الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

الأنا المتضخمة في رواية ( القنبلة )

  للكاتب أحمد عبد الملك
نوفمبر 2006
نورة آل سعد
            تعتمد بنائية الرواية عند الدكتور أحمد عبد الملك على محور رئيس هو الشخصية المأزومة المتضخمة وذلك في كل من روايتيه  "أحضان المنافي " (صدرت عن دار بلال- بيروت -  2005 ) والتي اعتبرناها سيرة ذاتية أدبية وكذلك في روايته الأخرى "القنبلة" ( صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت  2006  )
 
وتعود فكرة رواية القنبلة الى قصتين قصيرتين للكاتب نفسه الأولى بعنوان ( الخيانة الخريفية ) والأخرى (الزواج السابق) ضمنتا في مجموعة بعنوان (الغرفة) ( صدرت عن مؤسسة العهد عام 1997 –  الدوحة )    
 تعتمد الرواية على موضوع أحادي مسطح الدلالة وهي محصورة في ثيمة واضحة تعالج العلاقة الزوجية بين كل من (ناصر) و(حياة) ولان الرواية لا تعتمد على حبكة معقدة وشخصياتها معدودة وأحداثها محدودة الأثر فإنها تعرض مسرودة ومستعادة من ذاكرة الزوجة (حياة) من خلال مونولوج داخلي طويل ثم يعاد إنتاج معظمها من وجهة نظر الزوج على النمط السردي ذاته ولكن من خلال مذكرات مكتوبة دون تغيير يذكر في الأسلوب والحالة النفسية ووجهة النظر .
يعتمد السرد  في هذه الرواية – أساسا - على النقلات الانسيابية التي لا تخلو من مقدرة على اخفاء الثغرات والفجوات فالكاتب يطوف بنا في حديث (حياة) الداخلي على عدة محطات و نقلات ويسير المونولوج الداخلي اثر تداعيات تفكير (حياة) من ذكرى معينة الى ملاحظة عامة حول موضوع او حادث مر بها مع ناصر وتتجول (حياة) بين الفقرات من فكرة الى اخرى مضمنة او شبيهة او مترتبة عليها ولكنها تعود الى الحديث مباشرة عن شخص ناصر.
تتشابه طريقة السرد عند حياة في مونولوجها بيوميات زوجها من حيث الأسلوب والجو النفسي واللجوء الى طرح الأسئلة الاستفهامية والمجازية ذاته برغم اختلاف الاثنين في الجنس والثقافة ونمط الشخصية الامر الذي قاد الى تطابق المنظور عند الاثنين في كثير من الأحيان وكأن المتحدث لم يكن سوى شخص واحد هو  الكاتب نفسه الذي اختار ان يهمل كل تلك الاعتبارات القائمة وانحاز الى وجهة نظر (ناصر) مسفها وجهة نظر (حياة) ومشاعرها !
أما الحدث البارز الموصوف بالقنبلة فلم يكن سوى رسالة أفك من خادمة موتورة مضفرة بأوهام زوجة على أعتاب الخيانة أو تتمنى بالأحرى خيانة زوجها لأنه كان يرفضها عاطفيا وجسديا بيد ان نهاية الرواية جاءت تراجيدية وحالمة فالزوج (ناصر) بريء من جميع ظنون زوجته وشكوكها و(حياة) بدورها كانت شريفة ومخلصة !
تقف حياة في بداية الرواية أمام ثوب الكعبة الأسود مخاطبة نفسها ومن نقطة التوبة تلك تعود الى الوراء قليلا يوم تزوجت ناصرا ثم تعود لحاضر روائي لا يلبث ان تختلط فيه الأزمنة لان حياة تنتقل مع تداعيات أفكارها الى الأمام والى الخلف ثم تعود الى الواقع الروائي وهو عبارة عن (حالتها ) الدائمة وليس (موقف) التوبة أمام الكعبة الا موقفا طارئا فيها ولكن حالة الاضطراب النفسي والعاطفي والاجتماعي تخيم على فضاء السرد عبر مشاعر من الشك والارتياب وعدم الاطمئنان تحيط بحياة ونشعر بأنها سيدة مكتهلة تغادرها النضارة وتشعر بالوحدة مع زوج صامت منعزل وصويحبات يطعننها ويشعن عنها أنباء سيئة وينقلن اليه ما يقال عن زوجها .
ومنذ الكلمات الأولى لحياة في مونولوجها الداخلي نلمس حسا ذكوريا دخيلا في دلالات اللغة وإيحاءاتها برغم جريانها على لسان أنثى فإنها تظل محمّلة بطبيعة ذكورية غالبة وتطغى عليه شهوانية مادية أكثر مما تحتمله مشاعر امرأة تنزع أصلا الى التدين وتقف أمام الكعبة حيث هيبة المكان وخزي المشاعر .
 نشعر بناصر يقف دائما وراء (حياة) وهي تتحدث حديث النفس الداخلي ! وعندما تقف (حياة) أمام المرآة وتحادثها يحول ناصر بينها وبين المرآة ! لا لكي ترى نفسها فيه بل على العكس تماما لكي يتمرأى ناصر بحياة لأنها تمثل الصورة ( المعكوسة) له . ان التعقل والنظرة التحليلية والحياة القلقة والعجز والتكور على النفس عند ناصر يقابله عند حياة العاطفة الفجة والتسطح والحياة المبتذلة والتفتح على المباهج العابرة والعرضية . يتوارى ناصر بحرص خلف حياة ويستخفي وراءها لكنه يطل علينا بمواربة وإصرار .  ويحضر ناصر دائما في حديث حياة وخلف الكلمات والأحكام وبين الأوصاف والمشاعر وفي مواقفها وتصرفاتها بوصفه سببا ودافعا . ان شخصية (حياة) توجد في الرواية بوصفها (وسيلة ) ليس الا لتسليط الضوء الكاشف على ناصر ولكنها برغم ذلك لا تمثل مقابلا مستقلا قائما بذاته وندا حقيقيا لشخصية ناصر المتضخمة. تبدو الأحداث والوقائع في رواية القنبلة شبيهة بأحداث تقع غالبا في  روايات تحمل توقيع إحسان عبد القدوس حتى (حياة) نفسها بدت وكأنها إحدى شخصيات إحسان المتحررة العابثة تلك الشخصية المخملية التافهة التي تزجي وقتها في السهرات حيث الرقص والمسرات بل إنها تستخدم مثل كثير من شخصيات عبد القدوس مونولوجا داخليا يفرط في استبطان ذاتها فتتحدث بوضوح ولغة مكشوفة عن جسدها ورغباته . وتشبه (حياة) كثيرا من شخصيات عبد القدوس النسوية لاسيما في جرأتها وطبيعتها النزقة وشعورها الطاغي بالملل والفراغ حتى إنها تملأ حياتها بالأشباح والأمراض ومعاقرة الأدوية أشكالا وألوانا وتؤمن بالسحر والشعوذة وتصدق قارئات الفنجان ويكتمل الأمر بترددها على طبيب نفساني تتمدد على الأريكة أمامه لتعترف بخيانات زوجية وهمية بل انها تنطلق وراء ناصر فتتبعه بسيارة يقودها سائق من شارع الى آخر لتدلف وراءه إلى احدى البنايات تماما كما تفعل بطلات إحسان أحيانا . لقد صنع الكاتب الدكتور احمد عبد الملك من (حياة) شخصية جريئة وقحة في تصرفاتها وتلميحاتها وشهوانيتها فهي أول شخصية نسوية روائية في عمل أدبي خليجي تكاد تطالب علانية بحقوقها الزوجية في المعاشرة الجنسية وتفصح عن رغباتها بلا حياء ولا استخفاء . ولعل حياة جديرة بان تكون هي" القنبلة" في الرواية لأنها الشخصية النسوية السطحية التي لا تبحث عن (حقوق) ولكن عن حريات فحسب. اما ناصر فهي تقول عنه ( ولكن مع ايمانه بالله فإنه قليل الصلاة ..أجده عميقا في نظراته الفلسفية والمنطقية يؤمن بالعدالة وسواسية البشر ويرفض التقسيمات الطبقية .. أشعر بناصر متكاملا من نواح كثيرة ) الصفحة (64) .  تنتقل حياة في حديثها عن علاقتها بناصر الى الحديث عن ناصر ذاته حديث تمجيد وتثمين لايمانه بالعدالة ورفضه للتقسيمات الطبقية !! ولكن ماذا يعني حياة من ذلك كله ؟!!
هل كان ناصر كما رأته حياة ؟ وهل يمكن ان تراه بهذه الصورة ؟
في أول فقرة من الصفحة( 122)  تبدأ حياة الحديث عن نفسها ثم تنتقل  الى ناصر ( لقد وقفت مع ناصر في أحلك ايام حياته عندما تم اعتقاله بتهمة العلمانية وبث العلمانية وبث الافكار الشريرة في المجتمع ) وتقول (لقد سافرت مع ناصر الى كل بقاع الدنيا  ) وتصفه ( كيف انسى حنانه وبيته واولاده ؟ بل كفاحه .. كان ناصر يرفض الرشاوي عندما كان في الحكومة .. كان لصيقا للشرف والامانة وحب الوطن والناس . لم تغيره المناصب الحكومية عندما اصبح وزيرا ولم تؤثر فيه هالات التقدير .. كان قويما وقائما بالقسط حتى مع اعز ناسه واصدقائه ) وعندما تعبر عن نفسها في مواضع متفرقة يبدو وكأن ناصرا هو الذي يتحدث بلسانها لاسيما حين تقول حياة ( هل من المعقول ان ابقى عشرين عاما على هذه الحال ؟ هل انا ملاك ؟ هل انا معصومة من الخطأ ) (42 ) أو عندما تقول ( هل حضر مشعل البارحة ؟ هل فعلا التقينا مرتين ؟ ) ( 43)  نشعر حينئذ بصوت ناصر محملا بشكوكه في زوجته ! وقد شك (ناصر ) في سلوك ( حياة ) لأنه شعر دائما تجاهها بالذنب ! فهو يضربها ويهينها وينشغل عنها ويسافر بمفرده ويعلم بأنها تسمع إشاعات بأنه يخونها فلا يفتأ يظن بأنها سوف تخونه حتما انتقاما منه .
 استمعوا الى حياة تقول حين يطوقها ناصر بيده ( آه كم رحلت هذه اليد مع الخصور والصدور الشهية(  حينئذ يتلاشى صوت حياة ليعلو صوت ناصر - وهو يستعير كلمتها - متذكرا ومتحسرا على ايامه الخوالي مع الغواني فلا نعجب حين يقول ناصر في مذكراته ( لقد توحدت مع حياة ) 219  .

تعالج هذه رواية ( القنبلة) للدكتور عبد الملك العلاقة المضطربة بين الإنسان و( أناه ) فكل من حياة وناصر يعاني اختلالا نفسيا في القيم والنظرة الى الذات تنعكس حتما على علاقتهما ببعضهما البعض.
يسلك ناصر سلوكا عدائيا عنيفا نحو حياة لانه غير راض عن حياته ويعبر التصاقه بالتلفاز عن شعوره بانه مجبر على الفرجة بينما يتوق الى المشاركة فقد كان ناصر وزيرا سابقا ثم عزل واستبعد وأصبح مهمشا ومنبوذا .اما (حياة) فتبدو بلا حياة !! فهي مجيّرة تماما ومسخرة لتطلعنا على شخصية ناصر ( كما يراها ناصر ). ان حياة شخصية ضحلة تحب التسلية السطحية وتفتن بسهرات ( الردح والرقص ) وتنحصر هواياتها في التسوق والسفر والمتع الحسية وهي تهمل أبناءها ولا تلتفت الى عمل ولا تسعى الى نجاح شخصي فهي اذن ليست المرأة الطموح المتحررة المتطلعة الى تحقيق الذات . ليست حياة – اذا - ندا لناصر المثقف المعارض للنظام كما وصفه الكاتب . يتساءل ناصر نفسه عن سبب عصبيته ويعزوها الى  مرض عضوي وينحى باللائمة على (حياة) برغم انه يضربها بعنف غير مسوغ  يحس ناصر  بالاضطهاد والعسف يقع عليه من النظام والسلطة ويرفض التهميش ويكره حياته التافهة ويكره (حياة) ويخجل منها بل ويحتقرها . ولا نعرف سببا لعنف ناصر وساديته في التعامل مع غيرة زوجته سوى شعوره بالاضطهاد من السلطة وامتعاضه مما تمثله حياة من اقبال واحتفال بالحياة المادية ! يبتعد ناصر عن بيته بكليته روحا وجسدا وكأنما يعيش في مكان آخر . فهل يعيش ناصر حالما كما تفعل حياة ؟  وهل يعيش في مسلاخ الشخص الثري المثقف المعارض ؟ هل مأساة ناصر متأتية من اقصائه عن كرسي الوزارة وتلك الأضواء الوهاجة والواجهة الخلابة لتصوراته عن نفسه ؟ وهل كان ناصر مغضوبا عليه أم مصابا بالبارانويا ؟ لم نتبين بجلاء معاناة فكرية او تورطا سياسيا معينا لناصر بل كان شخص يندفع نحو الثمالة ويرزح تحت شعور الاحباط بسبب احساسه بالتهميش والاهمال من محاور السلطة في بلده ويفتقد هالتي النفوذ والمنصب الرسمي. وتبرز كلمة ناصر منذ البداية (من خلال حديث النفس عند حياة ) بوصفها الكلمة المضادة لكلمة حياة . وكأن (حياة) هي حياة ناصر التي لم يكن راضيا عنها ولطالما واجهها وانتقدها انها حياة الشهوانية الفجة السطحية اللاهية الباحثة عن المسرات العابرة والمسترسلة في أهوائها المستسلمة للابتذال والمستغرقة في (أناها) كانت تلك جزءا من الحياة المبسوطة امام ناصر ولكنه لم يكن قانعا ولا راضيا بها .
من المنطقي- اذا - ان تمرض حياة المفعمة بالحياة والمشاعر الجياشة والرغبات العارمة ويصيب الداء قلبها ثم تموت بسرعة وبساطة لان الحياة كانت بالنسبة لناصر المحبط المتحسر شيئا هامشيا يتسرب ويتبخر  في الهواء كأن لم يكن وقد لحق ناصر بحياة فمات بعدها لانه فقد بموتها الحياة الوحيدة التي كانت بحوزته . يبدو ناصر- في مذكراته - رجلا يشيخ نفسيا وتدهمه الأمراض كعوارض لاكتئاب قهري يقول ( روح الاشتهاء ماتت بداخلي ) انظر (154) بينما تبدو (حياة) كما يشير اسمها قادرة على العطاء ومشغولة بتفتحها العاطفي والجسدي وكأنما تؤذيه عمدا بإقبالها على الحياة واستدبار الحياة له حتى انه يتهمها بأنها أصبحت ( وقحة ) لأنها لها مطالبات ورغبات تصرح بها ! ثم يتلمس سبيلا للشك فيها لأنها وردة تتفتح ولا تجد من يشمها فيشك في أصدقائه ولا يستثني السائق الوافد . يخاف ناصر تفجر حياة و اندفاعها فيتهمها بالخيانة ويحيطها بالشك والانتقادات ويعنفها بل ويمارس عنفا عليها لأنه يشعر بحساسية مفرطة في التعامل معها كزوجة . ويتحدث ناصر وبأدق التفاصيل اليومية المزعجة عن زوجته ولكنه لا يتحدث عن همومه بوصفه مثقفا ومعارضا للسلطة ولا عن جانب من ذكرياته عندما كان مستوزرا في السلطة ! ولا يذكر شيء عن الزمن الذي قضاه معتقلا  - كما اشارت حياة عرضا - وفيم اعتقل؟ وكيف تم نبذه واستبعاده ؟ بل لا نعلم له علاقات واضحة بأشخاص آخرين غير (حياة) ونزاعهما الأبدي حول مسائل تتصل حصرا بغرفة النوم !! الأمر الذي اضر كثيرا ببناء الرواية الفني وبتكوين الشخصيات الرئيسة  . ويأتي (ناصر) على جانب طارئ من شخصية (حياة) لم يبد انه يثمنه على الإطلاق  ( كانت تتابع حلقات تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وتحضر لقاءات ليبرالية ودينية أيضا )الصفحة ( 155 ) ويعقب قائلا ( لا اعتقد أن حياة من النوع الذي يتأثر بكلام الإعلام والصحافة ) الصفحة ( 157) وتردد حياة مقالة ناصر فيما يخص حكاية العقدة النفسية التي تسببت في إصابتها بازدواج في الشخصية ذلك المرض الذي لم نشهد له فعليا عوارض ملموسة  ماعدا تلك الهواجس والتهيؤات التي لا تعدو ان تكون احلام يقظة تواتيها بسبب رغبتها في استمالة رجال آخرين يطرون جمالها المضمحل ويهتمون بها مادام زوجها يهملها وينتقدها بل ويذلها ويضربها فهي تقول ( هذا الرجل لا يعترف بشخصيتي ولا دوري في الحياة )( 184 ) غير ان حياة لا تملك حقا شخصية مستقلة عن ناصر كما ان لا دور لها في الحياة ولا حتى في الرواية سوى القاء الضوء الكاشف على شخصية ناصر.
يظهر ناصر مثل (حياة) تماما مضطربا في تحليله ويلقي بالأسئلة في كل مكان وظلال الشك تغطي مساحة كبيرة من حياته فلا يكاد يجزم بشيء ويشك في قدراته ثم يدافع عن نفسه ويشك في أصدقائه ثم يتهم حياة ويشك في حياة ثم يعترف انه شرقي غيور .  يقول ( هل اعاني اضطرابا نفسيا بل هل تريد حياة ان توهمني بانني غير سوي نفسيا وبالتالي اتخيل تلك الاشياء وابالغ فيها ؟ ) الصفحة ( 165) و يقول في موضع آخر ( هل تصح مقولة حياة بانه معمول لنا عمل .. كل المؤشرات تقترب بي من هذا الاعتقاد الشائن ) الصفحة( 182) .
من المدهش حقا ان (حياة) تلك المراة السطحية تميل- في مونولوجها الداخلي - الى تحليل الامور وتعليق الاسباب بالنتائج بل تعمد الى التفكر في الأحداث من حولها-  بقطع النظر عن صحة هذا النظر وصوابه - تقول حياة ( هل يستطيع المال والأيديولوجية تغيير وجه العالم ؟ وهل وجه امريكا هو الوجه القبيح فقط في العالم ) 135 بل انها تقول بثقة ( لم يكن ناصر قادرا على تحليل ما يجري في العالم )  (136) أما هي – فيا للمفارقة - كانت قادرة ان ترى بجلاء ان زوجها ( كان يشرب كثيرا ليقهر وعيه وتركيز اعضائه ) (130)   
لم كان ناصر باردا مع زوجته ؟ ولم كان مؤمنا بكفاح الانسان ضد الظلم ؟وهو الرجل الثري الذي تربو استثماراته على المئتي مليون دولار ولكنه يتحدث كشخص محدود الدخل يعاني حقدا طبقيا حين يقول ( طز في السيارات الفارهة وطز في الارقام المميزة وطز في هذا العالم الذي يحكمون على الانسان بطراز سيارته ورقم لوحتها ) (151 )
تهبط الرواية الى مستوى رومانسي بصورة دراماتيكية واضحة بعد توعك حياة المرضي حيث يبدأ انعطاف حقيقي ومفاجئ في سلوكها اذ تفكر لأول مرة باهتمام في أولادها ثم تصد محاولة تحرش هاتفية من مشعل بحزم  ! وتشرع الرواية منذئذ في اتخاذ خط افقي في الزمن وتسلسل الأحداث حيث تسافر حياة بصحبة ناصر طلبا للعلاج ويتقارب الزوجان ويسود الوداد علاقتهما وتتعافى حياة بعد العملية وتعود ليالي الدفء الى حياتهما الزوجية !! وفي ليلة هي آخر لياليها تغمض حياة عينيها دون ان تشك للحظة في زوجها المسافر ثم يلتقط عبد الله خيط السرد من يد أمه وننتقل الى ضمير المتكلم لشخص ثالث هو الابن الأكبر لحياة الذي يخبرنا بان أمه توفيت في سريرها (كالملاك ) وأن أخيه كان يعبث بصندوق خشبي في غرفة أمه فوجد دستة من شرائط  الكاسيت تضم اعترافات امه وشكوكها ليعلن بعدها ان والده لم يكن متزوجا بامرأة أخرى . وقد كان مصير ناصر دراميا للغاية في الرواية التي أصبحت في خاتمتها اقرب الى روايات محمد عبد الحليم عبد الله ذات الطابع الرومانسي فقد استغرق ناصر في الشراب بعد وفاة حياة وأهمل أعماله كلية وتركها بيد عبد الله وهجر كل أصدقائه وصار لا يخرج من المنزل أبدا ومات بعد ستة أشهر من وفاة حياة !! لقد جعل الكاتب الدكتور عبد الملك الكلمة الأخيرة للابن الاكبر (عبدالله) لا ليطلعنا على آخر الوقائع فحسب وإنما على نتيجتها بالذات وكأنه يملك وحده مفتاح(الحقيقة) فقام بتصحيح الالتباس وترك الكلمة الطيبة في حق والديه بالرغم من أن عبد الله نفسه حقيق على الا يسامح  أبويه فقد انصرفا طويلا عنه وعن اخوته الى حياتهما الشخصية و نزاعاتهما الخاصة . لقد الزم الكاتب نفسه بتحديد مصدر لكل خطاب فحياة تركت شرائط كاسيت بصوتها ! وسجل ناصر مذكراته في مجلد احمر! اما عبدالله الذي عثر على الشرائط والمذكرات معا فحكى لنا بطريقة متخيلة نهاية القصة دون أن يتجشم الكاتب -هذه المرة -مشقة تحديد الوسيلة التي اتخذها عبد الله  ليترك كلمته . ان رواية " القنبلة " مونولوج داخلي طويل لشخصية هامشية تلبستها شخصية رئيسية لتتمكن بواسطتها من التعبير عن نفسها بصورة أكثر بلاغة وتفجرا عبر التداعيات والإسقاطات وانتحال كلمة الآخر .

















ليست هناك تعليقات: