الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

استعراض راقص أم عرض مسرحي ؟



عرض على هامش افتتاح الدورة الاسيوية الخامسة عشر للالعلب الاسيوية بالدوحة عام 2006

نورة آل سعد


لا يحتاج كاتب مسرحي قدير مثل حمد الرميحي الى بلاغة الصحافة الفنية التي كتبت كثيرا لعرض ( قصة حب طبل وطارة ) ولكنها لم تكتب عن المسرحية بعد . لا يحتاج الكاتب المسرحي حمد الرميحي الى عبارات محفوظة معلبة تمنح مجانا للجميع من قبيل ( تعالج المسرحية الكثير من الافكار الفلسفية !! ) او إيراد عبارات اشد وقعا وأكثر غرابة مثل ( إبراز جدلية التعايش بين المختلفين ) أو ( الانطلاق من خصوصية في اتجاه الكونية الخالية من الكره والشر والإقصاء والعنصرية ) !!

ومن المؤسف ان يُحمل كاتب مسرحي على ان يدخل تعديلات ( بالأحرى تغييرات جذرية ) على عمله (الذي حصل على جائزة أحسن نص عربي في أيام عمان المسرحية سنة 2001 ) وأن يقوم – مختارا - بإخراج نسخة تخريبية عن نصه الأصلي حتى (يتناسب ) العرض مع تظاهرة رياضية قائمة !!
يجب ان تطبق وثيقة شرف فنية تلزم المؤلفين بالإحجام عن إخراج أعمالهم ( مسرحيا على الاقل ) قبل ان يخضعوا لدورات علاجية نفسية تجعلهم قادرين على التعاطي مع نصوصهم دون ان تسيطر عليهم النزعة التدميرية التي تقودهم الى تخريب اعمالهم على المنصات المسرحية.
قد يكون المؤلفون معذورين لأنهم مضطرون الى اللجوء الى اخراج نصوصهم المسرحية بأنفسهم لا لأن ذلك يعد نوعا من الوسواس القهري لديهم او (البرانويا) بصفة عامة ولكن لان الفنانين الآخرين قد يعزفون -ببساطة - عن اختيار اعمال بعينها لتجسيدها دراميا على الخشبة .
لو ان شخصا آخر هو الذي قام بإخراج( قصة حب طبل وطارة ) على خشبة مسرح قطر الوطني لوفر على حمد الرميحي جهدا قابلا للاستغناء عنه ولوفر علي ازدواجية مهمتي في معاتبة الكاتب ومهاجمة المخرج في الوقت نفسه.
هل كانت (قصة حب طبل وطارة ) عرضا مسرحيا أم استعراضا منوعا وملفقا من موسيقى ورقصات مختلطة ؟ لقد قدمت (قصة حب طبل وطارة ) بوصفها استعراضا غنائيا للكاتب المسرحي القطري حمد الرميحي، وقيل انها تحمل (رسالة ) !! ومن يقرأ النص المسرحي يجد شأوا بعيدا بينه وبين العرض بل لا يكاد المرء يجد صلة بين مقدمة الكاتب في( بروشور) العرض فيما يتعلق بغرس قيم المحبة والسلام والتآخي بين البشر من مختلف الديانات والأعراق وبين العرض نفسه فيما عدا ظهور آلات موسيقية مختلفة بين أنامل الراقصين وتلك الصور المتلاحقة على شاشة عرض سينمائية لمعالم حضارية في اوربا والشرق
لم يكن في (العرض) مشاهد تمثيلية وانما كانت هناك لوحات راقصة متنوعة ومقاطع غنائية لا يجمع شملها خيط درامي ولا سبب واضح يتخللها حركة مفتعلة لممثلين بلا ادوار هما (هدية سعيد) التي خانتها – مرارا - مخارج الحروف السليمة وأدت بتصنع وافتعال على طريقة أمينة رزق و(صفوت الغشم) الذي لم تشفع له فصاحته إذ بدا مهرجا يتنطط من مكان الى آخر مصطدما ببعض الراقصين مرددا لازمة مضحكة ( الى متى يا ام حمار ؟ )
وقد قام مخرج العرض (ومؤلفه في الوقت ذاته ) بوضع شخصين آخرين على الخشبة هما رجل على اليمين يدق الهاون (سلمان المري ) وقد قال كلمتين في العرض والشخص الآخر امرأة تجلس على اليسار وهي ( لارا حتي) التي ذكر انها ممثلة وشاعرة (!!) وقد أسند اليها دور غريب اذ كان عليها ان تتحدث الى الجمهور بلهجة خطابية معلقة وشارحة لما يجري وراءها ولكن بطريقة تعليمية مضحكة لم تعد تستخدم حتى في برامج الاطفال منذ الستينيات فهي تمطط الكلمات وتلعب بحواجبها وتبتسم ببلاهة وتتحدث بمباشرة فجة في عرض يعد تعبيريا وإيمائيا !!
وما الرؤية الفنية للوحات الراقصة المصممة ؟ ماذا قدمت الفرقة الراقصة لتجسيد النص دراميا وتعبيريا على الخشبة ؟ كيف قدمت فرقة رماد فنا بصريا امتاعيا ؟ يبدو أننا حضرنا استعراضا راقصا حرا للفرقة السورية على مسرح قطر الوطني ؟ اخشى انها كانت كولاجا من الرقصات التي أزاحت النص والفكرة جانبا وبسطت الفرقة السورية سلطانها على الخشبة (وهات يا رقص ) رقصوا شبه (باليه) على (ديسكو) على (هيب هوب) وهز بطن وأرداف شرقي ويبدو ان سيطرة الرقص على العرض كانت مقصودة في حد ذاتها لأنها ترمز الى سيطرة الشر على الحب في العالم !
ما فلسفة الحب عند الرميحي ؟ وهل يعبر عنه ذلك (العود) العاجز الذي لا يصد ولا يرد عن الحب ؟ ان (ام حمار) الجنية الشريرة تسلبه ارادته وتسله من حبيبته (الطارة) ولا نراه الا خائر القوى متعثرا في مشيه مهتزا ومهزوزا الى ابعد الحدود يروح ويجيء بلا اختيار ولا دور ولا فعل درامي ومثله (الطبل) الذي كان كاسمه عاليا وخاويا يصدر ضجيجه من بعيد بلا طائل ويعلن احتجاجه وليس لديه قضية أصلا ؟
لم اختير شاب ذكر ( محمد الصايغ ) صب على وجهه المساحيق والبس فستانا فغدا مسخا لا فتاة جميلة ليقوم بدور (الطارة) ؟ أهو نقص في العنصر النسائي أم وكسة حظ فحسب ؟ ألم يدر بخلد المخرج بان هذا الأمر يشي بمسحة من الشذوذ الممجوج ؟
ماذا يقول العرض الذي رأيناه على الخشبة ؟ هل يريد الشر ان يكون نقيضا للحب ؟ هل يريد الشر ان يدمر الحب ام ان يستولي عليه ويحتكره ؟ وهل نحن امام معاناة (ام حمار) التي تمثل الشر اصلا ؟ هل يريد الشر فرصة في الحصول على الحب مثلا ؟ ما معنى ان تعشق (حمارة القايلة) وهي الجنية الشريرة وان تلين طبيعتها هونا ثم تلقى صدودا من الحب فتنوح وتتأوه وتتأود طويلا على الخشبة ثم تضيق بالصدود وتنفجر غيرة وحسدا فتستولي على حبيبها غدرا وعنوة . ما معنى ذلك كله ؟ هل الحب هو علاقة مادية محدودة ضيقة بين عود وطارة تحت جنح ملاءة تتماوج ؟ وأين من قصة الحب هذه ذلك (الطبل) الهامشي الذي كان طرفا مبعدا في ثالوث الحب او بالأحرى في رباعيته بعد ان دخلته (ام حمار) طرفا منافسا أو عذولا ؟
كيف سمح المؤلف حمد الرميحي للمخرج حمد الرميحي بان يقوم امام ناظريه بتخريب نصه وتفريغه من رؤيته لكي يقدم مكانه عرضا حصريا لفرقة راقصة قدمت على الخشبة ردحا ودبكة وتمايلا جسديا بحتا؟ هل نقول للرميحي كما سمعنا من يغني في تلك الليلة ( يا من طز عينه بيمناه !! )
بحسب تحليل موفق للدكتور حسن رشيد فإن حمد الرميحي (يهرب) في جل أعماله الأخيرة الى المطلق والى طرح الإنسان موضوعا لهذا الكون ، الإنسان الباحث عن (الانا) ، الإنسان الباحث عن الحرية في المطلق سواء في مسرحية القرن الأسود او في مسرحية قصة حب طبل وطارة .
هل أصبح هم الرميحي وآخرين غيره الخروج بالمسرح القطري من دائرة الطرح التقليدي والبحث عن مواقع لهم تحت (لواهيب) شمس التجريب ؟ هل يعد ذلك جزءا من الثورة على المسرح العربي المهمش في اطر احتكارية وتقليدية متخلفة ؟ ما الدوافع والمحفزات التي تدفع بالرميحي وآخرين الى خلق أشكال مسرحية تبحث عن (التحرر ) عبر اللجوء الى الاشتغال الكامل بتقنيات العرض الباهرة من حيث السينوغرافيا والأزياء والإضاءة والمؤثرات الصوتية حتى أصبحت كثير من العروض التجريبية (السهلة) ترتكز بشكل أساسي على الإيقاعات الموسيقية والتعبيرية وأصبح الكويغراف "الرقص وهز الوسط" ياخذ دور البطولة المطلقة جنبا الى جنب الهذيان اللغوي المتدفق.
التجريب والتخريب هما وجهان لعملة واحدة اسمها هموم المسرح
تتمخض عن احتجاجات في فضاء المطلق والتجريدي وتبلغ مدى بعيدا حتى انها تخترق الحدود بين الأشياء وتمزج بين كل الأجناس والأنواع ؟ هل تموت النصوص على خشبات المسارح في سبيل رؤى مبهمة وتجسيدات تعبيرية بلا هدف ولا وجهة ولا دليل ؟
تلك قضية كبيرة لعل المسرحيين أنفسهم يناقشونها في ندوات جادة وممنهجة . لسوف يبقى رصيد حمد الرميحي الحقيقي في مسرحياته الأولى وفي أعماله الدرامية التلفزيونية المشتركة التي كان أكثرها اشتغالا بالهم الإبداعي ومحاولة انجازه .. لا تخريبه.


نص(قصة حب طبل وطارة) لحمد الرميحي

ليست هناك تعليقات: