الاثنين، 4 يناير 2021

دار الكتب القطرية

نورة ال سعد

 

            في حوالي عام 2002  برزت رغبة في انشاء مكتبة وطنية حديثة والانتقال من المبنى القديم في دار الكتب القطرية وكان هناك بالفعل مشروع قائم لانشاء مكتبة وطنية قد يذكره بعضكم فقد وضع تصميم هندسي رفع على موقع الكتروني وكان الموقع المختار على الارض بجوار موقع البريد العام وقد وضعت الاساسات للمبنى وكان الشكل الهندسي مثيرا للاعجاب ثم ألغي المشروع في حوالي 2008 .

 عندما تأسست المدينة التعليمية فيما بعد،  ظهرت الحاجة الملحة الى انشاء مكتبة مركزية  تتوسط الجامعات الست في المدينة ، لكي يتم توحيد موازنات المكتبات في موازنة واحدة لمكتبة رئيسية تخدم كل طلاب الجامعات وأقيم مبنى المكتبة المركزية على مساحة شاسعة وفقا لاحدث معطيات التكنولوجيا الا انها لم تزود بمواقف فقد كانت تستهدف طلاب الجامعات المحيطة بها كالسوار والذين يتنقلون على اقدامهم .  

ثم أعلن عن خطط المكتبة الوطنية الجديدة في 19 نوفمبر 2012 خلال حفل أقيم بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لمكتبة دار الكتب القطرية ومنذئذ بدأ السعي الى تحويل مكتبة المدينة التعليمية الى المكتبة الوطنية في البلاد . وفي سعيها الى ضم الانتاج الوطني وكل ذخائر دار الكتب القطرية ومقتنياتها، لكي تغدو بديلا عنها جرت محاولات مستمرة من ( المكتبة الوطنية) لسحب قانون الايداع اليها الا ان الاشكالية المعيقة تجسدت بطبيعة الحال في تبعية ( المكتبة الوطنية) الى مؤسسة قطر للتربية والعلوم و تنمية المجتمع  وقد احتجت قطر فونديشن بانها وان كانت جهة خاصة الا انها ذات نفع عام كما ان موازنتها تأتي من الدولة الا الأمور لم تستقم ودفعت -في نهاية المطاف- باتجاه صدور قرار سمو الأمير رقم (11) لسنة 2018 بانشاء مكتبة قطر الوطنية ونشر القرار في الجريدة الرسمية في الرابع من ديسمبر 2018 وذكرت المادة (2) انه تنشأ هيئة عامة تسمى (مكتبة قطر الوطنية ) ويكون لها شخصية معنوية وموازنة تلحق بالموازنة العامة للدولة وتنص المادة (5) على ان يتولى إدارة المكتبة مجلس أمناء يشكل من رئيس ونائبه وعدد من الأعضاء وقد عين د حمد بن عبدالعزيز الكواري رئيسا  وبحسب علمي فان مكتب مدير المكتبة لم يزل شاغرا بينما تتولى السيدة مشاعل النعيمي الإدارة العامة . لقد ذكر في الصحف المحلية بأن المكتبة الوطنية افتتحت رسميا في منتصف  ابريل 2018 وفي خبر آخر انها دشنت رسميا في 8 ديسمبر 2018 بتوقيع شهادة الافتتاح الرسمي للمكتبة وفي خبر ثالث (أعلنت مكتبة قطر الوطنية افتتاحها امام الجمهور في التاسع من نوفمبر 2017 وذلك بعد مرور خمس سنوات على تدشينها حيث اصبح بإمكان كل افراد المجتمع زيارة المبنى الجديد). وقد بدأت المكتبة ذاتها العمل باعتبارها المكتبة المركزية للمدينة التعليمية منذ عام 2011 .



عندما أعلن عن خطط المكتبة الوطنية الجديدة ، كان ثمة مشروع لإزالة مبنى دار الكتب القطرية  الا ان توصية من مؤسسة قطر فونديشن أوقفت ذلك الامر المريع وجاءت موافقة من المكتب الهندسي الخاص بانقاذ المبنى التاريخي وترميمه وإعادة افتتاحه باعتباره مكتبة عامة  كما بلغني على ذمة مصدر من وزارة الثقافة أكد بان المبنى سيكون مكانا لعرض المخطوطات بعد إعادة افتتاحه .

ونما الى علمي كذلك بانه لم تزل هناك مداولات و مشاورات حول مشروع رقمنة الموجودات الثمينة من مخطوطات ووثائق كانت مذخورة في مخازن دار الكتب  وقد تعرض بعضها للتلف . ويبدو أنه بدواعي  تقليص الموازنة خلال السنة الماضية تم الاستغناء عن حوالي نصف الموظفين في قسم الرقمنة لذلك فانه من المرجح ان يتأخر المشروع برمته وقد ينجز- في احسن الأحوال- بعد ست سنوات  !!

تعد دار الكتب القطرية من أقدم المكتبات الوطنية الخليجية والعربية، وقد تأسس المبنى بدور واحد في 1962 واضيف الدور الثاني في مطلع الثمانينيات ويضم مقتنيات نادرة من مخطوطات وخرائط  قدرت باكثر من 1200 مخطوط في الفلك والحساب والطب والكيمياء مكتوبة بالعربية والفارسية والتركية .

وليست المكتبات العامة في البلاد بأحسن حالا من دار الكتب القطرية،  وهذه المكتبات هي : مكتبة الخور ومكتبة الشمال ومكتبة الخنساء ومكتبة الريان (مغلقة بحسب علمي ) ومكتبة الوكرة ومكتبة الشيخ علي بن عبدالله الوقفية (وهي تابعة لوزارة الأوقاف وتعاني الإهمال وقلة الموظفين وضآلة المخصصات )

لم تتحول المكتبات العامة الى نظام المكتبات الرقمية ، ولم توضع خطط لتطويرها وتنمية مقتنياتها وتلبية احتياجات المستفيدين منها ولا الارتقاء بمستوى خدماتها ولم يتسن لها مواكبة متطلبات العصر بإطلاقها لأنشطة وفعاليات ثقافية منتظمة وجاذبة وموجهة لمختلف الفئات تشمل الحوار و المعارض والندوات والمحاضرات والبرامج التعليمية والتثقيفية والورش التفاعلية ! كلا لم يحدث شيء من ذلك !

 وفوق ذلك كله .. ماذا لو كانت هناك نية مبيتة وعزم حثيث على دمج المكتبات العامة بالمراكز الشبابية ؟ ألن يكون لذلك نتائج كارثية على كلا المراكز والمكتبات معا ؟ ألن يعني ذلك دقا للمسمار الأخير في نعش المكتبات العامة ؟

وما معنى ذلك أصلا ؟ كيف يتشارك مركز شبابي ومكتبة في المقر ذاته مناصفة ؟؟ وماذا سيصبح ؟ كوكتيلا ! وهل يعد ذلك من باب تقليص الموازنة أم ترشيدها ؟

تلك المكتبات التي لم تزل بيوتا وفللا مستأجرة بعضها قديم ومتهالك وليست أبنية مصممة ولا مملوكة للدولة ! تلك المكتبات التي لم تزل مجرد ارفف ونظام اعارة قديم وزيارات مدرسية تقليدية ولم يفسح لها المجال قط ان تضع برامج وتقيم أنشطة وجسورا بينها وبين محيطها ! هل يعقل ان ثمة  هدرا ماليا على المكتبات وهي بلا أنشطة تذكر ولا انفاق ؟

تذكروا بأن الصروح  الضخمة ووسائل التكنولوجيا ، لا تخلقان المؤسسات الفاعلة ! وأن (المكتبة الوطنية) في كل مجتمع ليست مخزنا للكتب ولكنها مخزون الفكر وهي ليست مكانا للجمع والواجهات بل لتشكيل هوية وصياغة مشاريع وهي لا تحوي خرائط ومخطوطات مرقمنة بل تحفز الإرث الوطني والإنساني وهي ليست معرضا لتوريد الكتب وتنفيع دور النشر المحظوظة بل لتلبية الحاجات الثقافية والبحثية لأهل البلد وتوفير المنشورات التي تتماشى مع التقدم والعقلانية والانفتاح في حيز عام يتمتع بالحد المعقول من الحريات العامة المكفولة  .

ليست هناك تعليقات: