الاثنين، 7 ديسمبر 2020

الشخصية القطرية



نورة ال سعد


حضرت الجلسة الثانية بمسرح قطر الوطني وكانت بعنوان تحديات واستجابات : (أحداث ميزت الشخصية القطرية ) للمحاضر غانم بن سعد الحميدي . وقد أوجزت المحاضرة وأجملت وللمحاضر أسبابه في ذلك الايجاز وفي تجنبه التام  ذكر أسماء ووقائع وتفاصيل . وفي خلاصته انتهى الحميدي الى نقاط  مهمة هي : اعتداد اهل قطر بأنفسهم وشدد على ان ثنائية القائد والشعب تنتصر دائما في قطر وأكد على بروز النزعة الاستقلالية لقطر. من نافل القول أن استقلالية قطر وسيادتها تستلزم بروز شخصية مستقلة للقطريين رجالا ونساء على حد سواء وتتطلب تحقيق المواطنة بكل أطرها وضماناتها ولعل السؤال هو : كيف يرى القطريون انفسهم ؟


تحضرني هنا لوحات الفنان جاسم زيني (1942-2012 ) فقد كان مدار اهتمامه الانسان في حياته اليومية وعلاقاته وبرزت المرأة في أعماله بصورة رئيسة فالمرأة عاكسة كاشفة لروح المجتمع وجوانيته . وفي كتابه ( العوسج ) تحدث د علي بن خليفة الكواري في مذكراته عن الشخصية القطرية من رجال ونساء ، فالنساء جذور وعلاقات واطياف الماضي ورؤى المستقبل .وكان العنوان ذاته ( العوسج ) موحيا ودالا . قدمت (عوسج ) الكواري القطريين باعتبارهم جماعات متصاهرة ومنصهرة ، متساندة ومتكافلة ، متعايشة ومتساوية . ويجسد علي بن خليفة ، هو ذاته ، تلك الشخصية القطرية ويمثلها أبلغ تمثيل فهو الانسان العصامي المستقل  المعتد بذاته الباحث والساعي وراء المعاني بدأب وتواضع وإخلاص .


يصف القطريون أنفسهم في الادبيات والمجالس بأنهم أهل وفاء وعهد وصبر على الشدائد وأهل الطيبة والبساطة والتواضع ، وقد وقر في سمعي عبارة قالتها د كلثم الغانم في ندوة منذ سنوات قالت :( القطري مهوب مكلمنجي) أما المؤرخ القطري د.محمد المسلماني فقد ذكر في حوار صحفي في 2017  بأن ( الإنسان القطري (هو ) الوحيد الذي لم يغادر للبحث عن كسب الرزق، وكانوا صابرين على كل شيء)


لفت انتباهي في محاضرة (التحديات والاستجابات ) ذلك الارتباك الملحوظ عندما يتماس الشفوي بالمدون فقد ذكر المحاضر انه يعتمد على  الرواية القطرية  بازاء الروايات الاخرى وكان احيانا يرجحها على سواها وحتى على ما ذكرته الوثائق البريطانية مثلا ، كما ذهب في أعداد القتلى في احدى المعارك حيث ذكرت بريطانيا انها فادحة ورأى المحاضر انها بالغت في ذلك .


 جاءت الكتابة لكي تكون سببا رئيسيا لفقدان الذاكرة الثقافية عند المجتمعات الشفوية فالمجتمعات الشفوية كانت تحافظ على ذاكرتها متناقلة عبر الممارسة والرواية الا ان التدوين بعث سبلا أخرى لأرشفة مؤسسية . بدأت فلسفة الارشفة أساسا مع قيام الدولة الحديثة فلكي تكون هناك دولة  لابد من تأسيس أرشيف وطني منظم والارشفة عملية نظامية ومؤسسية وليست جهودا فردية الا انها تنطوي على مجموع الروايات والشهادات والمساعي الفردية والمذكرات وكل ما يمكن جمعه . والذاكرة على كل حال انتقائية ونفعية وغالبا ما تفتح الملفات التاريخية بشكل موجه ومنتخب ويخدم المصلحة المرحلية اما الارشفة فتجمع كل الروايات مثل احجار الفسيفساء لكي تكتمل الصورة لاحقا بتحليلها وتقليبها بمنظور كلي وعبر المقارنة والمقابلة مع نظرائها .


لئن تناولت تلك المحاضرة عام 1851 ما قبل وما بعد ، بسبب اقتراب الاحتفال بيوم المؤسس ، فان هناك تعطشا متزايدا الى تناول تلك الفترة بأحداثها الجسام ، هي وكل المحطات والعلامات والشخصيات النشطة والاحداث والاماكن المؤثرة و الفاعلة في ضميرنا ووعينا ، وينبغي أن يتم تفعيلها في سياقات الحاضر، في المناهج والاعلام لتكون هوية فاعلة .


 قطعا نحن بحاجة الى محاضرات وندوات تستعرض فترات أخرى لاحقة مثل  الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ففيها مفاصل ارتكازية ومحورية مؤثرة   فقد بدأ التحول من إدارة مشيخة الى نمط الإدارة الحديثة في الخمسينيات بعد تصدير النفط في 1949 وترأس المستشار البريطاني الإدارة العامة وانضم معظم اهل قطر الى شركة نفط قطر وكونوا طبقة عمالية منذ 1950 وظهرت لجان العمال في دخان وامسيعيد  وتأسس نادي الطليعة في 1959 وتلا ذلك نادي الجزيرة الاجتماعي واسست فرقة الأضواء . قدمت عريضة الحركة الوطنية في 1963 ثم صدر البيان الايضاحي  في العام نفسه وصدر النظام الأساسي المؤقت في 1970 وبعده بستة أشهر جرى اعلان الاستقلال . ونص النظام المؤقت على انشاء مجلس شورى منتخب ثم جرى تعديل النظام في 1972 حتى استبدل النظام برمته بصدور دستور قطر الدائم عام 2004  . ويمكننا القول بانه جرى تمديد العمل بمجلس الشورى المعين مدة نصف قرن حتى الان حيث من المقرر ان تجرى اول انتخابات شورية في قطر في أكتوبر 2021 .


محطات تاريخية من الإضرابات العمالية واستجابة اهل قطر لنزعة التحرر والمد القومي والجهود الاهلية وصولا الى السبعينيات والطفرة النفطية الاولى ومآلات الحركة التصحيحية وخطواتها في استقطاب كل الكوادر الوطنية وبروز تطلعات الطبقة المتوسطة اذ بان البعثات الدراسية والإسكان الشعبي وكذلك تأميم القطاع النفطي وتفكيك الطبقة العمالية الوطنية وإرساء خطة خمسية لاول مرة وبناء المصانع في امسيعيد وتأسيس للجهاز الحكومي .


 


ثم تلا ذلك العهد بداية الانحسار في دولة الرعاية ، والتي كانت دولة الكوبونات مقابل المشاركة في القرار السياسي ثم انطفأ عهد الطفرات النفطية .


 نحن اليوم بإزاء ملامح ضبابية للشخصية القطرية في مجتمع صغير الا انه منقسم ، لم يزل منكمشا ومندهشا ومشلولا ، تهيمن عليه الهيراركية ، تتآكل طبقته الوسطى المستنزفة ،  تلهث وراء عالم المادة والاستهلاك المفرط ، حيث تسود قيم التسلق والتملق والانتهازية ، عينها مفتوحة على اصحاب الابراج والشاليهات والامتيازات بينما يدها تقصر عن اتمام ابسط المعاملات بسبب اجراءات تعجيزية وسقيمة.


 


 


 



ليست هناك تعليقات: