الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

الجنسانية الأنثوية في الخليج

نورة آل سعد

نشر في مجلة " حقول " في يناير 2008


الجنسانية الأنثوية في الخليج
رواية (الآخرون) أنموذجا

                    ( طوال حياتها يجب عليها ان تجر جسدها هذا مثل قيد هائل مفروض على روحها )
من رواية "بئر الوحدة" للكاتبة رادكليف هول

تبدو (مشكلة الأنوثة ) بحسب التعبير الفرويدي – وان لم يكن واضحا – هو ما يشغل اهتمام النساء في الخليج لأنهن مدفوعات - أكثر فأكثر- إلى الاهتمام بالسجال السكسولوجي( Sexology ) في العالم والى إنتاج خطاب نسوي مواز للخطاب الذكري موضوعه المرأة ورهانه الجنوسة.
 
 فالجنوسة (  Gender ) اليوم فاعلة في الخليج اذ تستجوب البنى الاجتماعية والثقافية دون ان تفتقد دعم الدعوة التحررية التي تبنتها الحركة النسائية العربية اذ انها لا تتغاير – مبدئيا – مع مفهوم الجنوسة (بوصفه عاملا تحليليا يكشف الفرضيات المتحيزة المسبقة في فكر الثقافة بصورة عامة والغربية على وجه الخصوص)(1) وعندما أقول خطابا موازيا فإنني اعني بان خطاب المراة الفكري والأدبي في الخليج لا يتضمن تعارضا حقيقيا بعد بل انه لمّا يزل يبحث عن التمايز والافتراق فحسب عن خط الذكري . لا نكاد نجد في النصوص الادبية النسوية في الخليج تمييزا لخطاب نسوي لافت بل برهانا متجددا على جنسية مزدوجة فالمرأة الكاتبة في الخليج ليست ذكرا خالصا ولا أنثى( تقليدية او متحررة ) بل كلاهما معا . تحمل (صبا) بطلة رواية (الفردوس اليباب) لليلى الجهني تلك الازدواجية بل بالأحرى تلك الثنائية لأنهما  تتعايشان جنبا الى جنب وتتلبس (صبا) بجدة المدينة المؤنثة المحاصرة بالبحر والمليئة بالدهاليز والأزقة الخلفية والموعودة بالغزاة الذين اغتصبوها مرارا برغم أسوارها وجندها وكبريائها . و(صبا) في رفضها المطابقة بين(الأنثوي )
و( الأمومي) وسعيها لمحو العار وإجهاض وليدها ترفض كذلك ان تحمل بذرة إعادة الإنتاج الجنسي ترفض ان تحتضن مُعطى ديوك المزابل التي تودع بذورها في حاويات عديمة النفع والإحساس والقدرة وتلك هي الفكرة الذكورية حول دور الأنثى واختلافاتها الجنسية ودورها في الاقتصاد ومكانها في المجتمع . اما بطلة رواية (الآخرون) لصبا الحرز فتذهب بعيدا في ازدواجيتها الجنسية ( Bisexuality) فالإناث في الرواية هن كل شي وهن ذوات فاعلية كاملة في اثناء الفعل الجنسي على وجه الخصوص -لاسيما انهن سحاقيات - ولكن الكاتبة تضع البطلة أمام اختبار الممارسة الجنسية مع الذكر في خاتمة الرواية وتتغير وظيفتها الى الإغواء ثم الانفعال السلبي تقريبا . اضطرت الكاتبة – كما يظهر - الى الايواء الى حظيرة الواقع والى نشدان السلامة بميلها الى المسالك الجنسية السوية برغم ما تمثله من أهداف سلبية بالنسبة لبطلة الرواية التي كان تفكيرها ومسلكها (في الحسينية وعلى المنتديات وفي الكتابة الصحفية) استثنائيا ومخالفا للادلجة السائدة بحسب تعبيرها .
 ترمي تلك الخاتمة المفتعلة الى الايحاء بان البطلة تنشد الأوبة الى الفطرة الطبيعية السوية في الدائرة الجنسية للإنتاج والعلاقات والقيم والأسس الأخلاقية لمجتمعاتنا والتي تستند إطلاقا الى الرجل ، فالرجل هو المنجب ( او المنتج عموما ) والمرأة -مستهلكة او مستهلكة - جسد يحمل البذرة وينضجها ويطرحها دون ان تتمكن المرأة من المطالبة بحق الملكية او تصعيد الفاعلية فهي مجرد (ماكنة) لإعادة الإنتاج الجنسي.
تكره بطلة( الآخرون) جسدها تقريبا ويبدو منفصلا وغريبا وثقيلا لاسيما  في عريه اذ يبدو اكثر بؤسا وكآبة حتى انها اعتادت الاستحمام بثيابها وهي تسلمه الى الآخرين وتشاركهم به وكأنه ليس ملكا خالصا لها ! لقد أحبت ان تكون (مشتهاة) عندما كانت مع( ضي ) الأنثى الشيعية ووصفت البطلة جسدها وممارستها الجنس مع (ضي ) بتفاصيل أكثر مما فعلت عندما اختزلت ليلتها مع (عمر) الذكر السني في خاتمة الرواية .
و(الآخرون) لصبا الحرز يمثلون الثقافة الايروسية الذكورية أما الفتيات اليافعات في الرواية فقد يعددن تطبيقا ممتازا لما تحدث عنه فرويد
( Freud) حول الطابع الذكري لجنسانية( Sexuality ) الفتيات الصغيرات اللاتي لسن سوى رجال صغار . تكاد جميع الأدبيات ان تذهب الى التأكيد على ان المتعة هي ذكرية إطلاقا وهي انموذج لكل متعة دنيوية اذ لا يمكن إلا ان تحال إليها كل لذة
(2)
ثمة نقاشات كثيرة حول الصيرورة الجنسية للمرأة وتنتقد لوس ايريغاراي ( Luce Irigaray ) فرويد لانه اسقط أعضاء تناسلية أنثوية ليست اقل توليدا للايروسية وركز على جزء عند المرأة يمثل معادلا موضوعيا للعضو الذكري بالرغم من انه قد يكون اضعف إحساسا بالإثارة (3)
لا يطالب منظرو الجنسانية المثلية الغربية بالاعتراف فحسب بل تشن تنظيراتهم -إجمالا -هجوما على الجنسانية الغيرية باعتبارها فكرا جنسويا فكتوريا رجعيا !! وتعد الجنسانية الغيرية تجسيدا لهيمنة المؤسسة ونزوعها الى اخضاع النساء جنسيا . يشير فايننغر ( Weininger)  حصرا الى الرغبة المثلية عندما يذكر الصداقة بين الرجال فمن منظوره كل علاقة ضمن الجنس نفسه تكون دائما ذات طابع ايروتيكي مسبقا وكانه لا مفر من الانحرافات الشاملة للجنس ولذلك يتعين- طبقا له- ان تكافح الكائنات البشرية ضدها بثبات . (4)
ويحذر فايننغر في منظومته الفكرية من خطر القوى الأنثوية التدميرية على الحضارة ( الذكورية ) و يزعم بان هناك افتتانا للنساء بالجنسانية الأمر الذي يهدد بجعل الرجال عبيدا لهن وهكذا يغدو الجنس مجالا للمنافسة والصراع على السيادة بين الرجال والنساء وفي هذه المعمعة ينشق الغبار عن شخصية السحاقية التي تتحدى النظام الجنسي السائد بوصفها الشخصية الأكثر أهمية والتي توحي بإمكانيات جديدة تؤسس لنظرية جنسانية أنثوية لأول مرة من أهدافها التمكين الاقتصادي والسياسي للنساء في العالم .
 لا شك ان السحاقية (  Lesbianism) تمثل تهديدا صارخا للثقافة السائدة وتحمل مطالب النساء الأشد تطرفا بالاستقلال الذاتي عن الرجل وتعد هدما للعائلة أي أساس النظام البطريركي ذاته.
وينظر الى السحاقيات عادة باعتبارهن كائنات دونية او ناقصة لأنهن غير قادرات على حمل الثمار الصحيحة كسائر النسوة السويات فالجنسانية الثقافية الشعبية تفرق بين جنسانية رفيعة للنساء اللاتي مصيرهن الأمومة (الشرعية) وجنسانية منحطة تتضح في صورة البغايا اللاتي يمارسن جنس المتعة.
 لقد شدد كينزي ( Kinsey) في الأربعينيات على ( اهمية اللذة الجنسية بالنسبة للنساء مجادلا بان الإثارة البظرية بدلا من الولوج المهبلي هي المركزية لتحقيق الرعشة الجنسية ) (5)
وأكدت لين سيجال ( Lynne Segal  ) بعده على فكرة اللذة بشروط النساء الخاصة فقالت بان ( الاتصال الجنسي الغيري يمكن ان ينطوي على اكراه للنساء من قبل الرجال مما يؤدي الى علاقات اضطهادية وحالات حمل غير مرغوبة ومرض ) (6)
وبرز الاهتمام بالحياة الجنسية المعقدة للمرأة وظهرت بحوث عن امكاناتها البيولوجية وطبيعتها الجنسية وإدراكها المعرفي للذة ففي السكسولوجيا الأنثوية جرى التلاعب بكثير من المفاهيم وفرضت مسلمات وأصبح جسد المراة بحق معبرا لنظريات ونزوات ورغبات متصارعة ومستحيلة . ماذا ننتظر من اتجاه فكري ومدارس تفتتن بالسمات المرضية للجنسانية البشرية وتعتقد بان الايروسية توأم لصيق بالاضطرابات العقلية والجسدية . لقد اخضع جسد المراة دائما للتنظير بشكل مضلل فلمَ يتوجب علينا ان نعتقد بان علم الجنس المعاصر سيدركه كما هو لا كما يراه من زاوية مصالحه واهوائه وتقلباته .
تبحث النسوية الجديدة عن جنسية مؤنثة وتسعى الى تخليق تصور أنثوي حولها لتدمير كل المسلمات الجنسية الفرويدية بيد أن الأبحاث والنقاشات تدور حول تفنيد أفكار فرويد ونتائجه دون ان تقدم بالفعل بدائل حقيقية لها .لا يسعنا الا التسليم بان الطفل الذي يولد بميول جنسية مزدوجة ويكون ذلك الطفل ( أنثى تشريحيا ) سوف يستقبل دفعات إضافية من السلبية لكي تتعزز خطواته نحو التحول الى امرأة ؛ فالسلبية الجنسية والاجتماعية هي الدور الطبيعي والمطلوب من المراة.
لا غرو ان يعتقد النسويون التحرريون بان بعض انماط التصوير الجنسي تسمح للنساء باستكشاف الرغبات المكبوتة وإطلاقها لاسيما تلك التي يحظرها المجتمع البطريركي او يقمع جذورها وهذا ما يذهب اليه المنظر الاجتماعي الفرنسي ميشيل فوكو ( Foucault) فإن الرغبات الجنسية الفائرة تحبس حتميا ويسيطر عليها بشكل قسري ضمن منظومة القمع وليس كبح الجنسانية وتحررها ليس أكثر من وسيلة يتم خلالها تنظيم السلطة في المجتمعات .  
لن أعجب اذا اتجه الأدب النسوي في الخليج  باطراد نحو الجنسانية المثلية Homosexuality) )على وجه الخصوص، تلك الجنسانية المرذولة والمجرّمة بحسب القانون والتي اجتهدت أدبيات القرنين الماضيين في عدّها من أمراض الاضطرابات العقلية او الشذوذ الجنائي فلا ينفرد الأدب في الخليج -ولا جوانب الحياة الاجتماعية المتعددة –عن سواها في سائر مناطق العالم في تأثره بمختلف الاتجاهات الثقافية العالمية لقد أصبحت الجنسانية الغيرية السوية مهددة من كل الجهات بالسلوكيات الجنسية المنحرفة الأمر الذي يهدد العالم بموجات عارمة من التخبطات الجنسية واسعة الانتشار وقد أضحى الانحراف فعلا الماركة التجارية الأوسع شيوعا للحياة الجنسية في عصرنا ! وأصبحت الجنسانية العامل الأبرز في حياة الفرد والمجتمعات وتغلغلت الأيقونة الجنسية في الإعلان الدعائي للمسواك والشماغ وألعاب الأطفال.

  ان (التمظهرات) الادبية للجنسانية الأنثوية في الخليج فضلا عن الظواهر والأعراض الاجتماعية المتفاقمة تفضح تقاعسنا عن مواجهة أسئلة مهمة مطروحة بالحاح.
 ترى لمَ تنزع بطلات القصص والروايات الى عدم التمثل والانصياع للاعراف الجنسية السائدة ؟
وما معنى هذا الشبق المفرط عند المراة في الأدب الخليجي حتى في جانبه السوي ؟ هل تعلن القصة والرواية النسوية في الخليج بان الايروسية الأنثوية تعبر عن الاضطرابات النفسية والاجتماعية المرأة ؟ هل تعد تلك الأعمال المتزايدة مؤشرا على ان الرغبات الجنسية ( الغيرية والمثلية ) لم يعد بالامكان أن تروضها صبغة الاحتشام في الحياة الاجتماعية والأسس الأخلاقية المتناقضة ؟
هل تتسبب الظروف الاجتماعية التي تمنع النساء من إقامة شراكات جنسية مع الرجال حتما الى دفع النساء الى الجنسية المثلية بديلا وتعويضا ؟؟ هل هناك حقا أسباب اجتماعية تدعو النساء الى تفضيل إقامة العلاقات الحميمة مع جنسهن مع توفر البدائل ؟
وهل ستشكل البيئة الثقافية في نهاية المطاف الصبغة الايروسية وموضوعها؟
 ما وراء هذا الاهتمام المفاجىء بالجنسانية الأنثوية عند الكاتبات في الخليج؟ ولم ظهر هذا الخطاب الصريح للجنسانية الأنثوية ؟ وما مضامينه الاجتماعية؟ وما المحددات التي تسهم في صنع (معرفة ) جنسية عند المرأة الخليجية ؟ وما هو التصور للجنسانية الأنثوية في الثقافة الموروثة الخليجية ؟وما مجازاتها؟ وما رموزها ؟ وما تحولاتها؟ وما ملامحها القادمة ؟ هل تعالج الرواية الخليجية الدوافع الجنسية بطرق متمردة اجتماعية ام انها تخضع لاعتلالات الثقافة الغربية وتستورد فحسب انماطها المنحرفة ؟ وهل ستفرض الثقافة الغربية مزيدا من الاقحامات والاخضاعات على الاختيارات الفردية والذوق العام واللذة ؟
هل هناك ارتباط وثيق بين الرغبات الجنسية وإلحاح المرأة على حقوقها المدنية وهي حقوق حيوية تشمل حصتها العادلة في سوق العمل والدور الإنتاجي الاقتصادي ؟ هل تتأثر الأسس الأخلاقية للمجتمعات عندما يمنح الأفراد إحساسا اكبر بالسيطرة على مصائرهم  وعلى خياراتهم الجنسية؟ هل ظهر بالفعل رهاب المثلية بوصفه عاملا مهما مؤثرا بسبب تزايد عدد المنشقين الجنسيين في مجتمعاتنا الخليجية وظهورهم العلني في الأماكن العامة في بعض الدول الخليجية ومطالباتهم المجتمع بالاعتراف بحقهم فيما يدعونه خيارهم الجنسي .
من الخطورة بمكان التركيز على فكرة ان النساء في الخليج يستملن نحو الجنسانية المثلية بسبب من قيود الثقافة البطريركية والزعم بان هذه الجنسانية هي ما يتوقع منهن ان يمارسنه بوصفه الوسيلة الأحوط  والأكثر أمناً  فها هي البطلة في (الآخرون) تقع تحت مطالبة غرزية قوية معتادة على الإشباع المثلي وبرغم ذلك فإنها تخشى ان الاستمرار في هذا المسلك قد ينجم عنه أخطار فعلية ( عنف وخيانة وتهديد بالحرمان او الافتضاح ) فضلا عن انه لا يمثل إشباعا كاملا فالايروسية المثلية هي حمى انفعالية تبدد موارد فعلية على هدف غير واقعي لذلك ارتأت الكاتبة ان تختم روايتها بتحول بطلتها الى الجنسانية الغيرية ولذلك رفضت ( ثريا ) في رواية (ملامح) لزينب حفني ( ان تهدر عمرها في العبث مع  ثقب امرأة) .
تنصرف البطلة في (الآخرون) الى علاقتها بعمر بيد اننا نتساءل هل تحولت برغبتها كذلك ؟ لا يتحقق الاستقرار النفسي والجنسي للبطلة لان الأنا التي تعتقد بانها تكونها لا تقبل التكرار في مرآة الاخرين بل تجتهد لتصليب نفسها مرارا سواء في ذكرى (أخيها المتوفى) أو في ممارستها الجنسية مع( ضي) حيث هي مستسلمة لعنفها أو في الحسينية خاضعة لصرامة هداية أو في الجامعة واقعة تحت إكراه النظام العام وحتى في دخولها على غرف الشات تقوم بالمشاركة باسماء متعددة وفوق ذلك تنتحل تجارب الاخرين وتتقمص قصصهم الجنسية . تستتر (الانا) عند البطلة بدروع واقية من التقية بمواجهة غربتها وتشيئها ومثليتها.
 يلوح التفسير الفرويدي المتمحور حول عقدة الخصاء جليا في حالة
( ضي ) التي تكره اباها الذي استحوذ على أمها وكذلك في رواية (ملامح) لزينب حفني حيث تقول هند (ابي كان رجلا صارما .. عقليته متحجرة ..الجو الخانق الذي عشته في بيت ابي .. دفعني الى الاستسلام من دون مقاومة لصديقتي اقبال ) وفي قصة (راقصة المرايا) من مجموعة ( الغرفة المغلقة ) لسعاد ال صباح تتكرر الصورة البغيضة للاب اذ تراه ابنته( وجه متغضن ببعض التجاعيد وجرح قديم في العنق ) وفي مجموعة (نساء عند خط الاستواء)  لزينب حفني يبدو الرجال جميعا  مخادعين وسفلة وخونة واعداء بمعنى الكلمة . اما البطلة الرئيسة في رواية (الاخرون) فلم يستملها الى عالم المثليات الا رغبتها في معايشة التجربة كما تقول ومواجهة جسدها ذاته! ولم تندم عندما استسلمت طوعا لضي التي تدعوها (مرضها) ولكنها كانت ايضا متعتها (دوختني تفاصيلها الحلوة) . لا يكشف هذا الادب الجنساني عن المشهد الايروسي بقدر ما يجعله مثيرا وما يظنه البعض فحشا قد يكون استخداما لصدمة الجنس بهدف نقد السلطات الدينية والاجتماعية .
لا تبحث المراة في جسدها عن معادل لروحها لأنه جسد منقوص وذليل تمتلكه الذكورة ففي النص الأدبي (  مزون ) للكاتبة فوزية الشويش السالم تقدم ( زيانة ) نفسها للمستكشف الفرنسي ( لايف ) ويقول لها ذلك الغربي المتحضر ! ان جسدك ( يخصني ولا يخصك ) وفي نصين آخرين لها هما ( الشمس مذبوحة والليل محبوس ) و( النواخذة )  تعمد فوزية الشويش الى تصوير الفعل الجنسي باعتباره اقتحاما وتوغلا وسيطرة من الرجل على جسد المرأة وروحها معا فتشير اليه بانه ( الفوران والدوران والإيغال ) وتصور الكاتبة هذه العملية في نسقها الموضوعي الحركي بوصفها عنفا مباشرا ضد المرأة .
قد تبحث المراة الكاتبة في الخليج عن البدائل الجنسية والعاطفية. قد تريد المراة ان تغير الختم الذي مهر به مصيرها عندما ولدت أنثى - او بحسب الخطاب النسوي الجديد عندما تحولت اجتماعيا الى أنثى - ومن هذا المنظور يمكننا النظر الى العديد من النصوص الادبية وسوف نجد بان الجسد ليس مَعبرا للرغبات بل قيدا مفروضا على روح المراة تجر ثقله وراءها في هاجسها نحو التحول الى الدور الذكري الفاعل وأحيانا النزوع الى الاستغناء عن الدور الذكري وإقصائه .
فكأنما تناضل المراة لتبلغ مبالغ الرجال وتقاوم أحيانا جبلتها وضعفها المسموح به تشريحيا لكي تحقق وظيفة أكثر جودة وفاعلية باقترابها من الذكورة وابتعادها عن الأنوثة لان ذلك سوف يسلّعها ويجهض أحلامها ويهضم حقوقها ومكتسباتها الاجتماعية التي لم تتحصل عليها قط .
بينما ترى بعض النساء ان القيمة النفعية للأنوثة النمطية بمعاييرها الجسدية التقليدية هي أكثر جاذبية اجتماعيا وسوف تتحصل مقابلها على أفضل الذكور زوجا واكثر الحيوات هناءة عبر وسيلتي الاغواء والمكر . فان البعض الآخر سيظل يرى في جسد المراة  مشكلتها الأزلية! هل تقبله كما تراه وضيعا منقوصا ومحروما ام كما يراه الآخرون رأسمالها مرغوبا بقدر هشاشته وسلبيته .
لن يصبح الرجل حينئذ موضوعا لرغبة المراة بل سيغدو العدو نفسه! ان رغبتها ذاتها ستصبح مستبعدة وكل ما ستشعر به هو ثقل الجسد على مشرحة الممارسة السادية والمازوكية للعنف الجنسي ! كذلك مارست
( ضي) الجنس مع رفيقاتها في رواية (الآخرون) عبر الضرب والعض والرض وحتى الاغتصاب أحيانا وكل ذلك يطبع على الجسد آثارا وكدمات بشعة .
ان المراة المتمردة تضن بالاستمتاع الجنسي السوي وتخترع الألم المباشر بديلا وتسقط الايروسية الذكرية من حسابها لأنها ترفض ان تكون وسيلة لإمتاع الرجل وتسليته ولذلك فهي تدريجيا تنفي الجسد وتقوم بتحييده وتعذيبه وتشويهه. ( إنها رجل صغير أكثر نرجسية نظرا لوضاعة أعضائها التناسلية وأكثر عفة نظرا لخجلها من هذه المقايسة وهي أكثر حسدا وغيرة لأنها لا تشعر بأي انجذاب نحو الاهتمامات الاجتماعية التي يتقاسمها الرجال ) (7)
تختزن المراة الخليجية – بحكم تنشئتها وثقافتها الموروثة وامتثاليتها – جملة من الأفكار التي تعضد التشبيك بين الأنوثة والحياة الغرزية الجنسية فمن ستحارب المرأة ؟ الضوابط الاجتماعية القهرية أم ستخالف جبّلتها التي فطرت عليها ؟ ام ستبقى فاعليتها الجنسية مستترة ومعلقة في مكان ما بين معطيات واقعها واستحقاقات العولمة .. أو ربما في ثنايا غموض سر الأنوثة ذاته .


 هوامش

(1) دليل الناقد الأدبي – د ميجان الرويلي د سعد البازعي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – بيروت - ط 3 -عام 2002
ص 149
(2) سيكولوجية الانوثة مرآة المرأة الاخرى – لوس ايريغاراي- ترجمة د علي اسعد – دار الحوار ط1 عام 2007 اللاذقية - سوريا   ص 32
(3) المصدر السابق – ص  34
(4) الجنسانية – جوزف بريستو – ترجمة عدنان حسن – دار الحوار ط1 عام 2007 اللاذقية - سوريا   ص 74
(5) المصدر السابق ص 98
(6) المصدر نفسه – ص 98
(7) سيكولوجية الانوثة مرآة المرأة الاخرى  – جوزف بريستو -  ص 29 

ليست هناك تعليقات: