصحف - في طور الدراسة المتأنية والاعداد، ولم تتضح كيفية الاندماج عمليا فإن الصحف عاجلتنا بالتبشير بنجاحها سلفا! على ألسنة الأشخاص الذين اختيروا لاستطلاع آرائهم! في حين لم يتم الاعلان بعد عن برنامج زمني يحدد موعد نتائج دراسة دمج تلك الشركات. لقد اعلن قبل حوالي شهرين عن اندماج شركتي النقل البحري والملاحة مالياً، ولكن الاعلان منذ اسبوع فقط عن الاندماج بين شركة الميرة للمواد الاستهلاكية والشركة القطرية لتجارة اللحوم والمواشي، أثار استغرابا وتندرا وتكهنات! فقد زعم البعض ان الغرض من اندماجهما هو «التغطية على خسائر مواشي وتحميل الميرة أعباءها ،ورفع يد الحكومة من المساعدة السنوية للمواشي» بينما زعم البعض الآخر بأن «وراء ذلك خللا ماليا في شركة الميرة!».وقد تسارعت منذئذ وتيرة التكهنات والإشاعات بسبب غياب المعلومات التفصيلية الواضحة عن الناس من جهة، وبسبب عدم ثقة الناس في «السيستم» الذي يشرف على اداء تلك الشركات ومحاسبتها من جهة اخرى،! ..لا جرم - اذا - ان مصداقية «الرسمي» تتزعزع ازاء غلبة «الشعبي»، فكثيرا ما تطغى الإشاعة على التصريح الرسمي! ولذلك صار أهل قطر يلجأون الى التندر على مجمل الأحداث والأوضاع ومنها تلك الاندماجات من خلال رسائل نصية متناقلة ومنسوجة على نمط النكت ..التي سبقنا اليها اخواننا المصريون!ترى هل من الممكن خلق تكتلات اقتصادية ناجحة وقادرة على المنافسة عبر الادماج الطارئ والاضطراري وفي ظل مناخ احتكاري وموبوء بالمحسوبية والتسيب والقوانين المتغيرة او تلك التي هي قيد التعديل؟وهل ما يتردد من تحذير من رفع الحماية الحكومية بحلول عام 2012 عن الشركات يشمل ايضا تلك الشركات التي تملك الحكومة اكبر حصصها؟لقد التزمت قطر بفتح أبوابها لأنها وقعت على الاتفاقية الخاصة بالتجارة العالمية , فهل ستتمكن من استيفاء المتطلبات و»تضبيط شؤونها» في اقتصاد يوجه بأذرع حكومية وانفاق حكومي في كل قطاعاته؟وهل ستتوفر الشفافية حتما بحلول ذلك الأمد تلقائيا؟ وما الذي يضمن تدفق المعلومات لجميع الأطراف على قدم المساواة؟ وهل ستتمكن الصحافة يوما من تحليل الأخبار والقرارات الاقتصادية بحرية اكبر بحيث تتعدى تغطيتها مانشيتات الترحيب والتبشير بالرخاء ونفي التأثر بالأزمة المالية، التي يبدو انه لم ينج منها - غيرنا - في العالم!تتوالى الأخبار عن قيام جهاز قطر للاستثمار بمباشرة الاكتتاب وبنسب متفاوتة في مختلف الشركات ووفقا للقيمة السوقية لتلك الأسهم في السوق المالية المصطبغة بحمرة قانية، كأنما ترمز الى دم المساهم الصغير المعجون بين سندان الحكومة ورحى المساهمين الكبار بالشركات!هل ستعمل تلك الاكتتابات على ضخ السيولة وتحفيز التمويل في السوق المالية؟ وهل ستعيد اليها الحيوية ولو مؤقتا؟؟ هل هناك ما يجبر البنوك على تغيير سياستها الراهنة؟ هل ستغير تلك الاكتتابات الحكومية من المعطيات الرئيسية في الاقتصاد ومدارها الانتاج والأرباح التشغيلية ام انها ستكون صبه.. رده؟

غزة والجزيرة


17/01/2009


كتب نورة آل سعد :
... وعادت الجزيرة الى واجهة الاعلام العربي بسبب تغطيتها الحية والمتفوقة لمحرقة غزة المحاصرة. لم يزل البعض منا في قطر يشعر باننا لم نقم باستغلال الجزيرة بما يكافىء ما ينفق عليها من جهة، وما نعانيه من صداع جراءها من جهة اخرى، حتى بثت الجزيرة خطابا مؤثرا لسمو امير قطر وجهه الى العرب والعالم. وفي مساء الاحد الماضي استضافت الجزيرة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، وخرجت جريدة «الراية» في اليوم التالي بنص الحوار كاملا (تقريبا) فضلا عن تغطية لندوة نظمت من قبل ناد رياضي حول خطاب امير قطر.أما رئيس الوزراء فقد بسط عجز العرب، وكشف عن خلافاتهم والشروخ العميقة بين الحكومات العربية فيما يشبه دفاعا مبطنا عن قطر، وهجوما غير مباشر على الدول العربية الاخرى. وبالرغم من ان الحوار ركز على الدعوة الى اجتماع وزاري عربي فقد تجددت بعد يومين من الحوار الدعوة الى قمة عربية بالدوحة بعد مضي اكثر من اسبوعين على الفشل الاسرائيلي في تحقيق اهداف حملته العسكرية بآلياته المتطورة لمنطقة محاصرة ومعزولة، فلم يفلح العدو الصهيوني في اقتلاع حماس، ولا حتى ايقاف صواريخ «غراد» التي بلغت مدى ابعد بعد التوغل البري. وترسخ تغطية الجزيرة حقيقة ماثلة وهي ان الانتصار في بقاء المقاومة التي لم تعد تمثلها سوى حماس السنية، بقطع النظر عن تحالفات حماس وارتباطاتها التي تجعل الكثيرين يضربون اخماسا في اسداس خالطين ما بين ما هو مرحلي بما هو استراتيجي. وقد ألقى أمير خطابا آخر في فجر يوم الخميس الماضي عبر الجزيرة بعيد دعوة مفاجئة للسعودية لقمة خليجية في اليوم ذاته وقال فيها سموه انه بإمكان قمة الدوحة - المستهدفة بالافشال - اتخاذ خطوات مهمة بينها تجميد مبادرة السلام العربية والدعوة لوقف التطبيع مع إسرائيل وفتح جميع المحاور فوراً وإنشاء صندوق لإعادة إعمار غرة كما أعلن عن تبرع قطر بمبلغ 250 مليون دولار.وكان الكاتب محمد القحطاني قد طلب اغلاق مكتب التمثيل التجاري الاسرائيلي في قطر، مستندا الى ان كل اهل قطر وليس اغلبهم فقط مع اغلاقه، ووقف التطبيع المجاني. ولكن اذا لم يستشر القطريون في فتح المكتب المذكور فهل يكون لهم رأي في اغلاقه؟ وقد وجه د.عبد الرحمن بن عمير النعيمي مناشدة الى سمو امير قطر باغلاق المكتب الاسرائيلي، وذلك عبر رسالة في منتداه (المنبر القطري). وعلى الرغم من ان سمو أمير قطر قد شدد في خطابه الاول على ان من شأن عدم إيقاف العدوان على غزة أن يؤثر على علاقة قطر باسرائيل، فإن رئيس الوزراء القطري ربط اغلاق المكتب التجاري الاسرائيلي بقرار جماعي عربي، في حين انه من المعلوم ان إقدام قطر على فتح المكتب قد تم بقرار منفرد كما ان رئيس الوزراء ذاته قد اكد آنفا بأن العرب غير مستعدين لإتخاذ اي موقف موحد فيما يخص معضلاتهم الرئيسية. والغريب ان صحيفة ايطالية قد استقرأت في خطاب امير قطر تلويحا باغلاق وشيك للمكتب التجاري، بينما لم يشر الى ذلك الامر احد من الذين شاركوا في ندوة محلية تناولت الخطاب نفسه!!ونعى د.يوسف الحر على القناة الانكليزية لشبكة الجزيرة فقدانها للبوصلة في تغطيتها لمحرقة غزة، وتساءل «هل جاء إطلاق الإنكليزية بعد نجاح القناة العربية بهدف استكمال اعداد الفضائيات المسيسة في الاعلام الغربي على شاكلة الـ CNN والـ FOX وغيرهما؟». في حين لفت احد الزملاء نظري الى الحالة «اللامعيارية» الطاغية التي تصطبغ بها الاوضاع والخطابات السياسية، فهناك فراغ كبير لن تملأه زئبقية الموقف العربي واستغراقه في «السمسرات» والمزايدات المتبادلة! يقلقني تصريح العاهل الاردني للجزيرة منذ اكثر من اسبوع بان ما يزعجه هو ما بعد غزة! لقد احسست في مناسبات واحداث لا تحصى بان التاريخ لا يتحرك! اما وقد ترددت في الافق ملامح انهيارات وانكشافات جديدة، فانني لا ادري الى اين نقاد؟ وهل ذلك هو التحرك الذي يستبطن تغييرا منتظرا للعالم بعد غزة؟

الرواية النسوية في الخليج


27/12/2008

قطر الندى


كتب نورة آل سعد :

ترتكز موجة روائية فضائحية تقودها المرأة في الأدب الخليجي على «ثيمة» الجنس، ليس بوصفه حاجة او رغبة فحسب، بل باعتباره محورا أساسيا لفعل الإنسان وأفكاره ومواقفه. لم تعد المرأة في الخليج تستخفي وراء أستار الحب العذري، بل أصبحت تتحدث عن تجارب وخبرات جسدية سوية ومنحرفة.تتلمس الكتابة النسوية في الخليج طريقها نحو المعاناة الخاصة، فقد غدت كتابة من منظور المرأة عن نفسها ووسطها وعالمها! وأصبحت الكتابة ذاتها موقفا تتخذه المرأة ضد «الآخرين»! انها تجربة خاصة بالكاتبة، ولكنها متعلقة بجنسها الأنثوي أيضا. لم تعد المرأة الكاتبة تلحق نفسها وقلمها بركب مشروع سياسي او اجتماعي! ان المرأة اليوم مشغولة بذاتها لا بالعالم، ولا ينفي ذلك تأثرها البالغ بواقعها وقواعده ومحدداته، ولكنها لا تتجه إليه، بل الى تلك الحجرة المغلقة في داخلها، متجاوزة طبقتها ومجتمعها وظروفها لان ذلك هو السبيل الوحيد للتحرر او.. الهروب. ان استحواذ المرأة على المشهد القصصي، واستئثارها بالسرد الروائي تقريبا يدعوان الى الغوص في سيكولوجيا الذات النسوية والأسباب الاجتماعية لتمردها الجسدي. لقد عدت المرأة دائما جسدا! وها هي ذي تعيد ذاكرة الجسد وتفتح الأبواب المغلقة عليها.. ودونها! لقد عبّرت المرأة دهرا عن الأصوات الأخرى، وقمعت صوتها الداخلي وذاكرتها الخاصة، وآن الأوان لكي ترسم هي ذاتها هويتها العاطفية وتبسط تفاصيل ذاكرتها ووعيها لنفسها وجسدها وعالمها الأنثوي.لقد صدرت منذ منتصف التسعينات نحو 300 رواية سعودية، فضلا عن الروايات الأخرى في الخليج، وقيل إنها أنتجت كثيرا من الجنس وقليلا من الأدب، وقد كتبت المرأة بالذات أكثر الروايات شهرة ورواجا.ينعى عبدالقادر عقيل على إبداعات المرأة العربية في الوقت الراهن أنها تتنكب محاكمة الواقع السياسي والاجتماعي، وتتجه بقوة نحو اتخاذ الجسد محورا مفصليا ومعبرا عن «ترددات الحرية». ذكر عقيل عددا من الروايات واصفا إياها بأنها أعمال جادة أغنت المنجز الروائي العربي، بيد انه شدد على ان النجاح الذي حققته تلك الرواية النسوية دفع الكثيرات الى ارتياد الدروب السهلة على حساب المبنى العام للعمل الفني. لا شك ان الجسد يروج لتلك الأعمال من دون سواها، لان عددا من النصوص الإبداعية في الخليج لم تطبع الا مرة واحدة!! وبعضها كان إبداعا لافتا ونال حظا من الدراسة والتحليل النقدي، ولكن من دون ضجيج او رواج. لست أنكر أن «الرواج» يتعلق بأمور عديدة ليس لها علاقة بالأدب الجيد او الرديء، مثل طبيعة السوق والأوضاع العامة وذائقة القارئ العربي وظروفه الاجتماعية والسياسية.وفي معرض حديث د. عبدالله الغذامي عن العلاقة الوثيقة بين التنويرية والجماهيرية، وصف الروائية رجاء عالم بأنها كاتبة ارستقراطية، في حين عدّ رجاء الصانع «سواليفية»! وقد راجت بنات الرياض لرجاء الصانع لانها واقعية في طرحها وممتعة ومبتكرة، على حين كسدت روايات رجاء عالم لانها متمنعة ومجافية للذوق العام الذي يحبذ السردي والحكائي على فنون الترميز والغموض.أريد القول أخيرا ان الرواية، التي تستند الى وصفة الجنس وحده بصورة مقصودة ومفتعلة، ليست سوى كتابة إباحية (بورنوغرافية)! لقد توغلت المرأة الكاتبة في الخليج في مناطق الحظر من دون ان تقدر حقا مقدار التبعات المترتبة عليها، لذلك نجد أسماء تظهر ثم تخبو سريعا، وقد تصفعها قسوة الحظر في الداخل فتنكمش، وكثيرا ما تستتر وراء أسماء مستعارة، وقد تكون مقيمة أصلا في الخارج او منعزلة - طوعا او كرها - عن الحياة العامة. ومن متابعتي لشهادات بعض المبدعات في الخليج، استشعرت - كسواي - غلظة القيود وتعاضد التابوهات السياسية والاجتماعية، وقسوة المعاناة على الأنثى. فهي محض تكوين هامشي في السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. لقد جربت المبدعة في الخليج محطات متعددة، وتنقلت بينها في بحث مضن عن ذاتها، ولكنه كان مجزيا أحيانا، فقد أضحت الكتابة ضرورة أنثوية، لا لكي تعبر المرأة عن مطالبها فحسب، بل لكي توثق تاريخها وحضورها الاجتماعي ووجودها المادي.